الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بِالعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ ۝﴾ [الأعراف: ١٩٩]. المعروفُ: ضدُّ المُنكَرِ، والعُرْفُ: ضدُّ النُّكْرِ، وفي الآيةِ: دليلٌ على حُجِّيَّةِ العُرْفِ والعملِ به، فيما لم يَحسِمْهُ الشرعُ ويُبيِّنْهُ، فكلُّ ما تطبَّعَتْ نفوسُ الناسِ عليه، وتوارَدَ على الأذهانِ انصرافُ الذهنِ إليه عندَ ذِكْرِه، فذلك العُرْفُ. أنواعُ أعرافِ الناسِ: وتختلِفُ البلدانُ في أعرافِها، وكلُّ بلدٍ محكومٌ بعُرْفِهِ ما لم يَفصِلْ فيه الحُكْمُ مِن الشرعِ، وقد اعتبَرَ بالعُرْفِ السلفُ لظواهرِ الأدلَّةِ، والعُرْفُ على نوعَيْنِ: عُرْفٌ فاسدٌ، وعُرْفٌ صالحٌ: فأمّا العرفُ الفاسدُ: فما خالَفَ الشرعَ والفِطْرةَ الصحيحةَ، فلو تعارَفَ الناسُ على محرَّمٍ وشرٍّ، فيجبُ إنكارُهُ فضلًا عن كونِهِ دليلًا يستحِقُّ الأخذَ به، فقد تعارَفَتِ الأممُ على حرامٍ جاءَ الأنبياءُ بإنكارِه، مِن الكُفْرِ، وأكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ، واللواطِ، وتطفيفِ المِكْيالِ والمِيزانِ، والتعرِّي، والبغيِ والظُّلْمِ، ووَأْدِ البناتِ، وقتلِ الأولادِ. وأمّا العرفُ الصحيحُ: فما لم يُعارِضْ ما حَدَّتْهُ الشريعةُ ووصَفَتْهُ، فالأخذُ بذلك صحيحٌ، ويُحمَلُ مجملُ الأقوالِ والأفعالِ والشروطِ عليه، فالقاعدةُ عندَ الفقهاءِ: أنّ المعروفَ عُرْفًا كالمشروطِ شرطًا، وذلك في الحقوقِ والعقودِ والشروطِ، والألفاظِ، كالقذفِ والسَّبِّ والاستهزاءِ وغيرِ ذلك، وقد قال اللهُ تعالى: ﴿وعَلى المَولُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٣٣]، وقال ﷺ لِهِنْدٍ زَوْجةِ أبي سُفْيانَ، وقد شَكَتْ له شُحَّ زَوْجِها: (خُذِي ما يَكْفِيكِ ووَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ)، رواهُ البخاريُّ[[أخرجه البخاري (٥٣٦٤).]]. وقد يَرِدُ في الشرعِ العملُ على عُرْفِ الصدرِ الأوَّلِ، لا تعيينًا له وتحريمًا للخروجِ عليه، فيَظُنَّهُ الناسُ حدًّا شرعيًّا، وإنّما هو إقرارٌ لعُرْفٍ، وعلامةُ ذلك خروجُ الصحابةِ وخيرِ القرونِ عنه مع عِلْمِهم به، وأَقْوى ذلك عملُ أهلِ المدينةِ ومَكَّةَ. وما مِن فقيهٍ مِن السلفِ والأئمَّةِ الأربعةِ إلاَّ وقد عَمِلَ بالعُرْفِ، ولكنْ تختلِفُ درجةُ اعتِبارِهِمْ به وجعلِهِ دليلًا مِن الأدلةِ، فذهَبَ المالكيَّةُ والحنفيَّةُ إلى كونِه دليلًا. وقولُه تعالى: ﴿وأَعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ ۝﴾، فيه عدمُ اعتِبارِ عُرْفِ الجُهّالِ والضُّلاَّلِ، وما تعارَفَ عليه القِلَّةُ ممّا لا يُقِرُّ به العامَّةُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب