الباحث القرآني
سورةُ الطَّلاقِ سورةٌ مدَنيَّةٌ بلا خلافٍ[[«تفسير ابن عطية» (٥ /٣٢٢)، و«زاد المسير» (٤ /٢٩٥)، و«تفسير القرطبي» (٢١ /٢٦).]]، وقد أنزَلَ اللهُ فيها أحكامَ الطلاقِ والمطلَّقاتِ، وبيَّن اللهُ ما لهنَّ وما عليهنَّ، وتفاصيلُ هذه الأحكامِ نزَلَتْ في المدينةِ، سواءٌ في هذه السورةِ أو غيرِها، وكان ابنُ مسعودٍ يسمِّيها: سورةَ النِّساءِ القُصْرى[[ينظر: «صحيح البخاري» (٤٥٣٢) و(٤٩١٠)، و«تفسير الطبري» (٢٣ /٥٥)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (١٠ /٣٣٦١).]].
قال الله تعالى: ﴿ياأَيُّها النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وأَحْصَوا العِدَّةَ واتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ ولا يُخْرَجْنَ إلاَّ أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ومَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا فَإذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ وأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: ١ ـ ٢].
أحكامُ الطلاقِ جليلةٌ، ولأنّها عظيمةُ الأثرِ خاطَبَ اللهُ نبيَّه ﷺ بها، مع أنّ الخِطابَ للمؤمِنِينَ كافَّةً، فنادى اللهُ نبيَّه بقولِه: ﴿ياأَيُّها النَّبِيُّ﴾ للتعظيمِ، ثمَّ بيَّن عمومَ الحُكْمِ: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾.
وقد جاء أنّ هذه الآيةَ نزَلَتْ في تطليقِ النبيِّ ﷺ لحَفْصَةَ، فأمَرَهُ اللهُ بإرجاعِها، فقيل له: راجِعْها، فإنّها صوّامةٌ قوّامةٌ[[«تفسير الطبري» (٢٣ /٣٠)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (١٠ /٣٣٥٩).]].
وقد ثبَت في «الصحيحَيْنِ»، عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ، أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وهِيَ حائِضٌ، فَذَكَرَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ، ثُمَّ قالَ: (لِيُراجِعْها، ثُمَّ يُمْسِكْها حَتّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فَإنْ بَدا لَهُ أنْ يُطَلِّقَها، فَلْيُطَلِّقْها طاهِرًا قَبْلَ أنْ يَمَسَّها، فَتِلْكَ العِدَّةُ كَما أمَرَ اللهُ عزّ وجل) [[أخرجه البخاري (٤٩٠٨)، ومسلم (١٤٧١).]].
وقد بيَّن اللهُ قبلَ ذلك في سورةِ البقرةِ عِدَّةَ المطلَّقةِ الحائضِ عندَ قولِه تعالى: ﴿والمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [٢٢٨].
طلاقُ السُّنَّة وطلاقُ البِدْعةِ:
قولُه تعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾.
للطَّلاقِ عِدَّةٌ وموضعٌ يُنزَلُ فيها، وليس للزَّوْجِ أن يتكلَّمَ بالطلاقِ بهواهُ وفي الوقتِ الذي يشاءُ هو، فقد جعَلَ اللهُ للطلاقِ موضعًا، وموضعُهُ أنْ يُطلِّقَها في طُهْرٍ لم يُجامِعْها فيه، أو يُطلِّقَها حاملًا قد اتَّضَحَ حَمْلُها.
وقد قال ابنُ مسعودٍ[[«تفسير الطبري» (٢٣/٢٣).]]، وابنُ عبّاسٍ[[«تفسير الطبري» (٢٣ /٢٩).]]، وابنُ عمرَ[[«تفسير الطبري» (٢٣ /٢٨)، و«تفسير ابن كثير» (٨ /١٤٣).]]، في قولِه تعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾: إنّه في طُهْرٍ مِن غيرِ جِماعٍ، وبه قال عطاءٌ ومجاهدٌ والحسنُ وعِكْرِمةُ وميمونُ بنُ مِهْرانَ[[«تفسير الطبري» (٢٣ /٢٥ ـ ٢٧)، و«تفسير ابن كثير» (٨ /١٤٣).]].
وكلُّ طلاقٍ لم يُوافِقِ السُّنَّةَ، فهو طلاقٌ بدْعيٌّ، أمّا السُّنيُّ فتقدَّم، وأمّا الطلاقُ البِدْعيُّ:
فهو تطليقُ الزوجةِ في حَيْضِها أو نِفاسِها، أو في طُهْرٍ قد جامَعَها فيه، أو يُطلِّقُها في زمنِ عِدَّتِها مِن تطليقةٍ سابقةٍ، أو يُطلِّقُها أكثَرَ مِن طلقةٍ مرةً واحدةً.
وأمّا الصغيرةُ والآيسةُ التي لا تَحِيضُ، فلا طلاقَ بدْعيًّا يتعلَّقُ بحَيْضِها ونِفاسِها، وإنّما البِدْعيُّ يتعلَّقُ بتطليقِها في زمنِ عِدَّتِها مِن طلقةٍ سابقةٍ، أو تطليقِها بأكثَرَ مِن واحدةٍ مرةً واحدةً.
ومِن الأئمَّةِ كالشافعيِّ: مَن لم يَجعَلْ مجرَّدَ الطلاقِ ثلاثًا بِدْعةً ما دام طلاقُها في طُهْرٍ لم يُجامِعْها فيه، فاعتبَر الزمانَ ولم يَعتبرِ العَدَدَ، ولكنْ أمَرَ النبيُّ ﷺ ابنَ عمرَ أن يُراجِعَها، ثمَّ إنّ اللهَ تعالى قال بعدُ: ﴿لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا ﴾، والأمرُ: الرَّجْعةُ، وهذا يدُلُّ على أنّ المرادَ بقولِه: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ طلاقُ الرَّجْعةِ، وهو الأصلُ، والثلاثُ على قولِهِ لا رجعةَ فيها، وقد أخَذَ بعمومِ الآيةِ: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾، فوسَّعَ في عددِ الطَّلَقاتِ ما دام في العِدَّةِ، وقد تقدَّم الكلامُ على الطلاقِ الثلاثِ بلفظٍ واحدٍ أو مجلِسٍ واحدٍ عندَ قولِهِ تعالى: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ﴾ [البقرة: ٢٢٩].
وقولُه تعالى: ﴿وأَحْصَوا العِدَّةَ﴾ أمَرَ اللهُ بضبطِ العِدَّةِ، لأنّ ذلك يتعلَّقُ به حقوقٌ واستحلالُ فُرُوجٍ وتحريمُها، ومِن ذلك الميراثُ، فلو مات أحدُ الزوجَيْنِ في آخِرِ يَوْمٍ مِن عِدَّةِ طلاقِ الرَّجْعةِ ولم تخرُجْ منها، فإنّهما يَتوارَثانِ، وتعتدُّ الزوجةُ لوفاةِ زوجِها، وبضبطِ العِدَّةِ تُحفَظُ الأرحامُ مِن أن يكونَ فيها نُطْفةٌ لزوجٍ سابقٍ، فتتزوَّجُ غيرَهُ فيَنتسِبُ الولدُ إلى غيرِ أبيه، وكلُّ خِطْبةٍ لزوجةٍ في عِدَّةِ طلاقِها فهي محرَّمةٌ، لأنّها في عِصْمةِ زوجِها واحتمالِ رَجْعتِها إليه، فضلًا عن حُرْمةِ وطءِ غيرِ زوجِها لها ـ ولو كان بعقدٍ ـ في أثناءِ العِدَّةِ.
السُّكْنى للمطلَّقةِ:
قال تعالى: ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ ولا يُخْرَجْنَ﴾، نَسَبَ اللهُ البيوتَ إليهنَّ، فقال: ﴿بُيُوتِهِنَّ﴾، ليبيِّنَ حقَّهُنَّ فيها بالسُّكْنى في أثناءِ عِدَّتِها، فالمطلَّقةُ الرجعيَّةُ لا يجوزُ لزوجِها إخراجُها بعدَ تطليقِهِ لها حتى تخرُجَ مِن عِدَّتِها، كما أنّه لا يجوزُ لها أن تخرُجَ هي مِن بيتِ زوجِها: ﴿ولا يُخْرَجْنَ﴾، لأنّها وإن كانتْ مطلَّقةً فهي في عِصْمةِ زَوْجِها لا تخرُجُ إلاَّ بإذنِه.
وإنْ خرَجَتِ المطلَّقةُ مِن بيتِ زوجِها بغيرِ إذنِه، فلا نَفَقةَ لها ولا سُكْنى، وهذا مُقتضى سياقِ الآيةِ.
وقولُه تعالى: ﴿ولا يُخْرَجْنَ إلاَّ أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ بيَّن اللهُ أنّ المرأةَ إنْ أتتْ بفاحشةٍ بيِّنةٍ، وهي الزِّنى، فلزَوْجِها إخراجُها مِن منزلِه، لأنّها خانتْ أمانتَهُ وعَهْدَهُ معها وميثاقَ اللهِ الذي أخَذَهُ عليها.
وقد فسَّر الفاحشةَ بالزِّنى جماعةٌ، كابنِ مسعودٍ وابنِ عبّاسٍ وجماعةٍ مِن السلفِ[[«تفسير ابن كثير» (٨ /١٤٣).]].
ومِن السلفِ: مَن حمَلَ الفاحشةَ هنا على فُحْشِ اللِّسانِ وبَذاءتِه، كأنْ تتسلَّطَ بالفُحْشِ على الزوجِ وعلى أهلِهِ كأُمِّه وأبيهِ، وهذا مرويٌّ عن ابنِ عبّاسٍ[[«تفسير الطبري» (٢٣ /٣٤).]].
ومنهم: مَن حمَلَ الفاحشةَ على كلِّ معصيةٍ، ورُوِيَ هذا عن ابنِ عبّاسٍ أيضًا[[«تفسير الطبري» (٢٣ /٣٤).]]، وصوَّبه ابنُ جريرٍ[[«تفسير الطبري» (٢٣ /٣٦).]].
وقولُه تعالى: ﴿وتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ومَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ بيانٌ بأنّ أحكامَ الطلاقِ والعِدَدِ والسُّكْنى أحكامٌ للهِ لا يجوزُ الخروجُ عنها مهما بلَغَتِ البَغْضاءُ بينَ الزوجَيْنِ، فأمرُ اللهِ وحَدُّهُ فوقَ ذلك كلِّه، ومَن خالَفَ تلك الحدودَ مِن الزوجَيْنِ، فظُلْمُهُ على نفسِه، فاللهُ لم يَشرَعِ الأحكامَ إلاَّ لمنفعتِهِ ولو جَهِلَ ذلك أو غابتْ عنه حِكْمَتُه، وبيانُ ذلك في قولِه تعالى: ﴿لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا ﴾، يعني: أنّ اللهَ يُحدِثُ مِن تغيُّرِ الحالِ والرأيِ بينَ الزوجَيْنِ بعدَ عجَلةِ الطلاقِ ما يَنْدَمانِ عليه، فيَتراجَعانِ عن قُرْبٍ قبلَ خروجِ الزوجةِ مِن بيتِها، وقبلَ انقضاءِ العِدَّةِ، فجعَلَ اللهُ العِدَّةَ أجَلًا للنظرِ ومراجعةِ النَّفْسِ، فلو تَفَرَّقَ الزوجانِ مِن أولِ وقوعِ الطلاقِ، وخرَجَتِ الزوجةُ مِن بيتِ زوجِها، كانتِ الرجعةُ أشَقَّ، ومكابَرَةُ النفوسِ وعنادُها أشَدَّ، فتُهلِكُ العجَلةُ أهلَها، واللهُ يُريدُ بهم رِفْقًا.
وقد صحَّ عن عليٍّ قولُه: ما طلَّقَ رجلٌ طلاقَ السُّنَّةِ، فنَدِمَ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (١٧٧٣٧)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٧ /٣٢٥).]].
وذلك أنّ اللهَ لم يشرِّعْ ذلك ويَضَعْ له عِدَّةً وحَدًّا إلاَّ لتخرُجَ الزوجةُ مِن نَفْسِ زوجِها، والزوجُ مِن نفسِ زوجتِه، ولا يَجِدا ألمًا وحَسْرةً على الفِراقِ، ولكنْ يَندَمُ الناسُ على الطلاقِ بمقدارِ مُخالفتِهم لحدودِ اللهِ فيه.
السُّكْنى للمُطلَّقةِ المَبْتُوتةِ:
وقد ذكَرَ غيرُ واحدٍ مِن السلفِ أنّ الأمرَ في قولِه تعالى: ﴿لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا ﴾ أنّ المقصودَ هو الرَّجْعةُ، كما قاله الشَّعْبيُّ وعطاءٌ وقتادةُ والثوريُّ[[«تفسير الطبري» (٢٣ /٣٨ ـ ٣٩).]].
وأخَذ غيرُ واحدٍ مِن الأئمَّةِ مِن لازِمِ هذه الآيةِ ودليلِ خِطابِها: عَدَمَ وجوبِ السُّكْنى والنفقةِ للمطلَّقةِ المبتوتةِ، لأنّ اللهَ لن يُحدِثَ لها مع زوجِها أمرًا فتَرجِعَ إليه، وبقاؤُها في عِصْمَتِهِ قد تَتْبَعُهُ مَفْسَدةُ أنْ يَستحِلَّ منها ما حَرُمَ عليه كنَظَرٍ ومباشَرةٍ، لأنّه أجنبيٌّ عنها، وبهذا القولِ قال أحمدُ وجماعةٌ، وقد رَوى أيُّوبُ، قال: سمعتُ الحسنَ وعِكْرِمةَ يقولانِ: المطلَّقةُ ثلاثًا، والمُتوفّى عنها: لا سُكْنى لها ولا نفقةَ، قال: فقال عِكْرِمةُ: ﴿لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا ﴾، فقال: ما يُحدِثُ بعدَ الثلاثِ[[«تفسير الطبري» (٢٣ /٣٨).]].
والأئمَّةُ الثلاثةُ ـ أبو حنيفةَ، ومالكٌ، والشافعيُّ ـ يُوجِبونَ السُّكْنى للمُطلَّقةِ ثلاثًا، ولكنَّهم يَختلِفونَ في النفقةِ، فأَوجَبَها أبو حنيفةَ لها، ولم يُوجِبْها مالكٌ والشافعيُّ.
وأُلحِقَ بذلك في قولِ أحمدَ المُتوفّى عنها زوجُها: أنّه لا يجبُ لها سُكْنى، لانتفاءِ علةِ الرَّجْعةِ بموتِ الزوجِ، وهي العلةُ التي أمَرَ اللهُ بعَدَمِ إخراجِها مِن بيتِها، ونهاها هي عن الخروجِ منه، وعدَمُ وجوبِ السُّكْنى لا يعني وجوبَ إخراجِها ولا استحبابَهُ، بل لها مِن مالِ زوجِها كما لبقيَّةِ الوَرَثةِ.
ولم يجعلِ النبيُّ ﷺ للمَبتوتةِ نفقةً ولا سُكْنى، كما في حديثِ فاطمةَ بنتِ قيسٍ الفِهْرِيَّةِ، حينَ طلَّقَها زَوْجُها أبو عمرِو بنُ حفصٍ آخِرَ ثلاثِ تطليقاتٍ، وكان غائبًا عنها باليمنِ، فأرسَلَ إليها بذلك، فأرسَلَ إليها وكيلُهُ بشعيرٍ ـ نفقةً ـ فتَسخَّطَتْهُ، فقال: واللهِ ليس لكِ علينا نفقةٌ، فأتتْ رسولَ اللهِ ﷺ، فقال: (ليس لكِ عليه نفقةٌ ولا سُكْنى)، وأمَرَها أن تَعْتَدَّ في بيتِ أمِّ شَرِيكٍ، ثمَّ قال: (تِلْكِ امْرَأَةٌ يَغْشاها أصْحابِي، اعْتَدِّي عِنْدَ ابنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإنَّهُ رَجُلٌ أعْمى تَضَعِينَ ثِيابَكِ) [[أخرجه مسلم (١٤٨٠).]].
وقد جاء عن عمرَ بنِ الخطّابِ[[«صحيح مسلم» (١٤٨٠/٤٦).]]، وابنِ مسعودٍ[[ينظر: «سنن سعيد بن منصور» (١٣٦١)، و«مصنف ابن أبي شيبة» (١٨٦٥٤)، و«سنن الترمذي» (١١٨٠).]] وابنِ عبّاسٍ: أنّه للمطلَّقةِ المبتوتةِ حاملًا وغيرَ حاملٍ السُّكْنى والنفقةُ.
ومِن العلماءِ: مَن لم يَجعَلْ للمبتوتةِ سُكْنى ولا نفقةً إلاَّ إنْ كانتْ حاملًا، لأنّ اللهَ خصَّها بالذِّكْرِ فيما يأتي، وخَصُوصِيَّةُ الذِّكْرِ دليلٌ على الاستثناءِ.
وقولُه تعالى: ﴿فَإذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ وأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ﴾: جعَلَ اللهُ نهايةَ العِدَّةِ نهايةَ أجَلِ الإمهالِ المتعلِّقِ بالرَّجْعةِ وحقِّ الزوجةِ الرَّجْعيَّةِ في النفقةِ والسُّكنى، وقد أمَرَ اللهُ مَن رَغِبَ في الرَّجْعةِ أن يَرجِعَ زوجتَهُ بمعروفٍ، وإنْ رَغِبَ في الفِراقِ أنْ يُفارِقَها بمعروفٍ بلا أذيَّةٍ ولا سُوءٍ.
الإشهادُ على إرجاعِ المطلَّقةِ:
وأمَر اللهُ بالإشهادِ على ذلك لمعرِفةِ انقضاءِ الأجَلِ، حتى تتزوَّجَ المرأةُ زوجًا غيرَهُ إنْ شاءتْ، وإنْ رَغِبَ في إرجاعِها في العِدَّةِ، أشهَدَ على ذلك، لظاهِرِ الآيةِ، ولا خلافَ عندَ العلماءِ في مشروعيَّةِ الإشهادِ، وإنّما خلافُهم في وجوبِه.
واختلَفُوا في إيجابِ القولِ بالرَّجْعةِ، وهل تصحُّ بالفعلِ وحدَه، كمَن يُقبِّلُ زوجتَهُ ويُباشِرُها يُريدُ رَجْعَتَها بذلك، أو لا بدَّ مِن القولِ؟:
فمَن قال بوجوبِ الإشهادِ، فلازمُ قولِه: أنّ الرَّجْعةَ لا تصحُّ إلاَّ بالقولِ، فقد اختلَفُوا في وجوبِ الإشهادِ على قولَيْنِ، هما قولانِ في مذهبِ أحمدَ والشافعيِّ:
قال جماعةٌ مِن العلماءِ بالوجوبِ، وذلك لظاهرِ الأمرِ في الآيةِ، ولِما رَوى أبو داودَ وغيرُهُ، عن عِمرانَ بنِ حُصَيْنٍ: أنّه سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ يَقَعُ بِها، ولَمْ يُشْهِدْ عَلى طَلاقِها، ولا عَلى رَجْعَتِها؟ فَقالَ: طَلَّقْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ، وراجَعْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ، أشْهِدْ عَلى طَلاقِها، وعَلى رَجْعَتِها، ولا تَعُدْ[[أخرجه أبو داود (٢١٨٦)، وابن ماجه (٢٠٢٥).]].
ورَوى ابنُ جُرَيْجٍ، عن عطاءٍ، أنّه كان يقولُ في قولِه تعالى: ﴿وأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ﴾: لا يجوزُ في نكاحٍ ولا طلاقٍ ولا رِجاعٍ إلاَّ شاهِدا عَدْلٍ، كما قال اللهُ عزّ وجل، إلاَّ أنْ يكونَ مِن عُذْرٍ[[«تفسير ابن كثير» (٨ /١٤٥).]].
وذهَب جماعةٌ مِن العلماءِ: إلى أنّ الأمرَ بالإشهادِ في الآيةِ على الاستحبابِ، وأنّ الأمرَ للإرشادِ، كما في الإشهادِ في البيعِ، وذلك في قولِه تعالى: ﴿وأَشْهِدُوا إذا تَبايَعْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، وبهذا يقولُ أبو حنيفةَ ومالكٌ، وكذلك الشافعيُّ وأحمدُ في أحدِ قولَيْهِما، وهو الأظهَرُ، فالرَّجْعةُ تتعلَّقُ بالزوجِ لا بالزوجةِ، فتحتاجُ إلى قَبُولٍ منها، والقولُ قولُهُ في ذلك، ولمّا كان البيعُ لا يجبُ فيه الإشهادُ، وفيه قَبُولٌ وإيجابٌ، وجاء الأمرُ فيها بصيغةِ الأمرِ هنا، فالإشهادُ في الرَّجْعةِ مِن بابِ أولى أنّه للإرشادِ والدَّلالةِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحۡصُوا۟ ٱلۡعِدَّةَۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡۖ لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُیُوتِهِنَّ وَلَا یَخۡرُجۡنَ إِلَّاۤ أَن یَأۡتِینَ بِفَـٰحِشَةࣲ مُّبَیِّنَةࣲۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن یَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ لَا تَدۡرِی لَعَلَّ ٱللَّهَ یُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ أَمۡرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق