الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿ووَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ ويَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا ونُوحًا هَدَيْنا مِن قَبْلُ ومِن ذُرِّيَّتِهِ داوُودَ وسُلَيْمانَ وأَيُّوبَ ويُوسُفَ ومُوسى وهارُونَ وكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ وزَكَرِيّا ويَحْيى وعِيسى وإلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ وإسْماعِيلَ واليَسَعَ ويُونُسَ ولُوطًا وكُلاًّ فَضَّلْنا عَلى العالَمِينَ ﴾ [الأنعام: ٨٤ ـ ٨٦].
جعَلَ اللهُ عيسى مِن ذريَّةِ إبراهيمَ أو نوحٍ، على خلافٍ في رجوعِ الضميرِ في قولِه تعالى: ﴿ومِن ذُرِّيَّتِهِ﴾:
ورجوعُهُ إلى إبراهيمَ أشهَرُ، وبه قال يحيى بنُ يَعْمَرَ[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٤ /١٣٣٥).]].
وقال بعضُهم: إنّه يَرجِعُ إلى نوحٍ، وهو قولُ ابنِ جريرٍ[[«تفسير الطبري» (٩ /٣٨١).]]، ويعضُدُ قولَهُ: أنّ اللهَ ذكَرَ لُوطًا وهو ليس مِن ذريَّةِ إبراهيمَ، وهو ابنُ أخِيهِ، وقيل: ابنُ أُخْتِه، فإبراهيمُ عمُّهُ أو خالُهُ، والعربُ تُنزِلُ الخالَ والعمَّ بمنزلةِ الوالدِ، ففي الوالدِ قال تعالى: ﴿أمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إلَهَكَ وإلَهَ آبائِكَ إبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ وإسْحاقَ إلَهًا واحِدًا ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: ١٣٣]، فيعقوبُ هو ابنُ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ، وإسماعيلُ بنُ إبراهيمَ عمُّه، فسمّاهُ اللهُ أبًا، وفي مسلمٍ، مِن حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا: (إنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أبِيهِ) [[أخرجه مسلم (٩٨٣).]]، وفي الخالِ روى الدارقطنيُّ في الأفرادِ، مِن حديثِ عائشةَ مرفوعًا، أنّ النبيَّ ﷺ قال للأسودِ بنِ وهبٍ، وهو خالُهُ: (اجْلِسْ يا خالِ، فَإنَّ الخالَ والِدٌ) [[«كنز العمال» (٣٨٣٣)، وأخرجه ابن شاهين في «الأفراد» (ص١٨٩)، وابن بشران في «أماليه» (ص٤٠٣).]]، وفيه كلامٌ، ويعضُدُ معناهُ قولُ النبيِّ ﷺ: (الخالَةُ بِمَنزِلَةِ الأُمِّ) [[أخرجه البخاري (٢٦٩٩).]]، رواهُ البخاريُّ عن البَراءِ، ومُقتضاهُ: أنّ الخالَ بمنزلةِ الأبِ، والذكورةُ في الانتِسابِ أقْوى مِن الأُنوثةِ، ولهذا احتاجَ إلى الإلحاقِ، كما في قولِه ﷺ: (ابْنُ أُخْتِ القَوْمِ مِنهُمْ)، رواهُ الشيخانِ عن أنَسٍ[[أخرجه البخاري (٦٧٦٢)، ومسلم (١٠٥٩).]].
وما بعدَ نوحٍ مِن الناسِ: فكلُّهم مِن ذريَّتِه، وكلُّ الأنبياءِ بعدَ إبراهيمَ مِن ذريَّةِ إبراهيمَ، كما قال تعالى: ﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا نُوحًا وإبْراهِيمَ وجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِما النُّبُوَّةَ والكِتابَ﴾ [الحديد: ٢٦]، وقال تعالى في إبراهيمَ خاصَّةً: ﴿وجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ والكِتابَ﴾ [العنكبوت: ٢٧].
وعيسى لا أبَ له، وبهذا استدَلَّ مَن قال بأنّ أولادَ البناتِ يُنسَبونَ لجَدِّهم، وأنّهم يَدخُلُونَ في الوقفِ عندَ إطلاقِهِ في الذُّرِّيَّةِ والأولادِ، وقد اختلَفَ العلماءُ في هذه المسألةِ على قولَيْنِ:
انتسابُ أولادِ البناتِ لجدِّهم من الأمِّ:
ذهَب قومٌ: إلى أنّ أولادَ البناتِ في حُكْمِ أولادِ البنينَ، فمَن أوقَفَ مالًا على ذُرِّيَّتِهِ وأولادِه، فإنّ أولادَ البناتِ كأولادِ البنينَ، لهذه الآيةِ، ولأنّ النبيَّ ﷺ قال للحَسَنِ بنِ عليٍّ: (إنَّ ابْنِي هَذا سَيِّدٌ، ولَعَلَّ اللهَ أنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ) [[أخرجه البخاري (٢٧٠٤).]].
وبهذا القولِ قال أبو حنيفةَ والشافعيُّ، وهو روايةٌ عن أحمدَ، وجاء عن غيرِهم، وغَلِطَ ابنُ الحاجبِ في حكايةِ الإجماعِ.
وقد ذهَب آخَرونَ: إلى أنّ أولادَ البناتِ لا يَدخُلُونَ في حُكْمِ الأولادِ ولا أولادِهم، وبهذا قال مالكٌ، وهو روايةٌ أخرى عن أحمدَ، وهو الأشهرُ في مذهبِهِ عندَ المتأخِّرِين، وذلك هو المعروفُ عندَ العربِ، وعلى عُرْفِهم نزَلَ القرآنُ، ومنه قولُهُ تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أوْلادِكُمْ﴾ [النساء: ١١]، فلا يَنصرِفُ إلاَّ إلى الأولادِ وأولادِ الأبناءِ دونَ البناتِ، وبهذا استدَلَّ مالكٌ.
ومِن ذلك قولُ الشاعرِ في الحماسةِ:
بَنُونا بَنُو أبْنائِنا، وبَناتُنا
بَنُوهُنَّ أبْناءُ الرِّجالِ الأَباعِدِ
وأمّا نسبةُ عيسى لذريَّةِ إبراهيمَ ونوحٍ، مع كونِه بلا أبٍ، فإنّ مريمَ حلَّتْ مَحَلَّ الأبِ، لانعدامِهِ، فيُنسَبُ إليها وإلى جَدِّهِ منها، ولا حُكْمَ للأُبُوَّةِ الذُّكوريَّةِ في عيسى حتى يُقالَ بِتَرْكِها، والعربُ قد تنسُبُ الولدَ لأُمِّه، وهذا كثيرٌ، كمحمَّدِ بنِ الحَنَفِيَّةِ، وهي أُمُّه، وهو ابنُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ، ولكنْ لم تَحُلَّ الأُمُّ محلَّ الأبِ بإطلاقٍ، حيثُ إنّه لا يُقالُ: محمدُ بنُ الحنفيَّةِ بن أو بنتِ فلانِ بنِ فلانٍ، فيستمِرَّ نَسَبُهُ إلى أُمِّه، وإنما يُقتصَرُ في نسبتِهِ إلى أُمِّه ولا يُجاوَزُ، ثمَّ يَرجِعُ نسبُهُ إلى أبيه، بخلافِ عيسى، فهو عيسى بنُ مريمَ بنتِ عِمْرانَ، ويستمرُّ نسبُه، لأنّ أمَّهُ حَلَّتْ محلَّ الأبِ مِن جميعِ الوجوهِ، إذْ لا وجودَ له، وهذا هو الفرقُ بينَ انتسابِ عيسى لأِمِّهِ وآبائِها وبينَ انتسابِ غيرِهِ لأمِّه، لأنّه انتسابٌ قاصرٌ.
وأمّا انتسابُ الحَسَنِ والحُسَيْنِ إلى النبيِّ ﷺ وقولُهُ للحسنِ: (إنَّ ابْنِي هَذا سَيِّدٌ)، وقولُهُ لمّا رفَعَهما على المنبرِ معَهُ: (صَدَقَ اللهُ: ﴿إنَّما أمْوالُكُمْ وأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ [التغابن: ١٥]) [[أخرجه أحمد (٥ /٣٥٤)، وأبو داود (١١٠٩)، والترمذي (٣٧٧٤)، والنسائي (١٤١٣)، وابن ماجه (٣٦٠٠).]]، فذاك نسبُ تشريفٍ، ولا خلافَ أنّ نَسَبَ النبوَّةِ أعظَمُ نسبٍ، فإذا كانتِ العربُ تنسُبُ بعضَ ولَدِها إلى أمَّهاتِها تعريفًا وتشريفًا، فإنّ نِسْبةَ الحسنِ والحسينِ إلى النبيِّ ﷺ أولى، ثمَّ إنّ الحسنَ والحُسَيْنَ مِن ولدِهِ ﷺ مِن بنتِه، وهذا جائزُ النسبةِ صحيحٌ، ولكنَّه ليس بالعُرْفِ ولا بالوضعِ عندَ العربِ، فالأصلُ عندَهم والعُرْفُ فيهم الانتسابُ إلى الأبِ، وأمّا إلى الأمِّ وأبيها، فيكونُ تشريفًا وتعريفًا، مع صحَّتِهِ حقيقةً، لوجودِ معنى الولادةِ.
ويدخُلُ على كونِ انتسابِ الحسنِ والحسينِ إلى النبيِّ ﷺ تشريفًا: أنّ النسبَ عندَ حكايةِ العربِ والسلفِ في الصدرِ الأوَّلِ يَنتهي إلى المعرَّفِ والمشرَّفِ به، فيُقالُ: الحسنُ بنُ محمَّدٍ رسولِ اللهِ ﷺ، ويُنتهى إلى ذلك، وعندَ إرادةِ وصلِه يُرجَعُ به إلى الأبِ، فيُقالُ: «الحسنُ بنُ عليِّ بنِ أبي طالبِ بنِ عبدِ المطَّلبِ».
{"ayahs_start":84,"ayahs":["وَوَهَبۡنَا لَهُۥۤ إِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَۚ كُلًّا هَدَیۡنَاۚ وَنُوحًا هَدَیۡنَا مِن قَبۡلُۖ وَمِن ذُرِّیَّتِهِۦ دَاوُۥدَ وَسُلَیۡمَـٰنَ وَأَیُّوبَ وَیُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَـٰرُونَۚ وَكَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُحۡسِنِینَ","وَزَكَرِیَّا وَیَحۡیَىٰ وَعِیسَىٰ وَإِلۡیَاسَۖ كُلࣱّ مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ","وَإِسۡمَـٰعِیلَ وَٱلۡیَسَعَ وَیُونُسَ وَلُوطࣰاۚ وَكُلࣰّا فَضَّلۡنَا عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِینَ"],"ayah":"وَوَهَبۡنَا لَهُۥۤ إِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَۚ كُلًّا هَدَیۡنَاۚ وَنُوحًا هَدَیۡنَا مِن قَبۡلُۖ وَمِن ذُرِّیَّتِهِۦ دَاوُۥدَ وَسُلَیۡمَـٰنَ وَأَیُّوبَ وَیُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَـٰرُونَۚ وَكَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُحۡسِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق