الباحث القرآني

قال الله تعالى: ﴿وما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنهُمْ فَما أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِن خَيْلٍ ولا رِكابٍ ولَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَن يَشاءُ واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۝ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِياءِ مِنكُمْ وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فانْتَهُوا واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ ۝﴾ [الحشر: ٦ ـ ٧]. صالَحَ النبيُّ ﷺ يهودَ بني النَّضيرِ في قُراهُم فَدَكَ وما حَوْلَها، فأَعطَوْهُ مالَهُمْ ليَدْفَعوا عن أنفُسِهم القتالَ، فسمّى اللهُ ذلك المالَ فَيْئًا، لأنّ المالَ الذي يُغنَمُ مِن العدوِّ بلا قتالٍ فَيْءٌ، كما قال تعالى: ﴿وما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنهُمْ فَما أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِن خَيْلٍ ولا رِكابٍ﴾، يعني: أنّكم لم تُسْرِعوا بخَيْلِكم وإبِلِكم في غزوٍ ولا كَرٍّ ولا فَرٍّ في قتالِ العدوِّ، وإنّما هو نعمةٌ مِن اللهِ أنْ مَكَّنَكم منهم بلا قتالٍ. والفَيْءُ الذي يُغنَمُ بغيرِ قتالٍ قد اختُلِفَ في تقسيمِه: فمِن العلماءِ: مَن جعَلَهُ خالصًا لرسولِ اللهِ ﷺ يُقسِّمُهُ كما يشاءُ، لأنّ اللهَ ذكَرَ ذلك ولم يُخَمِّسْهُ، كما في قولِه: ﴿ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ﴾. ومِن العلماءِ: مَن جعَلَ الفَيْءَ يُقسَّمُ كالغنيمةِ، وأنّ الآيةَ ذكَرَتِ الخُمُسَ الخاصَّ برسولِ اللهِ ﷺ، وأمّا الأخماسُ الأربعةُ الباقيةُ، فمسكوتٌ عنها، وتَلحَقُ في حُكْمِها حُكْمَ الغنيمةِ، لأنّ اللهَ ذكَرَ ذلك في الغنيمةِ، ذكَر خُمُسَ النبيِّ ﷺ، وسكَتَ عن الباقي للعِلْمِ به، كما قال تعالى: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الأنفال: ٤١]، وبهذا قال الشافعيُّ، فجعَل معنى آيةِ الحَشْرِ كمعنى آيةِ الأنفالِ، وذلك أنّ الفيءَ يُخمَّسُ كالغنيمةِ، وأربعةُ أخماسِها للنبيِّ ﷺ يَتصرَّفُ بها، وبعدَهُ تكونُ للمُقاتِلِين، والخُمُسُ الباقي فيمَن سمّى اللهُ. وله قولٌ آخَرُ: أنّ ما كان لرسولِ اللهِ ﷺ يكونُ بعدَ وفاتِهِ في بيتِ مالِ المُسلِمِينَ ومَصالحِهم. وقد عَدَّ بعضُ السلفِ آيةَ الفيءِ هنا منسوخةً بما في سورةِ الأنفالِ، وذلك أنّ الفيءَ يُخمَّسُ كالغنيمةِ، وبهذا قال قتادةُ وغيرُه[[«تفسير الطبري» (٢٢ /٥١٨).]]. والأرجحُ: أنّ كِلتا الآيتَيْنِ مُحْكَمةٌ، وأنّ المالَ الذي يُكسَبُ بلا قتالٍ يَختلِفُ عن المالِ الذي يُغنَمُ بقتالٍ، وفرقٌ بين آيةِ الغنيمةِ وآيةِ الفَيْءِ، فآيةُ الغنيمةِ بَيَّنَتْ أنّ للنبيِّ ﷺ الخُمُسَ بقولِهِ تعالى: ﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١]، فبيَّنتْ أنّ الباقيَ أربعةُ أخماسٍ، وأمّا آيةُ الفَيءِ هنا، فلم تذكُرْ أنّ للنبيِّ ﷺ قدْرًا محدودًا: ﴿ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ﴾ الآيةَ، ثمَّ أكَّدتْ أنّ الفَيْءَ على الرسولِ لا على غيرِه، بخلافِ آيةِ الغنيمةِ، فنَسَبَتِ الغُنْمَ للمُسلِمينَ، كما في قولِهِ: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ﴾ [الأنفال: ٤١]، فالغنيمةُ كسَبُوها فاستحَقُّوها، وأمّا الفيءُ، فلم يَكْسِبوه، وإنّما هو فضلٌ مِن اللهِ خالصٌ، ويدُلُّ على ذلك: ما رواهُ أحمدُ والشيخانِ، عن عمرَ رضي الله عنه، قال: «كانَتْ أمْوالُ بنِي النَّضِيرِ مِمّا أفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ ﷺ مِمّا لَمْ يُوجِفِ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ ولا رِكابٍ، فَكانَتْ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ خالِصَةً، وكانَ يُنْفِقُ عَلى أهْلِهِ مِنها نَفَقَةَ سَنَتِهِ ـ وقالَ مَرَّةً: قُوتَ سَنَتِهِ ـ وما بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الكُراعِ والسِّلاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللهِ عزّ وجل»[[أخرجه أحمد (١ /٢٥)، والبخاري (٢٩٠٤)، ومسلم (١٧٥٧).]]. وبهذا قال مالكٌ وأحمدُ وجماعةٌ. وقد حمَلَ جماعةٌ مِن المفسِّرينَ قولَهُ تعالى في الفَيْءِ هنا: ﴿وما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ﴾ على كلِّ ما غُنِمَ بلا قتالٍ، كالجِزْيةِ وخَراجِ أرضِ المشرِكِين، كما نصَّ على هذا مَعْمَرٌ وغيرُه[[«تفسير الطبري» (٢٢ /٥١٦).]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب