الباحث القرآني
قال اللهُ تعالى: ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ ويَتَناجَوْنَ بِالإثْمِ والعُدْوانِ ومَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وإذا جاءُوكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ ويَقُولُونَ فِي أنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنا اللَّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ المَصِيرُ ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالإثْمِ والعُدْوانِ ومَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وتَناجَوْا بِالبِرِّ والتَّقْوى واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إلَيْهِ تُحْشَرُونَ إنَّما النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ولَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئًا إلاَّ بِإذْنِ اللَّهِ وعَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ ﴾ [المجادلة: ٨ ـ ١٠].
كان اليهودُ إنْ مَرَّ بهم مسلِمٌ تناجَوْا، حتى يظُنَّ المسلِمُ أنّهم يَقصِدُونَهُ ويَأتمِرونَ عليه لِيَحْزَنَ ويَخشى، وقد كانوا يُحَيُّونَ رسولَ اللهِ ﷺ بغيرِ تحيَّةِ الإسلامِ، فيقولونَ: (السّامُ عليكَ)، ليُوهِمُوهُ بأنّهم يُسلِّمونَ عليه، وهم يدْعُونَ عليه بالموتِ.
وفي «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ عائشةَ رضي الله عنها، أنَّ اليَهُودَ دَخَلُوا عَلى النَّبِيِّ ﷺ، فَقالُوا: السّامُ عَلَيْكَ، فَلَعَنْتُهُمْ، فَقالَ: (ما لَكِ؟)، قُلْتُ: أوَ لَمْ تَسْمَعْ ما قالُوا؟! قالَ: (فَلَمْ تَسْمَعِي ما قُلْتُ: وعَلَيْكُمْ؟!) [[أخرجه البخاري (٢٩٣٥)، ومسلم: (٢١٦٥).]].
وقد وجَّه اللهُ الخِطابَ بعدَ ذلك للمؤمنينَ محذِّرًا مِن مشابَهةِ اليهودِ بالتَّناجِي على طريقتِهم، بما يُوغِرُ الصدورَ ويُوقِعُ البَغْضاءَ، فلا يجوزُ أنْ يتناجى أحدٌ مع أحدٍ بقصدِ إحزانِ أحدِ الحاضِرِينَ ولو لم يكنْ مقصودًا بذلك، فما دام أنّه يَظُنُّ أنّه المرادُ، فلا يجوزُ التناجِي أمامَهُ ولو كان في المَجلِسِ غيرُه، وذلك لظاهرِ الآيةِ.
أنواعُ النَّجْوى المنهيِّ عنها:
وقد نَهى اللهُ ونبيُّه عن النَّجْوى والمُسارَّةِ في الحديثِ في حالاتٍ ثلاثٍ:
الحـالةُ الأُولـى: التناجِي بالإثمِ والعُدْوانِ، والغِيبَةِ والنميمةِ، والمَكْرِ والخديعةِ، فهذه مع كونِها محرَّمةً في ذاتِها إلاَّ أنّه خُصَّ النهيُ عن التناجِي بها، لأنّ الإسرارَ بالشرِّ يُنمِّيهِ ويجسِّرُ النفوسَ على المزيدِ منه وفعلِه، ولا يجدُ فاعلُهُ مُنكِرًا عليه، لأنّ الناسَ لا يَرَوْنَهُ، ولو قُصِدَ أحدٌ بسُوءٍ بتلك النجوى، لم يَحتَطْ لنفسِه مِن شرِّهم، وأمّا الجهرُ به، فمع كونِه محرَّمًا إلاَّ أنّ فاعلَهُ يجدُ مُنكِرًا يُنكِرُ عليه لو سَمِعَهُ، والنَّفْسُ تَنفِرُ مِن المُجاهَرةِ بالسُّوءِ بطَبْعِها، والمُنكَرُ المُعلَنُ لا يدومُ، لأنّ الفِطْرةَ والناسَ يُقاوِمونَهُ ويَدفَعونَه، بخلافِ المُنكَرِ الذي يَستتِرُ به، فيَدومُ وتتوطَّنُ عليه النَّفْسُ، ولهذا تَبدَأُ الشرورُ سِرًّا في الناسِ حتى يَتطبَّعوا عليها، ثمَّ يُعلِنونَ بها، فالسِّرُّ أصلُ كلِّ شرٍّ.
الحـالـةُ الثـانيةُ: التناجِي لإحزانِ أحدٍ أو جماعةٍ مِن المؤمِنِينَ، وذلك بإظهارِ التآمُرِ عليهم، وقصدِ عَيْبِهم وغِيبَتِهم، فهذا محرَّمٌ ولو كان المتناجُونَ في جَمْعٍ مِن الناسِ، ما دام قصدُهم هذا، وما دام يُفهَمُ منهم ذلك، ومِن الناسِ مَن يُناجِي صاحِبَهُ وليس لدَيْهِ قولُ سوءٍ، وإنّما لِيُشعِرَ مَن يَكرَهُهُ أنّه يطعُنُ فيه عندَ أخيهِ، وهذا محرَّمٌ، ومِن النجوى المنهيِّ عنها.
الحالةُ الثالثة: أن يَتناجى اثنانِ عندَ وجودِ الثالثِ ولو لم يكنْ مقصودًا بالنجوى، وقد ثبَتَ في «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ ابنِ عمرَ، أنّ النبيَّ ﷺ قال: (إذا كُنْتُمْ ثَلاثَةً، فلا يَتَناجى اثْنانِ دُونَ الآْخَرِ حَتّى تَخْتَلِطُوا بِالنّاسِ، مِن أجْلِ أنْ يُحْزِنَهُ) [[أخرجه البخاري (٦٢٩٠)، ومسلم (٢١٨٤).]].
وإذا كثُر الناسُ، فالأمرُ أخَفُّ، ما لم يكنِ القصدُ معروفًا عندَ واحدٍ منهم، فيَغلِبُ على ظنِّه أنّه المَعْنيُّ بالنجوى، وقد رَوى ابنُ حِبّانَ، عن أبي صالحٍ، عن ابنِ عمرَ، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (لا يَتَناجى اثْنانِ دُونَ صاحِبِهِما، فَإنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ)، قالَ أبو صالِحٍ: فَقُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: فَأَرْبَعَةٌ؟ قالَ: لا يَضُرُّكَ[[أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (٥٨٤).]].
وقد رَوى مالكٌ في «موطَّئِه»، عن عبدِ اللهِ بنِ دِينارٍ، قال: كُنْتُ أنا وعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ عِنْدَ دارِ خالِدِ بنِ عُقْبَةَ الَّتِي بِالسُّوقِ، فَجاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أنْ يُناجِيَهُ، ولَيْسَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أحَدٌ غَيْرِي وغَيْرُ الرَّجُلِ الَّذِي يُرِيدُ أنْ يُناجِيَهُ، فَدَعا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَجُلًا آخَرَ حَتّى كُنّا أرْبَعَةً، فَقالَ لِي ولِلرَّجُلِ الَّذِي دَعاهُ: اسْتَأْخِرا شَيْئًا، فَإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: (لا يَتَناجى اثْنانِ دُونَ واحِدٍ) [[أخرجه مالك في «الموطأ» (٢ /٩٨٨).]].
ويدخُلُ في حُكْمِ النجوى حديثُ الإنسانِ بلُغَةٍ لا يَفهَمُها إلاَّ هو ومَن يتحدَّثُ معه عندَ مَن يَسمَعُها ولا يَفهَمُ المرادَ، ويَعلَمُ تكلُّفَهُمْ بقصدِ عدمِ إفهامِه ما يقولونَ، كمَن يتكلَّمُ بالفارسيَّةِ والإنجليزيَّةِ عندَ مَن لا يَعرِفُ إلاَّ العربيَّةَ، وهم يَعرِفونَ جميعًا الكلامَ بالعربيَّةِ مِثلَه، ولكنَّهم تَكلَّفُوا تَرْكَها، لعدمِ فهمِهِ لمرادِهم.
{"ayahs_start":8,"ayahs":["أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ نُهُوا۟ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ یَعُودُونَ لِمَا نُهُوا۟ عَنۡهُ وَیَتَنَـٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰنِ وَمَعۡصِیَتِ ٱلرَّسُولِۖ وَإِذَا جَاۤءُوكَ حَیَّوۡكَ بِمَا لَمۡ یُحَیِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَیَقُولُونَ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا یُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ یَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا تَنَـٰجَیۡتُمۡ فَلَا تَتَنَـٰجَوۡا۟ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰنِ وَمَعۡصِیَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَـٰجَوۡا۟ بِٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ٱلَّذِیۤ إِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ","إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ لِیَحۡزُنَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَلَیۡسَ بِضَاۤرِّهِمۡ شَیۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ"],"ayah":"أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ نُهُوا۟ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ یَعُودُونَ لِمَا نُهُوا۟ عَنۡهُ وَیَتَنَـٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰنِ وَمَعۡصِیَتِ ٱلرَّسُولِۖ وَإِذَا جَاۤءُوكَ حَیَّوۡكَ بِمَا لَمۡ یُحَیِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَیَقُولُونَ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا یُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ یَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق