الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿ولَقَدْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إسْرائِيلَ وبَعَثْنا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وقالَ اللَّهُ إنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أقَمْتُمُ الصَّلاةَ وآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وآمَنتُمْ بِرُسُلِي وعَزَّرْتُمُوهُمْ وأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ولأُدْخِلَنَّكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأَنْهارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: ١٢].
وهؤلاءِ النُّقَباءُ الذين اتَّخَذَهم موسى هم رؤوسٌ عن قومِهم، مِن كلِّ سِبْطٍ يَبعَثونَ رجُلًا، وذلك لمّا أراد موسى قتالَ الجبابرةِ، وإنّما اتَّخَذَ النُّقَباءَ حتى يُسمَعَ له ويُطاعَ، فلا يَنشقَّ الصفُّ ويَنهزِمَ أهلُ الحقِّ، فإنّ مَن قاتَلَ مِن غيرِ قناعةٍ، ضَعُفتْ عزيمتُهُ عن الإثخانِ في العدوِّ، فيُهزَمونَ ولو كانوا كثرةً، لِهَوانِ نفوسِهم بالقِلَّةِ الثابتةِ، وإنّما اتَّخَذَ موسى واحدًا على كلِّ قومٍ، ليكونَ شاهدًا عليهم بما يُريدونَ، وضامنًا لهم وضامنًا عليهم.
اتخاذُ النقباءِ والعرفاءِ:
ولذا يتأكَّدُ على الحُكّامِ اتِّخاذُ النُّقَباءِ عن الناسِ في القتالِ، خاصَّةً عندَ اختِلافِ الناسِ ومَشاربِهم، وضَعْفِ دينِهم، وهوانِ عزائمِهم، وهكذا فعَلَ النبيُّ ﷺ حينَما بايَعَ الأنصارَ ليلةَ العَقَبَةِ، فكانوا سبعينَ رجلًا وامرأتَيْنِ، فاتَّخَذَ النبيُّ ﷺ منهم اثنَيْ عشَرَ نقيبًا: ثلاثةً مِن الأَوْسِ، وتسعةً مِن الخَزْرَجِ، كما ذكرَهُ مالكٌ وابنُ إسحاقَ[[«سيرة ابن هشام» (١ /٤٤٣)، و«تاريخ دمشق» (٩ /٧٦).]].
والنُّقباءُ هم العُرَفاءُ عندَ العربِ، والنقيبُ: هو الأمينُ الضامنُ على قومِه، وذُكِرَ أنّ اللهَ أنزَلَ فيهم قولَهُ تعالى: ﴿والَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وأَقامُوا الصَّلاةَ وأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ ومِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: ٣٨].
الحكمةُ مِنِ اتخاذِ النقباءِ والرؤساءِ:
وإنّما كان اتِّخاذُ الرؤوسِ مِن الناسِ، لجملةٍ مِن المصالحِ العظيمةِ، ومنها:
الأولُ: لإشباعِ طمعِ النفوسِ في السِّيادةِ، وإغلاقِ مَدْخَلِ الشيطانِ عليهم: أنّهم أُخِذُوا مُغالَبةً وإكراهًا، فيَقومونَ مُكرَهينَ، وربَّما تحيَّنُوا الفرصةَ للتمرُّدِ والعِصْيانِ.
الثاني: أنّ رؤوسَ القومِ يُؤثِّرونَ على أتْباعِهم، والقومُ يُؤثِّرونَ على جِنْسِهم عِرْقًا ونَسَبًا ووطنًا ودينًا، أكثَرَ مِن تأثيرِ الأجنبيِّ عليهم، لهذا أسلَمَ مِن المُشرِكينَ كثيرٌ، ومِن النَّصارى عددٌ غيرُ قليلٍ، ولم تتأثَّرْ يهودُ بأحدٍ أسْلَمَ كما تأثَّرتْ بسَلْمانَ الفارسيِّ، لأنه كان وسْطَهم، وإنْ لم يتديَّنْ بدينهم كما تديَّنوا، ولمّا كان تأثيرُ الرجُلِ على قومِهِ أكثَرَ مِن البعيدِ، قال ﷺ: (لَوْ آمَنَ بِي عَشَرَةٌ مِن أحْبارِ اليَهُودِ، لآَمَنَ بِي كُلُّ يَهُودِيٍّ عَلى وجْهِ الأَرْضِ) [[أخرجه أحمد (٨٥٥٥) (٢ /٣٤٦)، واللفظ له، والبخاري (٣٩٤١) (٥ /٧٠)، ومسلم (٢٧٩٣) (٤ /٢١٥١).]].
واتِّخاذُ العُرَفاءِ والنُّقباءِ متأكِّدٌ في الإسلامِ على الحاكمِ، ويكونُ واجبًا عندَ اشتدادِ الكَرْبِ واتِّخاذِ الأمورِ العِظامِ، فإنّ في ذلك جمعًا للكلمةِ، وفي انتفائِهِ فتنةٌ وشِقاقٌ واضطرابٌ وقتلٌ، وما لا يتمُّ الواجبُ إلاَّ به فهو واجبٌ، وما كان تركُهُ يُفضي إلى حرامٍ، فتركُهُ حرامٌ.
الفرقُ بين أهل الشورى والعُرفاء والنُّقباءِ:
والعُرفاءُ والنُّقباءُ نُوّابٌ عن سَوادِ الناسِ، ولا يَلزَمُ مِن ذلك أنْ يكونوا علماءَ وفُقَهاءَ في الدِّينِ، وإنّما مَن كان رأسًا في قومِه أو رَضُوهُ، فهو نقيبٌ وعَرِيفٌ، وبينَ أهلِ الشُّورى وأهلِ الحَلِّ والعَقدِ والنُّقَباءِ تداخُلٌ، وبعضُها أعَمُّ مِن بعضٍ:
فأمّا أهلُ الشُّورى: فليس كلُّ مَن استحَقَّ الشُّورى يكونُ نقيبًا وعَرِيفًا في قومِه، وإنّما يُستشارُ لعِلْمِهِ وعقلِهِ ولو كان مغمورًا، وأهلُ الشُّورى يَتَّخِذُهُمُ الحاكمُ لنفسِهِ كما اتَّخَذَ النبيُّ ﷺ، واتَّخَذَ خلفاؤُهُ مِن بَعْدِه، ويجبُ أنْ يَتحرّى الحاكمُ فيهم العِلْمَ والتجرُّدَ والعملَ والأمانةَ ليَنصَحُوا له، لا ليُوافِقُوهُ ويُرْضُوهُ فيما يقولُ، ويجبُ ألاَّ يُفسِدَهُمْ ـ بعدَما أدْناهم ـ بالمالِ والعطاءِ، حتى تتشرَّبَهُ قلوبُهم، فيَتهيَّبُوا المُخالَفةَ خوفَ فواتِ العَطيَّةِ والهِبةِ، فيَغُشُّوهُ، لأنّه أفسَدَهُمْ هو على نفسِه.
وأمّا النُّقَباءُ والعُرَفاءُ، فلا يَلزَمُ منهم أنْ يكونوا علماءَ وفقهاءَ، وإنّما هم علماءُ بقومِهم وما يُحِبُّونَ ويَكرهونَ، وفقهاءُ بأثرِ سياسةِ الحاكمِ عليهم، وأثرِهم على الحاكمِ، فيكونونَ نَصَحَةً لقومِهم ولسُلْطانِهم.
والعُرَفاءُ والنُّقَباءُ يَختلِفونَ عن أهلِ الشُّورى بأنّ النُّقَباءَ يتَّخِذُهُمْ أقوامُهُمْ عنهم، كما كان النبيُّ ﷺ يفعلُ، فقد روى أحمدُ في «المُسنَدِ» بسندٍ جيِّدٍ، مِن حديثِ كعبِ بنِ مالكٍ، وكان ممَّن شهِد العَقَبةَ وكانوا سبعينَ رجلًا وامرأتَيْنِ، فقال لهم النبيُّ ﷺ لمّا بايَعَهم: (أخْرِجُوا إلَيَّ مِنكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا يَكُونُونَ عَلى قَوْمِهِمْ)، فأَخرَجُوا تسعةً مِن الخَزْرَجِ، وثلاثةً مِن الأَوْسِ[[أخرجه أحمد (١٥٧٩٨) (٣ /٤٦١).]].
لأنّ الناسَ هم الأعلَمُ بالأصلحِ لهم، فما ذهَبَ إليه جمهورُهم ورَغِبُوا فيه عَرِيفًا، فهو عَرِيفٌ ولو كَرِهَهُ الحاكمُ لشخصِه، لأنّ المرادَ جمعُ كلمةِ قومِهِ وتأليفُهم، لا تَلْيِينُ قلبِ الحاكمِ وأُنْسُهُ به، فإنّ العُرَفاءَ يَقطَعونَ على سُفَهاءِ الناسِ فتنةَ ألسنتِهم وأفعالِهم، فمَن لم يَمنَعْهُ قرآنٌ ولا خوفُ سُلْطانٍ، منَعتْهُ هَيْبةُ قومِهِ وأَطَرُوهُ، فلم يَخرُجْ عمّا يَرغَبون.
ولكنْ يُشترَطُ في العَرِيفِ الأمانةُ وسلامةُ الدِّينِ العامِّ، ولو كان مِن أهلِ اللَّمَمِ.
وقد كان النبيُّ ﷺ يتَّخِذُ العُرَفاءَ والنُّقَباءَ فيما خَفِيَ عليه مِن أمرِ العامَّةِ ورَغَباتِ نفوسِهم، وما يتعلَّقُ باستنفاقِهم عندَ النوازلِ والجَدْبِ، أو معرفةِ حقوقِ أفرادِهم وطِيبِ خواطرِهم، فهذا يَشُقُّ على الحاكمِ في الدُّوَلِ متراميةِ الأطرافِ، وقد كان النبيُّ ﷺ يتَّخذُ ذلك في المدينةِ وأهلُها حينئذٍ قليلٌ وهم على طوعِهِ وأمرِه، فلمّا جاءَهُ هوازنُ مُسلِمِينَ وقد سَبى منهم وقَسَمَ السَّبْيَ، فطلَبُوا إرجاعَ نسائِهم وأولادِهم، وكان الصحابةُ حازُوا حقَّهم مِن ذلك، فأرسَلَ إلى الناسِ عُرَفاءَهم، كما في «الصحيحِ»، مِن حديثِ عروةَ بنِ الزُّبيرِ، أنّ مَرْوانَ بنَ الحَكَمِ، والمِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ أخبَراهُ، أنّ رسولَ اللهِ ﷺ قال حِينَ أذِنَ لَهُمُ المُسْلِمُونَ فِي عِتْقِ سَبْيِ هَوازِنَ: (إنِّي لا أدْرِي مَن أذِنَ مِنكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فارْجِعُوا حَتّى يَرْفَعَ إلَيْنا عُرَفاؤُكُمْ أمْرَكُمْ)، فَرَجَعَ النّاسُ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفاؤُهُمْ، فَرَجَعُوا إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَأَخْبَرُوهُ أنَّ النّاسَ قَدْ طَيَّبُوا وأَذِنُوا[[أخرجه البخاري (٧١٧٦) (٩ /٧١).]].
وقد ترجَمَ البخاريُّ على ذلك بقولِهِ: «بابُ العُرَفاءِ للناسِ»[[«صحيح البخاري» (٩ /٧١).]].
والعُرَفاءُ يُوجَدونَ في الناسِ اضطرارًا، لا يَنتقِيهِمُ الحاكمُ اختيارًا كما يُريدُ، فكلُّ ناسٍ يتشكَّلُ فيهم رؤوسٌ، فيكونونَ وُجَهاءَ ونُقَباءَ فيهم، يَسُودُونَ لأمرٍ متراكِمٍ فيهم، إمّا بعِلْمٍ أو مالٍ أو نَسَبٍ أو حسَبٍ، فيَفرِضونَ أنفسَهم بالقَبولِ وسْطَ الناسِ، فيكونونَ رؤوسًا كرأسِ الهرمِ يقومُ على عددٍ كبيرٍ مِن الحَصى، فلم يَرفَعْهُ فردٌ ولا أفرادٌ، وإنّما جماعةٌ وأُمَّةٌ، فإذا أخَذَ الحاكمُ واختارَ مِن الناسِ مِن وسطِهم كمَن أخَذَ حَجَرًا مِن وسَطِ الهرمِ أو أسفلِه، فيسقُطُ عليه مَن فوقَهُ وتحدُثُ فتنةٌ.
فائِدةُ النُّقَباءِ، وسَبَبُ حاجةِ الغَرْبِ لصناديقِ التصويت:
نظَّمَ الإسلامُ الناسَ وحَفِظَ تركيبَهم، وأمَرَ بترابُطِهم وتواصُلِهم: بصِلَةِ الرَّحِمِ والأقرَبِين، وحُسنِ الجِوارِ، وإكرامِ الضيفِ، وإجابةِ دَعْوةِ الوَلِيمةِ، وشُهودِ صلاةِ الجَماعةِ، وشَرَع عيادةَ المريضِ، واتِّباعَ الجنازةِ، وبَذْلَ المعروفِ ورَدَّه، وجمْعَ الناسِ على الطعامِ، ومعرفةَ الأنسابِ والعاقلةِ في الدِّيَةِ، وغيرَ ذلك مِن الشرائعِ الدافعةِ التي يَلزَمُ منها ترابُطُ الناسِ وتعارُفُهم وتشكُّلُهم على صورةٍ يَظهَرُ معها فيهم عُرَفاءُ ونُقَباءُ يَسُودونَ لفضلِهم وسيرتِهم التي تصوَّرَتْ في الأذهانِ لعُقودٍ ليس فيها مخادَعةٌ أو تلبيسٌ ساعةً أو يومًا أو أيامًا، ولهذا لم يحتَجِ النبيُّ (ص) وخُلفاؤه إلى معرفةِ رؤوس الناسِ وأخذ رأيهم الذي لا يخرُجُ غالبًا عن رأيِ مَن تحتَهم مِن قَومِهم، لأنّ قومَهم أظهَرُوهم وسَوَّدُوهم في عُقودٍ بلا تزييفِ إعلامٍ ولا استبدادِ حاكمٍ باختيارِه، وإنْ لم يَتَّفِق على العُرَفاءِ والنُّقَباءِ جميعُ قومِهم، فإنّه يَتَّفِقُ عليهم الغالبُ والسَّوادُ، وقدِ اختَلَّ هذا الأمرُ في بعضِ القُرونِ السابقة، وفي عصرِنا اليومَ لدى كثيرٍ مِن المسلمينَ وعامَّةِ الكُفّار:
أمّا الكُفار ـ وهُمُ الغَربُ اليومَ ـ: فتفَكَّكَ لديهم المجتمعُ، لأنهم عَمِلُوا بالمبدأِ اللِّيبراليِّ بتفكيكِ الروابطِ العِرْقِيَّةِ والدِّينيةِ والقَبَلِيَّةِ والأُسْرِيَّةِ، حتى بَلَغَ ببعضِ المجتمعاتِ تفكيكُ آخِرِ رابطٍ، وهو رابطُ الآباءِ والأبناءِ بعضِهم ببعضٍ، فلا يتواصَلُون أعوامًا، ولَزِمَ مِن ذلك ألاَّ يوجَدَ هَرَمٌ للناس ولا رَأْس، وألاَّ يتشكَّلَ لديهم نُقَباءُ وعُرَفاءُ عبرَ عقودٍ، فلا يتعارَفُ الأقرَبُون فضلًا عن الأبعَدِين، فاضطرُّوا إلى معالَجةِ ما أفسَدُوه في قُرونٍ بأن يستدرِكُوه في يومٍ، فإذا أرادُوا ترشيحَ أحدٍ قام بحملةٍ على المنابِرِ الإعلاميَّة يُعرِّفُ بنفسِه بما لا يملِكُ الناسُ معه وقتًا لتمييزِ الصادقِ مِن الكاذبِ، فيأخُذُون رأيَ الأفرادِ جميعًا في يومٍ أو أيّامٍ على مَن لا يعرِفُه أكثرُهم إلا فيها، حتى يُنفِقَ المرشَّحُ في بعض الدُّولِ مئاتِ الملايينِ وربما مِلْيارًا وأكثَرَ، وذلك ليُعِيدوا ما فَكَّكُوه مِن روابطِ الفِطْرةِ والشريعةِ، ولكنْ بصُورةٍ يَغلِبُ عليها التدليسُ والخِداع.
وأمّا عند كثيرٍ مِن المسلِمِين: فذلك أنّ الأصلَ في العُرَفاءِ والنُّقَباءِ أنهم يخرُجُون مِن وسطِ الناسِ في عقودٍ حيثُ سَبَرُوا حالَهم وعَرَفُوهم خيرَهُم وشَرَّهُم وكمالَهم ونَقْصَهم، فسادُوا بالدِّينِ والعلمِ والعَقْلِ والخُلُقِ والصِّدقِ والأمانةِ، فيظهَرُ العُرَفاءُ اضطرارًا لا اختيارًا، ولكنْ يتسلَّطُ بعضُ الحُكّام فيضَعُ على الناسِ عُرَفاءَ ونُقَباءَ فيُقَرِّبُ مَن يوافِقُه ولو كان مِن وسطِ الناس ويُبعِدُ مَن يُخالِفُه ولو كان مِن رَأْسِهم، ثم يأخُذُ رأيَهم على أنّه رأيُ رؤوسِ الناس الذين يجتمِعُون عليهم.
أهلُ الحلِّ والعقدِ:
وأمّا أهلُ الحَلِّ والعَقْدِ، فهو معنًى قديمٌ قَرَّرَتْهُ الشريعةُ ودلَّ عليه عملُ الأنبياءِ، ولكنَّه مصطلحٌ متأخِّرٌ، وظهَرَ في كلامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ وغيرِه ممَّن جاء بعدَهُ، وإنّما يُتَّخَذُونَ فيما يتعلَّقُ باختيارِ الحاكمِ والأمورِ العِظامِ التي يُخشى مِن عدمِ انقيادِ الناسِ له بها، ويشتَرَطُ في أهلِ الحَلِّ والعَقدِ: أن يكونوا رؤوسًا في قومِهِمْ، ولا يُشترَطُ فيهم العِلْمُ وإنما يجبُ أنْ يتوافَرَ فيهم مِن العلمِ العلمُ بشُروطِ الإمامِ والإمامةِ في الإسلامِ، وأنْ يَتوافَرَ فيهم الدِّينُ والأمانةُ، وإن كانوا علماءَ، فذلك أكمَلُ، ولكنَّه ليس بشرطٍ، ما دام الحاكمُ الذي يختارونَهُ تتوافرُ فيه شروطُ الإسلامِ في الحاكم.
وأهلُ الحَلِّ والعَقْدِ يكونونَ مِن النُّقَباءِ، لأنّهم أهلُ عِلْمٍ بقومِهم، ومِن أهلِ الشُّورى، لأنّهم أهلُ عِلْمٍ بالشريعةِ وغيرِها، لِيَجْمَعَ بينَ العارِفينَ بالناسِ، فلا يَخرُجوا عمّا يُريدونَهُ فلا تقَعَ الفتنُ، وبينَ العالِمينَ بالشريعةِ، فلا يَخرُجوا عن أمرِ اللهِ ومرادِهِ في الحُكْمِ والسياسةِ، فإنّ الناسَ قد يُريدونَ غيرَ ما أراد اللهُ جهلًا أو هوًى، فيُبيِّنُ لهم أهلُ العِلْمِ ذلك، وقد يَقضي أهلُ العِلْمِ بشيءٍ لم تفصِّلْ فيه الشريعةُ ولا يُريدُهُ الناسُ، فتقعُ الفتنةُ.
فاجتماعُ العلماءِ والنُّقَباءِ في اختيارِ الحاكِمِ والفصلِ في أمرِ الأمَّةِ العظيمِ وخاصَّةً عندَ الفتنِ: مِن سُنَنِ الأنبياءِ والمرسَلِينَ، ويُروى في الحديثِ: (لَيْسَ مِن نَبِيٍّ كانَ قَبْلِي إلاَّ قَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ نُقَباءَ وُزَراءَ نُجَباءَ)، رواهُ أحمدُ، عن كَثِيرٍ النَّوّاءِ، وهو مُتكلَّمٌ فيه[[أخرجه أحمد (٦٦٥) (١ /٨٨).]].
اتخاذُ الجاسوسِ في الحربِ:
وفي الآيةِ: دليلٌ على اتِّخاذِ الجاسوسِ يسبُرُ أحوالَ العدوِّ، ويَعرِفُ عُدَّتَهم وعدَدَهم، ومواضعَ القوةِ والضَّعْفِ فيهم، كما فعَلَ موسى بإرسالِ النُّقباءِ إلى الجبّارينَ، وقد اتَّخَذَ النبيُّ ﷺ عَيْنًا، وهو بُسَيْسَةُ، كما أخرَجَه مسلمٌ[[أخرجه مسلم (١٩٠١) (٣ /١٥٠٩).]].
{"ayah":"۞ وَلَقَدۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِیثَـٰقَ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ وَبَعَثۡنَا مِنۡهُمُ ٱثۡنَیۡ عَشَرَ نَقِیبࣰاۖ وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّی مَعَكُمۡۖ لَىِٕنۡ أَقَمۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَیۡتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِی وَعَزَّرۡتُمُوهُمۡ وَأَقۡرَضۡتُمُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنࣰا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمۡ سَیِّـَٔاتِكُمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّكُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُۚ فَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَاۤءَ ٱلسَّبِیلِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق