الباحث القرآني
قال اللهُ تعالى: ﴿والَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وأَقامُوا الصَّلاةَ وأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ ومِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: ٣٨].
ذكَرَ اللهُ صِفاتِ المستجيبِينَ للهِ، وذكَرَ أولَها إقامَ الصلاةِ، وذلك لأنّها أعظَمُ الشعائرِ الظاهرةِ، وأظهَرُ التعبُّدِ يكونُ فيها، ولهذا جاء التأكيدُ عليها في الشريعةِ أشَدَّ مِن غيرِها مِن الأعمالِ البدنيَّةِ، ثمَّ ذكَرَ التشاوُرَ بعدَما ذكَر الصلاةَ، لأنّ مَن أقامَ الصلاةَ كما أمَرَ اللهُ، صحَّ رأيُه وسَلِمَ فِكرُهُ مِن الأهواءِ، فلا يُشيرُ عن طمعٍ وحظِّ نَفْسٍ، وأمّا رأيُ غيرِهم، فيكونُ بحَسَبِ أهوائِهم وطمعِهم، وفي الآيةِ إشارةٌ باطنةٌ إلى أنّ غيرَ المُصلِّينَ ليسوا بأهلِ شُورى يُصْدَرُ عن رأيِهم.
الشُّورى وفضلُها وشيءٌ مِن أحكامِها:
وفي ذِكْرِ الشُّورى في هذه السورةِ المكيَّةِ بيانٌ لفضلِ الشُّورى، وأنّها مِن الأمورِ التي دعَتْ إليها الشريعةُ في أولِ الأمرِ والناسُ قليلٌ، ومعلومٌ أنّ الناسَ بمكةَ مع قلَّتِهم على يقينٍ، فالمؤمِنُ منهم لم يُؤمِن إلاَّ بإقبالٍ وقوةِ إيمانٍ وصِدْقٍ، ومع ذلك حَمِدَ اللهُ تشاوُرَهُمْ وأَثنى عليه، مع أنّهم لو أُمِروا بشيءٍ، لم يُخالِفُوه، وإذا كان هذا في زمنِ قوةِ الإيمانِ واليقينِ وقلةِ العددِ، فهو مع ضَعْفِ الإيمانِ وكثرةِ العددِ آكَدُ.
وقد قال بعضُ السلفِ: «إنّ الآيةَ قُصِدَ بها الأنصارُ في المدينةِ»،، وبهذا قال ابنُ زيدٍ[[«تفسير الطبري» (٢٠ /٥٢٣).]]، فحَمِدَهم اللهُ لنبيِّه وهو بمكةَ لمّا أسْلَموا وأَبْدَوْا خيرًا في اتِّباعِ الحقِّ، وتشاوُرًا في أمرِهم.
وفي قولِه تعالى: ﴿وأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ﴾ أنّ الشُّورى في أمرِهم، لا في أمرِ اللهِ، فما قَضى اللهُ فيه، لا يجوزُ أنْ يُجعَلَ بينَ الناسِ شُورى، فذلك مُحادَّةٌ للهِ، قال تعالى: ﴿وما كانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذا قَضى اللَّهُ ورَسُولُهُ أمْرًا أنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٣٦]، فليس للمُسلِمينَ فيما قضى اللهُ ورسولُهُ فيه إلاَّ اختيارُ قضائِهما، وأمّا أمْرُهُمْ فشُورى بينَهم، لا يَفصِلُ أحدٌ عن جماعتِه فيه.
وما قضَتْ فيه الشريعةُ واختارَتْهُ، ولكنَّها وسَّعتْ في زمانِهِ ومكانِهِ كالجهادِ، فللمُسْلِمينَ التشاوُرُ في تعيينِ جهةِ القتالِ وزمانِه، لأنّ التشريعَ لا يُشاوَرُ فيه، وكالوِلايةِ، قضى اللهُ أنْ لا سُلْطانَ على المُسلِمِينَ إلاَّ منهم، فلا يجوزُ التشاوُرُ بينَ وِلايةِ كافرٍ ومسلمٍ باختيارِهم، ما لم يُقهَرُوا، ولكنْ لهم التشاوُرُ بينَ المُسلِمِينَ فيَختارُونَ مَن يصلُحُ منهم.
والشُّورى فيما لم يَقْضِ اللهُ فيه سُنَّةٌ، كالذي يَتعلَّقُ بمصالحِ العبادِ والبُلْدانِ مِن الأموالِ والأعمالِ والنُّظُمِ، وإذا عرَضَ الأميرُ الأمرَ على المُسلِمِينَ، فتَشاوَرُوا، فهل يكونُ رأيُهم مُلزِمًا للأميرِ أو مُعْلِمًا له؟ إنْ أجمَعَ أهلُ الشُّورى على أمرٍ، فلا يجوزُ للأميرِ مخالفتُهُ إذا كان أمرًا عامًّا ومصلحةً للناسِ، وذلك لِما في خروجِهِ عن إجماعِهم مِن فتنةٍ عليه وعليهم جميعًا، وأمّا إنِ اختلَفُوا فيما بينَهم وغلَبَ بعضُهم على بعضٍ كثرةً وسَوادًا في الرأيِ، فلا يخلو مِن حالَيْنِ:
الأُولى: إنْ كان الأميرُ عالمًا بصيرًا مستنبِطًا، فالشُّورى بالنسبةِ له مُعْلِمَةٌ تُعطيهِ عِلْمًا إلى عِلْمِه، فقد يَرى ما لا يرَوْنَ، فيجوزُ له مخالفتُهم ما دام عالمًا فيما استشارَهم فيه.
الثـانيةُ: إنْ كان الأميرُ جاهلًا فيما استشارَهم فيه، فالشُّورى مُلزِمةٌ له على الصحيحِ، لأنّه إنْ صدَرَ بأمرِهِ سيصدُرُ عن جهلٍ وهوًى، ولا يكادُ اليومَ يُوجَدُ في الأمَّةِ حاكمٌ عالِمٌ، وإنْ عَلِمَ في بابٍ، فإنّه على خلافِ ذلك في عامَّةِ الأبوابِ، وقد أمَرَ اللهُ بإرجاعِ الأمرِ إلى العالِمِينَ المُستنبِطِينَ، كما قال تعالى: ﴿ولَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وإلى أُولِي الأَمْرِ مِنهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنهُمْ﴾ [النساء: ٨٣]، ومَن لا يَعلَمْ لا يَستنبِطْ، ومَن لا يَستنبِطْ لا يَفصِلْ، وإنْ كان عِلمُهُ بغيرِه، فيَحكُمُ ويَفصِلُ بمَن يَستشيرُهُ ويُعْلِمُه، واللهُ أعلَمُ.
وقد تقدَّم الكلامُ على الشُّورى وأحكامِها وأحوالِها، عندَ قولِه تعالى: ﴿جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠]، وقولِهِ تعالى: ﴿فَإنْ أرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنهُما وتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما﴾ [البقرة: ٢٣٣]، وقولِه تعالى: ﴿ولَقَدْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إسْرائِيلَ وبَعَثْنا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ [المائدة: ١٢].
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَیۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق