الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قالُوا ألَمْ تَكُنْ أرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولَئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وساءَتْ مَصِيرًا إلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ولا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُوْلَئِكَ عَسى اللَّهُ أنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ [النساء: ٩٧ ـ ٩٩].
وصَفَ اللهُ مَن ترَكَ الهِجْرةَ مِن بلدِ كفرٍ إلى بلدِ الإسلامِ بظُلْمِ النَّفْسِ، وذلك أنّ في البقاءِ بينَ ظَهْرانَيْهِمْ تضييعًا لحدودِ اللهِ وأحكامِه، ولو أُقيمَتِ الشرائعُ، فربَّما كان في البقاءِ بينَ ظَهْرانَيْهِم تكثيرٌ لسَوادِهم، فإذا نزلَتْ نازلةُ حربٍ بالكافِرِينَ، استَنفَرُوا معهمُ المُسلِمِينَ أو أكرَهُوهم.
روى البخاريُّ، مِن حديثِ عِكْرِمَةَ، عنِ ابنِ عبّاسٍ: «أنّ ناسًا مِنَ المُسْلِمِينَ كانُوا مَعَ المُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوادَ المُشْرِكِينَ، عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، يَأْتِي السَّهْمُ فَيُرْمى بِهِ، فَيُصِيبُ أحَدَهُمْ، فَيَقْتُلُهُ، أوْ يُضْرَبُ فَيُقْتَلُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسِهِمْ﴾»[[أخرجه البخاري (٤٥٩٦) (٦/٤٨).]].
وقال ابنُ إسحاقَ: «إنّ الذين قال اللَّهُ فيهِمْ: ﴿إنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسِهِمْ﴾ خمسةُ فِتْيةٍ مِن قُرَيْشٍ: عليُّ بنُ أُميَّةَ، وأبو قيسِ بنُ الفاكِهِ، وزَمْعةُ بنُ الأسودِ، والعاصُ بنُ منبِّهٍ، ونسيتُ الخامسَ»، رواهُ عبدُ الرزّاقِ، عنِ ابنِ عُيَيْنةَ، عنِ ابنِ إسحاقَ[[«تفسير القرآن» لعبد الرزاق (١/١٧٢)، و«تفسير الطبري» (٧/٣٨٦)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/١٠٤٦)، و«سيرة ابن هشام» (١/٦٤١).]].
وذكَرَ ابنُ جُرَيْجٍ، عن عِكْرِمةَ، أنّهم عليُّ بنُ أُمَيَّةَ، وأبو قيسِ بنُ الوليدِ بنِ المغيرةِ، والعاصُ بنُ منبِّهِ بنِ الحجّاجِ، والحارثُ بنُ زَمْعةَ[[«تفسير الطبري» (٧/٣٨٤)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/١٠٤٦).]].
وهؤلاءِ وأمثالُهم تَرَكُوا الهِجْرةَ مع النبيِّ ﷺ إلى المدينةِ، ولم يكونوا هاجَرُوا إلى الحَبَشَةِ مِن قبلُ، وبَقُوا فيها، فأَكْرَهَهُمُ المشرِكونَ على الخروجِ معهم إلى بَدْرٍ لقتالِ النبيِّ ﷺ، وهؤلاءِ لا يُعذَرونَ مع قدرتِهم على الهِجْرةِ، وقد كانتِ الهجرةُ مِن مكَّةَ إلى المدينةِ متعيِّنةً على كلِّ قادرٍ بلا خلافٍ بينَ المُسلِمينَ.
وفي دليلِ الخِطابِ مِن هذه الآيةِ: فضلُ الصحابةِ، فمِن أعظَمِ أعمالِهم وفضلِهم: تكثيرُهم لسَوادِ النبيِّ ﷺ، بالإحاطةِ به، والاجتماعِ حولَه، ولذا كان في خبَرِ ابنِ عبّاسٍ وصفٌ لِعِلَّةِ ذمِّ مَن لم يُهاجِرْ ممَّن أسلَمَ: «يُكَثِّرُونَ سَوادَ المُشْرِكِينَ»، فبقاؤُهم بينَ ظَهْرانَيْهِمْ تكثيرٌ لسَوادِهم، والنبيُّ ﷺ في حاجةٍ لهذا السَّوادِ الذي يَنقُلُهُ كلُّ واردٍ إلى المدينةِ لأقوامِهم، فتكونُ له الشَّوْكةُ والهَيْبَةُ.
وبعضُ جَهَلَةِ المبتدِعةِ يظُنُّ أنْ لا فضلَ لصحابيٍّ إلا مَن جاء الدليلُ بفضلِهِ بعَيْنِه، ويَغفُلُ عن أنّ مَن كان في المدينةِ يُحِيطُ بالنبيِّ ﷺ ويَمشي في أسواقِها مُوالِيًا له مُكثِّرًا لسوادِه، يَراهُ الوارِدُ إليها، فيذكُرُهُ معَ غيرِهِ لقومِه، فإنّ هذا الشهودَ المجرَّدَ أعظَمُ عندَ اللهِ مِن عبادةِ المتعبِّدينَ ممَّن بعدَهم.
وجوبُ الهِجْرةِ:
وقولُه تعالى: ﴿ظالِمِي أنْفُسِهِمْ﴾ حمَلَ بعضُ العلماءِ الظُّلْمَ في الآيةِ على الكفرِ، كالبَغَوِيِّ[[«تفسير البغوي» (إحياء التراث) (١/٦٨٥).]] والواحِدِيِّ[[«التفسير الوسيط» (٢/١٠٥).]]، فجَعَلُوا الهِجْرةَ مِن مَكَّةَ إلى النبيِّ ﷺ في المدينةِ شرطًا في الإسلامِ لا يصحُّ إلا بها، ثمَّ نُسِخَ ذلك بعدَ الفتحِ.
والصحيحُ: أنّ الهجرةَ واجبةٌ، لكنَّها ليسَتْ شرطًا في الإسلامِ، لقولِهِ تعالى في الأنفالِ: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِن ولايَتِهِمْ مِن شَيْءٍ حَتّى يُهاجِرُوا وإنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ﴾ [الأنفال: ٧٢]، فسمّاهم مؤمِنينَ، ورفَعَ عنِ المؤمنينَ ولايَتَهم، وليس المرادُ بهم في آيةِ الأنفالِ هذه المُستضعَفِينَ العاجِزِينَ عنِ الهجرةِ، لأنّ نُصْرَتَهم واجبةٌ على المؤمنينَ، ومُوالاتَهم كذلك، ولو كان على قومٍ بينَنا وبينَهم ميثاقٌ، فقَيْدُ النُّصْرةِ على قومٍ ليس بينَنا وبينَهم ميثاقٌ: دليلٌ على أنّهم ليسوا بمَعْذُورِينَ ببقائِهم وعدمِ تحوُّلِهم مِن دارِهم إلى دارِ الإسلامِ.
الهجرةُ علامةٌ على الإسلام:
وقد كانتِ الهجرةُ مِن مكَّةَ إلى المدينةِ عَلَمًا على الإسلامِ ونفيِ الكفرِ والنِّفاقِ، وانتفاؤُها كان علَمًا على الكفرِ والنِّفاقِ ونفيِ الإيمانِ، لا أنّ تحقُّقَها إيمانٌ بعَيْنِه، ولا انتِفاءَها كفرٌ بعَيْنِه، وقريبٌ مِن ذلك: الجهادُ في المدينةِ بعدَ وجوبِه، فتَرْكُهُ علَمٌ على النِّفاقِ، والقيامُ به علَمٌ على الإيمانِ، والتاركُ للهجرةِ إلى المدينةِ بلا عذرٍ منافقٌ ولو قال بالإسلامِ، وتاركُ الجهادِ المتعيِّنِ بلا عذرٍ منافقٌ ولو أظهَرَ الإسلامَ.
اختلافُ أحوالِ المنافِقِين بحسَب بُلْدانهم:
ولكنْ كان النبيُّ ﷺ يُفرِّقُ بينَ المنافِقينَ بمكَّةَ والمنافقينَ بالمدينةِ، فيُجرِي أحكامَ الحربِ الظاهرةَ على المنافِقِ بمَكَّةَ وسْطَ المشرِكِينَ، وأحكامَ الإسلامِ الظاهرةَ على المنافقِ بالمدينةِ وسْطَ المسلِمِينَ، فيُجري على مَن كان بمَكَّةَ: أحكامَ الحربِ، مِنَ القتالِ والأَسْرِ والرِّقِّ، وعلى مَن كان بالمدينةِ: عِصْمةَ النَّفْسِ والمالِ والولَدِ.
وقد قاتَلَ النبيُّ ﷺ في بدرٍ المشرِكِينَ، وفي صَفِّهم مَن أسلَمَ ولم يُهاجِرْ وبَقِيَ في مكَّةَ، فأخرَجَهُ المشرِكُونَ معَهُ للقتالِ، فأخَذُوا حُكْمَهم، فأسَرَهمُ النبيُّ ﷺ كما أسَرَ المشرِكِين.
ولذا فإنّ النبيَّ ﷺ قال للعبّاسِ لمّا أُسِرَ في بدرٍ: (افْدِ نَفْسَكَ وابْنَيْ أخِيكَ)، فقال العبّاسُ: ألَم نُصَلِّ إلى قِبْلَتِك، ونَشْهَدْ شَهادَتَك؟ فقال النبيُّ ﷺ: (يا عَبّاسُ، إنَّكُمْ خاصَمْتُمْ فَخُصِمْتُمْ)، فتلا عليه قولَه: ﴿ألَمْ تَكُنْ أرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها﴾ [[«تفسير الطبري» (٧/٣٨٤)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/١٠٤٧).]].
مَن وقَفَ في صفِّ المشرِكِين:
وفي هذه الآيةِ دليلٌ على أنّ مَن وقَفَ في صَفِّ المشرِكِينَ المحارِبِينَ مِن المسلِمِينَ وهو يَعلَمُ ولو مُكْرَهًا ـ: أخَذَ حُكْمَهُمْ في دَمِهِ ومالِه، ومَن بَقِيَ في دارِ الحربِ مِنَ المسلِمِينَ ممَّن ترَكَ الهجرةَ، لم يكُنْ مجرَّدُ بقائِه كفرًا في ذاتِه، كما نصَّ عليه الشافعيُّ في «الأمِّ».
مخالَطَةُ المشرِكِ:
ومَن خالَطَ المُشرِكَ وجالَسَهُ ولم يكُنِ المشرِكُ حربيًّا وليس بينَهُ وبينَ المسلِمينَ عداوةٌ ظاهرةٌ ولا قتالٌ ـ: فلا يأخُذُ حُكمَهُ ولو كانتِ الهجرةُ واجبةً عليه، لأنّه قد يَجتمِعُ به على تجارةٍ أو زراعةٍ أو قَرابةٍ، وأمّا ما رَواهُ أبو داودَ، عن سَمُرةَ بنِ جُنْدُبٍ، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (مَن جامَعَ المُشْرِكَ وسَكَنَ مَعَهُ، فَإنَّهُ مِثْلُهُ) [[أخرجه أبو داود (٢٧٨٧) (٣/٩٣).]]، فلا يَصِحُّ.
ومِثلُهُ ما رواهُ الطَّبَرانيُّ مرفوعًا: (إنِّي بَرِيءٌ مِن كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ)[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٣٦٦٣٠) (٧/٣٤٨)، والنسائي (٤٧٨٠) (٨/٣٦)، والطبراني في «المعجم الكبير» (٢٢٦٥) (٢/٣٠٣)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٨/١٣٠).]].
وليس كلُّ معيَّةٍ ومُجالَسةٍ ومخالَطةٍ للمسلمِ مع المشرِكِ تَنفي الإيمانَ، وإنّما بِحسَبِ حقيقةِ المعيَّةِ ونوعِها، والمخالَطةِ وما يُرادُ مِنها، فالاجتماعُ بهِم للمُصالَحةِ والمؤاجَرةِ والموادَعةِ وغيرِها جائزةٌ بلا خِلافٍ.
وقد كانَتْ للهجرةِ مِن مَكَّةَ إلى المدينةِ خصيصةٌ عن غيرِها مِن الأرضِ، فقد كان يأمُرُ بها اللهُ ورسولُهُ ﷺ، وما كان يأمُرُ النبيُّ ﷺ سَراياهُ عندَ بَعْثِها إلى غيرِ مَكَّةَ مِن القُرى والمُدُنِ بالإسلامِ والهجرةِ، بل كان يأمرُهُمْ كما في «الصحيحِ»، قال: (إذا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ، فادْعُهُمْ إلى ثَلاثِ خِصالٍ ـ أوْ خِلالٍ ـ فَأَيَّتُهُنَّ ما أجابُوكَ فاقْبَلْ مِنهُمْ، وكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلامِ، فَإنْ أجابُوكَ، فاقْبَلْ مِنهُمْ، وكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى التَّحَوُّلِ مِن دارِهِمْ إلى دارِ المُهاجِرِينَ، وأَخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَلَهُمْ ما لِلْمُهاجِرِينَ، وعَلَيْهِمْ ما عَلى المُهاجِرِينَ، فَإنْ أبَوْا أنْ يَتَحَوَّلُوا مِنها، فَأَخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرابِ المُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ الَّذِي يَجْرِي عَلى المُؤْمِنِينَ، ولا يَكُونُ لَهُمْ فِي الغَنِيمَةِ والفَيْءِ شَيْءٌ إلاَّ أنْ يُجاهِدُوا مَعَ المُسْلِمِينَ) ... الحديثَ[[أخرجه مسلم (١٧٣١) (٣/١٣٥٧).]].
أخرَجَه مسلمٌ مِن حديثِ بُرَيْدةَ، وفيه: أنّه لم يُلزِمْهُمْ بالهِجْرةِ، وإنّما دعاهم وخَيَّرَهم.
عذرُ الإنسانِ لنفسِهِ وهو مكلَّفٌ:
وفي هذه الآيةِ في قولِه: ﴿قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ﴾ عدَمُ قَبُولِ الدَّعْوى ما لم تَقُمْ عليها بيِّنةٌ، فهُمُ ادَّعَوُا الضَّعْفَ وليسوا كذلك.
وقد تسوِّلُ النفسُ لصاحبِها عُذْرَها عندَ استِثْقالِها التكاليفَ، فتَظُنُّ أنّها معذورةٌ، وليست كذلك، لذا قال اللَّهُ: ﴿ألَمْ تَكُنْ أرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها﴾، وإلاَّ فالأصلُ أنّ اللهَ عذَرَ المستضعَفِينَ، كما في قولِه بعدُ: ﴿إلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والوِلْدانِ﴾.
وكان النبيُّ ﷺ يُفرِّقُ بينَ المستضعَفِ الذي لم يُهاجِرْ والقاعدِ القادرِ، وكان يدعو لهم ويدعو على عدوِّهم، كما في «الصحيحينِ»، عن أبي هريرةَ، قال: بَيْنا النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي العِشاءَ، إذْ قالَ: (سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَهُ)، ثُمَّ قالَ قَبْلَ أنْ يَسْجُدَ: (اللَّهُمَّ نَجِّ عَيّاشَ بْنَ أبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشامٍ، اللَّهُمَّ نَجِّ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ، اللَّهُمَّ نَجِّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وطْأَتَكَ عَلى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْها سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ)[[أخرجه البخاري (٤٥٩٨) (٦/٤٨)، ومسلم (٦٧٥) (١/٤٦٧).]].
إقامةُ المسلِمِ القادِر وسْط المحارِبينَ:
وكلُّ مَن أسلَمَ بمَكَّةَ قبلَ الفتحِ ولم يُهاجِرْ مِن وسْطِ المُحارِبينَ وهو قادرٌ، فقد أخَذَ حُكْمَ الكافرِ فيها، وسَرِيرَتُهُ إلى اللهِ، واستثنى اللهُ المستضعَفَ الذي لا يتمكَّنُ مِنَ الخروجِ، ولذا قال ابنُ عبّاسٍ: «كُنْتُ أنا وأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِينَ، أنا مِنَ الوِلْدانِ، وأُمِّي مِنَ النِّساءِ»[[أخرجه البخاري (١٣٥٧) (٢/٩٤).]].
على مَن تَجِبُ الهِجْرة:
وقد وصَفَ اللهُ ضَعْفَهُمْ في قولِهِ: ﴿لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ولا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ﴾، والمرادُ بالحِيلَةِ: عَجْزُ الإنسانِ في نفسِه، بعَمًى، أو عرَجٍ وعدَمِ دابَّةٍ، أو خَوْفِه، فلا يجِدُ مَخرَجًا مِن كُفّارِ قريشٍ، ولا مَلاذًا عنهم، وقولُه: ﴿سَبِيلًا ﴾، يَعني: طريقًا معروفًا وآمِنًا إلى المدينةِ، ومَن وجَدَ ثلاثةَ أشياءَ، وجبَتْ عليه الهجرةُ، وهي:
الأوَّلُ: قُدْرةُ البدَنِ، والسلامةُ مِنَ المانعِ، كالعَمى.
الثـاني: المَلاذُ عَن كفارِ قريشٍ، وعدمُ تمكُّنِهم منه، فإنّهم يُعذِّبونَ كلَّ مَن لحِقَ بالمُسلِمِينَ إلى الحَبَشةِ ـ الأُولى والثانيةَ ـ ثمَّ المدينةِ وتمكَّنُوا منه.
الثالثُ: معرفةُ الطريقِ إلى المدينةِ، ومعه زادُه فيه.
ومَن وجَدَ عُذْرًا مِن هذه الثلاثةِ، فهو مِن المستضعَفِينَ، فقد يكونُ الرجلُ أو المرأةُ صحيحَ البدنِ عارفًا بطريقِ المدينةِ، ولكنَّه مغلوبٌ مِن قريشٍ كالمحبوسِ، لأنّهم يجعَلُونَ أعْيُنًا لِمَن خرَجَ مِن مكةَ، وقد يكونُ عارفًا بالطريقِ، آمِنًا فيه ومعه زادُه، يجدُ مَلاذًا مِن قريشٍ، لكنَّه مريضٌ بما لا يستطيعُ معه الخروجَ.
ومَن كان معذورًا، فقد رفَعَ اللهُ عنه الحرَجَ، قال: ﴿فَأُوْلَئِكَ عَسى اللَّهُ أنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾.
وقولُهُ تعالى: ﴿ألَمْ تَكُنْ أرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها﴾ هو كقَوْلِهِ في العنكبوتِ: ﴿ياعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ أرْضِي واسِعَةٌ فَإيّايَ فاعْبُدُونِ ﴾ [٥٦]، وفي ذلك إشارةٌ إلى وجوبِ الخروجِ مِن مَكَّةَ ولو إلى غيرِ المدينةِ عندَ العَجْزِ عنها.
وفي هذا: الهجرةُ مِن بلدِ الكفرِ التي لا يتمكَّنُ المُسلِمُ فيها مِن إظهارِ دِينِهِ إلى بلدِ الكفرِ التي يتمكَّنُ فيها مِن ذلك، كهِجْرةِ مَن هاجَرَ إلى الحبَشةِ، وفاعلُ ذلك معدودٌ مِنَ المهاجِرِينَ، ومُدرِكٌ لأجرِ الهجرةِ وفَضْلِها.
الفرقُ بين بلدِ الإسلامِ وبلدِ الكفر:
وأمّا الفرقُ بينَ بلدِ الإسلامِ وبلدِ الكفرِ، فالأصلُ أنّه يَرجِعُ إلى دينِ الناسِ، لا إلى حُكّامِهم، فالشُّعُوبُ والمَحكومونَ إنْ غلَبَ عليهِمُ الإسلامُ وهم سَوادُ أهلِ البلدِ، ويُقيمونَ شَعائرَ الدِّينِ فيها، فبَلَدُهُمْ بلدٌ مسلِمٌ، ولو كان الحاكِمُ كافرًا.
فقد يكونُ البلدُ مسلِمًا، وحاكمُهُ كافرًا، كبَعْضِ دولِ الإسلامِ في القرونِ الخاليةِ التي وقَعَ بعضُ حُكّامِها في مكفِّرٍ ظاهِرٍ، كالدولةِ البُوَيْهِيَّةِ في العراقِ، والعُبيديَّةِ في مصرَ والقيروانِ، وغيرِهما، فالناسُ فيها يُظهِرونَ الإسلامَ وشرائعَ الدِّينِ، ولم يُفْتِ أحدٌ مِن علمائِها عمومَ الناس بالهجرةِ لأجلِ حاكمِها، ولَـمّا أفْتى أبو جعفرٍ الدّاوودِيُّ علماءَ القيروانِ بالهِجرةِ أسكَتُوهُ وأنكَرُوا عليه قولَه، وذلك أنّ العلماءَ إنْ تَرَكُوا العامَّةَ تَرَكُوا دِينَهم، وتبَدَّلَتْ بلدٌ بكامِلِها بعدَما كان الخوفُ على بعضِها.
وفرقٌ بينَ كفرِ الحاكمِ وكفرِ المحكومينَ، ولا يَلزَمُ مِن كفرِ الحاكمِ كفرُ المحكومِ، إلاَّ عندَ بعضِ الخوارجِ.
وقد يكونُ الحاكمُ مسلِمًا، والمحكومونَ كفّارًا، فيكونُ البلدُ بلدَ كفرٍ، كالحبَشةِ بعدَ إسلامِ النجاشيِّ، فهو مسلمٌ، ومَحكُومُوهُ نَصارى.
ويخرُجُ مِن هذا إنْ حكَمَ حاكمٌ مسلِمٌ بلدًا أكثرُهُ كفّارٌ بحُكْمِ اللهِ، وأَجْرى للمُسلِمِينَ الظُّهُورَ، ولو كانوا أقلَّ مِن غيرِهم، فغلبَتْ شوكةُ المسلِمِينَ شوكةَ الكافِرِينَ، وظهورُ المسلِمِينَ ظهورَ الكافِرِينَ، فيَحُلُّ الظهورُ هنا مَحَلَّ الكثرةِ، ويأخُذُ البلدُ حُكْمَ بلدِ الإسلامِ.
وقد نصَّ على اعتبارِ الظهورِ والغلَبةِ غيرُ واحدٍ مِن الأصحابِ، كأبي يَعْلى وابنِ مُفلِحٍ، فقد تكونُ بلدةٌ أو قريةٌ أهلُها على الكفرِ، وهي داخلةٌ في دولةِ المُسلِمِينَ، محكومةٌ بحُكْمِهم، فلا تأخُذُ حُكمَ بلَدِ الكفرِ، كخَيْبَرَ، فقد كان جلُّ أهلِها يهودَ، ولكنَّها تحتَ حُكْمِ المُسلِمينَ ودولتِهم، وخَراجُها لهم، وقد جعَلَ النبيُّ ﷺ عليها عُمّالَهُ، فلم يكُنْ يسكُنُها الصحابةُ كما يسكُنونَ المدينةَ، وإنّما يُعامِلونَ أهلَها ويُبايِعُونَهم، ولو أقام فيها أحدٌ، لم يكُنْ مقيمًا في بلدِ كفرٍ، وإنّما جاوَرَ كافِرِينَ، لأنّ الأرضَ للمُسلِمينَ، وحُكمَهم عليها نافذٌ وظاهرٌ، كظُهُورِ الكثرةِ على القِلَّةِ، وخَراجَها لهم، فالنبيُّ حينَما أخرَجَهم منها، لم يُعْطِهم قيمةَ أرضِهم، لأنّها للمُسلِمِينَ لا لهم، وهذا يختلِفُ عن بلدٍ أهلُها كفارٌ، ويَملِكونَها، ويُظهِرونَ فيها ما يَشاؤونَ مِن دينِهم ودُنياهم.
وبعضُ العلماءِ يجعلُ في البُلْدانِ قِسْمًا ثالثًا، وهي بُلْدانٌ لا تأخُذُ أحكامَ دارِ الحربِ ولا دارِ الإسلامِ، وذلكَ لاختلافِ حالِ الظُّهُورِ والتمكُّنِ والكثرةِ فيها، كما أفتى ابنُ تيميَّةَ في (ماردينَ)، فقَدْ جعَلَها مركَّبةً فيها المعنَيانِ، فلم يجعَلْها بمنزلةِ دارِ السِّلْمِ التي تَجري عليها أحكامُ الإسلامِ، ولا بمنزلةِ دارِ الحربِ التي أهلُها كفّارٌ، بل جعَلَها قسمًا ثالثًا متوسطًا.
والبلدانُ لا دوامَ لحالِها، فقد تتحوَّلُ كما يتحوَّلُ الإنسانُ مِنَ الإسلامِ إلى الكفرِ، ومِنَ الكفرِ إلى الإسلامِ، ومِنَ الطاعةِ إلى الفِسقِ، ومِنَ الفسقِ إلى الطاعةِ.
الهجرةُ إلى بلدِ الكُفرِ المسالِمِ:
وقد يُهاجِرُ المسلِمُ مِن بلدِ كفرٍ مُحارِبٍ إلى بلدِ كفرٍ مُسالِمٍ عندَ العجزِ عنِ الوصولِ إلى بلدٍ مسلِمٍ، ويُسمّى مُهاجِرًا وفِعلُهُ هِجْرةً، وقد سمّى النبيُّ ﷺ مَن هاجَرَ إلى الحبشةِ مُهاجِرًا، بل أمَرَهم بذلك، وقد قال قتادةُ في قولِ اللهِ تعالى في النَّحْلِ: ﴿والَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً ولَأَجْرُ الآخِرَةِ أكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [٤١]، أنّه فيمَن هاجَرَ إلى الحبَشةِ مِنَ الصحابةِ[[«تفسير الطبري» (١٤/٢٢٣)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٧/٢٢٨٤).]].
مُوجِباتُ الهِجْرةِ:
وأمّا هِجْرةُ الصحابةِ مِن مَكَّةَ إلى الحَبَشةِ، فلِأَجْلِ إظهارِ الدِّينِ، لا لأجلِ الفَرْقِ بينَ الدّارَيْنِ، فإنّ الهجرةَ لها موجِبانِ:
منها ما يتعلَّقُ بالعمَلِ وإظهارِ الدين.
ومنها ما يتعلَّقُ بالبلدِ.
أمّا العملُ، فإنْ مُنِعَ المسلمُ مِن إظهارِه ـ كرَفْعِ الأذانِ، وبِناءِ المساجدِ ـ وجَبَ عليه الهِجْرةُ إلى بلدٍ يُظهِرُ فيه شرائعَ دِينِه، ولو كان البلدُ الذي يُهاجِرُ منه أهلُهُ مسْلِمُونَ تَسلَّطَ عليهم مَن يمنَعُهُمْ مِن إظهارِ دِينِهم، والذي يُهاجِرُ إليه أهلُه كافرونَ، والهجرةُ لأجلِ إظهارِ الشرائعِ أوْجَبُ مِن الهِجْرةِ لأجلِ مُفارَقةِ بلدِ الكافِرِينَ.
وأمّا الهجرةُ لأجلِ البلَدِ، لا لأجلِ إظهارِ الشرائعِ، فهو أن يُهاجِرَ مِن بلدٍ كافرٍ يُظهِرُ فيه دينَهُ وشرائعَهُ إلى بلدٍ مسلمٍ يُظهِرُ فيه دينَهُ وشرائعَهُ، لأنّ العِلَّةَ الإقامةُ بينَ ظَهْرانَيْهِم.
وهجرةُ الحبشةِ الأُولى والثانيةُ لأجلِ العَمَلِ وإظهارِ الدِّينِ، لا لأجلِ البلدِ، فلم تكُنِ الحبشةُ بلدَ إسلامٍ، وهجرةُ المدينةِ لأجلِ العملِ والبلَدِ معًا، والهجرةُ لحفظِ العملِ وإقامتِهِ أعظَمُ مِنَ الهجرةِ لأجلِ الأرضِ والبَلَدِ، لأنّ البَلَدَ ولو كان فاضلًا ـ كمَكَّةَ والمدينةِ والمسجدِ الأقصى ـ لا يَلزَمُ منه القُدْرةُ على إظهارِ العملِ، فمَن قدَرَ على إظهارِ دينِهِ، أقام، ومَن لم يَقدِرْ، هاجَرَ ولو إلى بلدٍ مفضولٍ، لأنّ فضلَ الأعمالِ أعظَمُ مِن فضلِ البُلْدانِ، وأثَرَ الأعمالِ على أصحابِها أعظَمُ مِن أثرِ البُلْدانِ عليهم.
أحوالُ وجوبِ الهجرةِ وتحريمِها:
ويَختلِفُ الفقهاءُ في وجوبِ الهِجْرةِ مِن بلدِ الكفرِ، مع القدرةِ على إقامةِ الدِّينِ وإظهارِ الشرائعِ فيه، إلاَّ أنّ ثَمَّةَ صُوَرًا لا يَختَلِفونَ في وجوبِ الهجرةِ فيها ولو أُقيمَتِ الشرائعُ، وصُوَرًا لا يَختلِفونَ في جوازِ الإقامةِ في بلدِ الكفرِ فيها، أو استحبابِ ذلك، وصورًا لا يَختلِفونَ في تحريمِ الهجرةِ فيها:
أمّا ما لا يُختلَفُ في وجوبِ الهجرةِ فيها مِن بلدِ الكفرِ ولو أُقيمَتِ الشرائعُ فيها: فذلك زمنَ الحربِ بينَ المُسلِمِينَ والكافِرِينَ، فلا يجوزُ لمسلمٍ أن يُقِيمَ بينَ ظَهْرانَيْهِم، ولو مكَّنُوهُ مِن إقامةِ دينِه، لأنّه يكثِّرُ سَوادَ الكافِرِينَ، ويُعرِّضُ نفسَهُ وأهلَهُ ومالَهُ لسِهامِ المُسلِمِينَ وقَذائفِهم.
ولا يَختلِفونَ في وجوبِ الهجرةِ عندَ عدمِ القُدْرةِ على إقامةِ الدِّينِ وشرائعِهِ اللازمةِ والمتعدِّيَةِ، لازمةٍ كالذِّكْرِ والصلاةِ والصومِ، ومتعدِّيةٍ كالزَّكاةِ والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ ودَعْوةِ الناسِ إلى التوحيدِ والسُّنَّةِ، وكذلك إقامةُ أحكامِ الدِّينِ وشرائعِهِ الظاهرةِ، كبِناءِ المساجِدِ، وصلاةِ الجماعاتِ والأذانِ لها، والحجابِ، وإعفاءِ اللِّحى، وكذلك الشرائعُ الباطنةُ التي إنْ أُقيمَتِ الظاهرةُ، لزِمَ قيامُ الباطنةِ مِن بابِ أوْلى.
وأمّا ما لا يُختلَفُ في جَوازِه أو مشروعيَّتِه: فهو لِمَن أقامَ في بلدِ الكفرِ لدَعْوَتِهم، أُسوةً بالأنبياءِ، ولو أطالَ البقاءَ، فإنّ اللهَ لم يأمُرْ نبيَّه ﷺ بالهجرةِ إلاَّ لمّا منَعُوهُ مِن إظهارِ دينِهِ ودعوتِهِ وشرائعِ ربِّه، وهكذا الأنبياءُ مِن قَبْلِهِ لم يُغادِروا أرضَ قومِهم إلا كُرْهًا أو خَوْفًا مِن عذابِهم الموعودِ.
وأمّا ما لا يُختلفُ في تحريمِه: فالهجرةُ مِن بلدِ الإسلامِ إلى بلدِ الكفرِ الذي لا تُظهَرُ فيه الشرائعُ بل يُحارَبُ فيه الإسلامُ، ولو كان في ذلك حِفْظٌ للدُّنيا، فلا يجوزُ لمسلمٍ أن يُهاجِرَ مِن بلدِ الإسلامِ ولو ظُلِمَ فيها في دُنياهُ، إلى بلدِ الكفرِ التي لا يُظهِرُ فيها دينَهُ ولكنْ تُحفَظُ دُنياه، لأنّه لا يجوزُ حِفظُ الدُّنيا وإضاعةُ الدِّينِ، فإنّ اللهَ لم يُوجِبِ الهجرةَ على نبيِّه والمؤمنينَ إلاَّ وتَبِعَها مِن ضياعِ دُنْياهُم وتَرْكِها ـ مِن مالٍ وزوجةٍ وولَدٍ ودارٍ وأرضٍ ـ شيءٌ كثيرٌ، فلا يُعتبَرُ حِفظُ الدُّنيا معَ ضياعِ الدِّينِ شيئًا.
وأمّا مَن ظُلِمَ وقُهِرَ مِن حاكمٍ طاغٍ مُسلِمٍ تسلَّطَ على المُسلِمِينَ، وأرادَهُ على دينِهِ أو عِرْضِهِ أو نفسِه، فأرادَ الهِجْرةَ إلى بلَدِ كفرٍ يَحفَظُ دُنياهُ ويُقيمُ دينَهُ عندَ تعَذُّرِ بلدٍ مُسلِمٍ ـ فيجوزُ له ذلكَ كما عزَمَ الزهريُّ على الهجرةِ إلى أرضِ الرومِ هربًا مِن الوليد بنِ يزيدَ، بشرطِ أن يكونَ متربِّصًا للعودةِ إلى بلدِ الإسلامِ في بلَدِهِ أو غيرِها، مِن غيرِ نيَّةِ دوامِ الإقامةِ في بلدِ الكفرِ.
الهجرةُ من بلدِ الكفرِ الذي يُظهِرُ فيه المسلمُ دينَهُ:
وقدِ اختلَفَ العلماءُ في الهجرةِ مِن بلدِ الكُفْرِ الذي يَقدِرُ فيه أن يُقِيمَ المسلِمُ دِينَهُ، ويُظهِرَ شرائعَهُ ظاهرةً وباطنةً، على أقوالٍ، جِماعُها في قولَيْنِ:
القولُ الأوَّلُ: وجوبُ الهِجْرةِ.
الثاني: عدمُ وجوبِها.
والأظهَرُ التفصيلُ، وذلك أنّ بقاءَ المسلمِ في بلادِ الكفرِ لا يخلو مِن حالتَيْنِ:
الحالةُ الأُولى: أن تكونَ للمُسلِمِينَ مدُنٌ وقُرًى يُظهِرونَ فيها دينَهم، وتَظهَرُ فيها شوكتُهم، كالمُدُنِ والقُرى والوِلاياتِ التي تكونُ ضِمْنَ بلادٍ كفريَّةٍ اليومَ، كالهندِ وما وراءَ السِّنْدِ وما تحتَ روسيا، ففي الهندِ ولاياتٌ ومدنٌ فيها عشَراتُ الملايينِ، وفي روسيا كذلك.
فهؤلاءِ إنْ أظهَرُوا دينَهم وشعائِرَهُمُ الخاصَّةَ والعامَّةَ، لم تَجِبْ عليهِمُ الهجرةُ، وذلكَ أنّ لهم شوكةً وقوَّةً يَحْمُونَ بها شعائِرَهم ودينَهم، ولهم حميَّةٌ تَحفَظُ دينَهم ودُنياهم، ولا يأثَمُونَ ببقائِهم ولو كانوا ضِمْنَ دولةٍ كافرةٍ، فإن كانوا على قِلَّةٍ وضَعْفٍ بالنِّسْبةِ لدولةِ الكفرِ الحاكمةِ، تعَبَّدُوا واكتَفَوْا بإظهارِ شعائرِ الدِّينِ، وتَرَكُوا جهادَ دَوْلةِ الكفرِ التي فَوقَهم، حتّى يتمكَّنُوا منه فيُجاهِدوا لِيُقيموا حُكمَ اللهِ فيهم.
الاحتماءُ بالكافِرِ:
وإنْ صال صائلٌ كافرٌ ولم يَقدِرُوا على دَفْعِهِ مِن أنفُسِهم، احتمَوْا ولو بكافرٍ، كما لم يُؤمَرْ مُهاجِرُو الحبشَةِ بالجهادِ، لقِلَّتِهم وضَعْفِهم في وقتٍ كان أهلُ المدينةِ مأمورينَ فيه بالجهادِ، لكَثْرَتِهم وقُوَّتِهم، فلم يُؤمَرْ أهلُ الحبشةِ بما أُمِرَ به أهلُ المدينةِ، وقد بَقُوا في الحبشةِ بعدَ نزولِ آياتِ الجهادِ بضعةَ أعوامٍ، وأُجرِيَ أهلُ الحبشةِ على ما مَضى مِن كفِّ اليدِ الذي كانوا عليه في مَكَّةَ: ﴿كُفُّوا أيْدِيَكُمْ وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ﴾ [النساء: ٧٧].
الحالةُ الثانيةُ: أن يكونَ المُسلِمونَ في بَلَدِ كُفْرٍ أفرادًا أو جماعاتٍ قليلةً وأُسَرًا متفرِّقةً في أوساطِ المشرِكِينَ، فهؤلاءِ تجبُ عليهمُ الهجرةُ، لأنّ القلَّةَ تذوبُ مع الكثرةِ، فلا شوكةَ لهم ولا هيبةَ، وربَّما تنصَّرَ الأولادُ والأحفادُ، بسببِ إقامةِ الأجدادِ وهم قِلَّةٌ وسْطَ المشرِكِينَ، وربَّما حمَلَهم ذلك على محاكاةِ الفعلِ والتشبُّهِ بالمشرِكِينَ في الظاهرِ، لأنّهم لا شوكةَ لهم ولا حميَّةَ تَحفَظُ في نفوسِهم هَيْبةَ دِينِهم، وهؤلاءِ وإن أقاموا شعائرَهم فلا بدَّ أن تذوبَ ذُرِّيّاتُهم في الكفرِ، إنْ لم يكُنْ في الأولادِ، ففي الأحفادِ ومَن بَعْدَهم، وذلك أنّ المُسلِمِينَ لمّا تمكَّنُوا في المدينةِ، أرسَلَ النبيُّ ﷺ إلى المهاجِرِينَ في الحبشةِ أن يأتُوا إليه، لأنّهم جماعةٌ قليلةٌ بالنِّسْبةِ لبلدٍ أهلُهُ كثيرٌ.
وأمّا إنْ كان الحاكمُ لا يحكُمُ بحُكْمِ اللهِ كما في الحدودِ والتعزيراتِ في العقوباتِ، ولا في العقودِ والمعاملاتِ، كما أمَرَ اللهُ في كتابِه، وأهلُ تلك البلدِ مُسلِمونَ، كما هو في أكثرِ بُلْدانِ الإسلامِ اليومَ، فلا خلافَ في فضلِ تركِ تلك البلدِ.
الأحكامُ المُبَدَّلَةُ وأثرُها على الهِجْرَة:
وأمّا في تحقُّقِ وجوبِ الهجرةِ مِنها مِن عدَمِه، فإنّ تلك الأحكامَ المُبدَّلةَ على حالتَيْنِ:
الحالةُ الأُولى: ألاَّ تعُمَّ البَلْوى لعمومِ المسلِمِينَ ولا جمهورِهم مِن التلبُّسِ بتلك الأحكامِ المبدَّلةِ، فلا يجبُ عليهِمُ الهِجْرةُ مِن بلدِهم حينئذٍ، بشرطِ أنْ يَقدِروا على إظهارِ الدِّينِ وشعائرِهِ، وبيانِ حُكْمِ الحاكمِ والمتحاكِمِ إلى غيرِ حُكْمِ اللهِ، والتربُّصِ بالحاكمِ وعزلِهِ على مراتبِ القُدْرةِ والقُوَّةِ والتمكينِ.
وذلك أنّ النبيَّ ﷺ بدأَتْ تَنْزِلُ عليه آياتُ الحدودِ والعقوباتِ والعقودِ في القرآنِ والسُّنَّةِ، وجماعةٌ مِن أصحابِه في الحبشةِ، ولا يُقامُ فيها حُكْمُ اللهِ، فلم يأمُرْهُمْ بتَرْكِ الحبَشةِ واللَّحاقِ به في المدينةِ، ولمّا جاءَ جعفرٌ ومَن معَهُ بعدَ خَيْبَرَ مِنَ الحبَشةِ إلى المدينةِ في السنةِ السابعةِ مِن الهجرةِ، لم يُنكِرْ عليهم تأخُّرَهم، وقد بَقُوا في الحبشةِ بعدَ بَدْءِ نزولِ آياتِ الحدودِ والعقودِ أعوامًا.
ولأنّ الأحكامَ تتعلَّقُ بالأفرادِ غالبًا، وتعلُّقُها بالجماعاتِ نادرٌ، كالقَسامَةِ وشِبْهِها، والتلبُّسُ بها قليلٌ في الأفرادِ، ويتمكَّنُ المؤمنُ ممّا تَعُمُّ به البَلْوى أنْ يُقِيمَهُ ويَقضِيَ به على نفسِهِ ومَن معَه، كعُقُودِ النِّكاحِ والمواريثِ، والطَّلاقِ والعِدَدِ، والمعامَلاتِ، فهو قادرٌ غالبًا على عدمِ التلبُّسِ بالحُكْمِ المخالفِ لحُكْمِ اللهِ.
وأمّا ما يُوجِبُ الحدودَ والعقوباتِ، فالأصلُ عدمُ وقوعِها مِنَ المؤمنِ، وإنْ وقعَتْ منه لم يقُلْ أحدٌ مِن العلماءِ: إنّ مِن الكفرِ تَرْكَ المسلِمِ المحكومِ لإقامةِ الحدِّ على نفسِه، وتَرْكَ رفعِ أمرِ مَن أصابَ حدًّا مِن أهلِهِ للسُّلْطانِ القائمِ بأمرِ اللهِ عندَ وجودِه، فكيفَ عندَ عدمِ وجودِه؟!
وإنّما نصوصُ الوحيِ وكلامُ العلماءِ في مسألةِ نزولِ المُتحاكِمِ مختارًا لغيرِ حُكْمِ اللهِ، وكذلك حُكْمُ السلطانِ بغيرِ حُكْمِ اللهِ وتشريعِه.
الحالةُ الثانيةُ: إنْ كانتِ الأحكامُ المبدَّلةُ عن حُكْمِ اللهِ في بلدِ المُسلِمينَ تَعُمُّ بها البلوى لعمومِ الناسِ، كالإلزامِ بها والمُعاقَبةِ على تركِها فلا يَسْلَمُ مِنها جمهورُهم، فلا ينبغي أن يكونَ في وجوبِ الهجرةِ مِن تلكَ البلدِ خلافٌ، ولو كان أكثرُ أهلِها مُسلِمِينَ.
وأمّا الحاكمُ المشرِّعُ غيرَ شرعِ اللهِ، المُحلِّلُ لِما حرَّمَ اللهُ، والمُحَرِّمُ لِما أحَلَّ اللهُ، فليس بمسلمٍ تُنَزَّلُ عليه نصوصُ ولاةِ الأمرِ في الإسلامِ، ويجبُ على المُسلِمينَ عزلُهُ إنْ قَدَرُوا عليه، وإن عَجَزوا فلا بيعةَ له وإن نزَلُوا تحتَ سُلْطانِه وتغلُّبِه.
ولا يجبُ عليهم أن يتحوَّلُوا عن أرضِهم لأجلِه، بشرطِ أن يُظهِروا الدِّينَ، ويُقيموا شَعائِرَهم في أرضِهم، ويأمُروا بالمعروفِ ويَنهَوْا عن المُنكَرِ.
وقد تجبُ الهجرةُ على قومٍ أو أفرادٍ مِن بلدٍ دون غيرِهم إلى بلدٍ آخرَ يَحفَظُ دينَهم، ويُظهِرونَ فيه الشعائر، لأنّهم خُصُّوا بالأذيَّةِ والقهرِ، كما أمَرَ النبيُّ ﷺ مَن معَهُ في مَكَّةَ بالهجرةِ إلى الحبشةِ، ولم يخرُجْ هو وآخَرونَ معَه، لأنّه يجدُ له مَنَعةً مِن ربِّه، وشوكةً مِن قومِه، كبني هاشمٍ، فأمَرَ بعضَ مَن لا يجدُ منَعةً بالهجرةِ، ممَّن يَنالُهم العذابُ ومَن قد تَصِلُ إليهم يدُ المشرِكينَ، فخرَجَ في شهرِ رجبٍ بعدَ البعثةِ بخمسِ سنينَ: عثمانُ بنُ عفّانَ وزوجتُهُ رُقَيَّةُ بنتُ رسولِ اللهِ ﷺ في بِضْعةَ عشَرَ رجلًا وامرأةً، فتَبِعَتْهم قريشٌ إلى البحرِ لمّا علِمَتْ بهم، فرَكِبُوا السفينةَ قبلَ أن يُدْرِكُوهم.
وسبَبُ هِجْرتِهم: حفظُ دينِهم، وإقامةُ شريعتِهم، وعِصْمةُ دمائِهم، فما كانوا يَستطيعونَ الصلاةَ عندَ البيتِ، فأرادُوا إقامةَ الدينِ وحِفْظَ الأنفُسِ، كما قالتْ أمُّ سلَمةَ: «لمّا نَزَلْنا أرْضَ الحَبَشَةِ، جاوَرْنا بِها خَيْرَ جارٍ، النَّجاشِيَّ، أمِنّا عَلى دِينِنا، وعَبَدْنا اللهَ»[[أخرجه أحمد (١٧٤٠) (١/٢٠١)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (٢/٣٠١)، وابن هشام في «السيرة» (١/٣٣٤).]].
وقال ابنُ مسعودٍ ـ فيما رواهُ الطبرانيُّ، وابنُ سَعْدٍ، وابنُ عساكرَ ـ: «كان إسلامُ عُمَرَ فَتْحًا، وكانتْ هجرتُهُ نَصْرًا، وكانتْ إمارتُهُ رحمةً، لقد رأيتُنا وما نَستطيعُ أن نُصلِّيَ بالبيتِ حتّى أسلَمَ عُمَرُ، فلمّا أسلَمَ عمرُ، قاتَلَهم، حتّى ترَكُونا فصَلَّيْنا»، رَواهُ القاسمُ بنُ عبدِ الرحمنِ، عنِ ابنِ مسعودٍ[[«المعجم الكبير» للطبراني (٨٨٠٦) (٩/١٦٢)، و«الطبقات الكبرى» لابن سعد (٣/٢٧٠)، و«تاريخ دمشق» لابن عساكر (٤٤/٤٨).]].
وإسلامُ عمرَ كان عند خروجِ مَن خرَجَ مِنَ الصحابةِ إلى الحَبَشةِ، كما ذكَرَهُ ابنُ إسحاقَ[[«سيرة ابن هشام» (١/٣٤٢).]].
وقد رجَعَ مهاجِرو الحبشةِ مِن هجرتِهِمُ الأُولى إلى مَكَّةَ في شوّالٍ مِن عامِهم، فاشتَدَّ أمرُ قُريشٍ وحُلفائِها عليهم وعلى مَن أسلَمَ مِن بعدِهم، حتّى حُوصِرَ النبيُّ ﷺ وبنو هاشمٍ في شِعْبِ أبي طالبٍ، فرجَعُوا هم وغيرُهم مُهاجِرينَ مرَّةً أُخرى إلى الحبَشةِ، وكانوا فوقَ الثمانِينَ رجُلًا وامرأةً، حتّى تَبِعَتْهُمْ قُرَيْشٌ برَسُولِها إلى النَّجاشيِّ ليُعِيدَهم ويَقطَعَ ذِمَّتَهُ وجِوارَهُ لهم، فامتنَعَ مِن ذلك.
وقد روى أحمدُ، عنِ ابنِ مسعودٍ، قال: «بَعَثَنا رَسُولُ اللهِ ﷺ إلى النَّجاشِيِّ، ونَحْنُ نَحْوٌ مِن ثَمانِينَ رَجُلًا، فِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وجَعْفَرٌ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ عُرْفُطَةَ، وعُثْمانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وأَبُو مُوسى...»، الحديثَ[[أخرجه أحمد (٤٤٠٠) (١/٤٦١).]].
سببُ عدمِ هجرة النبي ﷺ إلى الحَبَشةِ:
وإنّما لم يُهاجِرِ النبيُّ ﷺ معَهُمْ إلى الحبشةِ، لأنّ اللهَ أخبَرَهُ بحِفْظِهِ ونَصْرِه، وبه قيامُ الدِّينِ في أمِّ القُرى وما حولَها وما بَعُدَ عنها، فلا ينوبُ عنه في قيامِ هذا الأمرِ أحدٌ، وهو ينوبُ عن كلِّ أحدٍ، فأمَرَ صحابتَهُ بالهجرةِ إلى الحبشةِ، ليُقِيموا دينَهم، ويَحفَظوا أنفُسَهم، حتّى عادُوا مرَّةً أخرى متفرِّقينَ حتى السنةِ السابعةِ مِنَ الهجرةِ حينَما أرسَلَ إليهِمُ النبيُّ ﷺ لمّا اشتَدَّ أمرُ النبيِّ، وقَوِيَتْ شوكةُ المُسلِمينَ، وانكسَرَتْ شوكةُ المشرِكينَ، بعدَ بَدْرٍ وأُحُدٍ والحُدَيْبِيَةِ وفتحِ خَيْبَرَ، حتّى قال النبيُّ ﷺ: (ما أدْرِي بِأَيِّهِما أنا أسَرُّ، بِفَتْحِ خَيْبَرَ، أوْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ!) [[أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (١٤٧٠) (٢/١٠٨)، وابن هشام في «السيرة» (٢/٣٥٩).]].
وفي هذا جوازُ أن يدخُلَ بعضُ المُسلِمِينَ في حمايةِ غيرِ المُسلِمينَ، عندَ تعذُّرِ قوَّةٍ للمُسلِمينَ تَحفَظُ دينَهم ودَمَهم.
وقد كانتْ آياتُ الجهادِ قد نزَلَتْ على رسولِ اللهِ ﷺ، والصحابةُ في الحبَشةِ، فلم يأمُرْهُمْ بالقتالِ فيها، لأنّهم قليلٌ، والحاكمُ عَدْلٌ يُرْجى إسلامُهُ بلا قتالٍ، وقد أسلَمَ بعدُ، فأخبَرَ النبيُّ ﷺ بموتِهِ وإسلامِهِ قبلَ فتحِ مكَّةَ.
وفي هذا أنْ يُفَرِّقَ المسلِمونَ بينَ مواضعِ القُوَّةِ والضعفِ فيهم، ويُفرِّقوا بينَ الدولةِ الكافرةِ المُسالِمةِ المُناصِرةِ، والدولةِ الكافرةِ المُحارِبةِ المعاديةِ، فالنجاشيُّ احتُسِبَ نَصيرًا وهو كافرٌ، فاحْتُمِيَ به زمَنَ الضَّعْفِ، فلم يُعادَ ولم يُقاتَلْ، ثمَّ أسلَمَ رضي الله عنه.
{"ayahs_start":97,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ ظَالِمِیۤ أَنفُسِهِمۡ قَالُوا۟ فِیمَ كُنتُمۡۖ قَالُوا۟ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوۤا۟ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَ ٰسِعَةࣰ فَتُهَاجِرُوا۟ فِیهَاۚ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَاۤءَتۡ مَصِیرًا","إِلَّا ٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَ ٰنِ لَا یَسۡتَطِیعُونَ حِیلَةࣰ وَلَا یَهۡتَدُونَ سَبِیلࣰا","فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن یَعۡفُوَ عَنۡهُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوًّا غَفُورࣰا"],"ayah":"إِلَّا ٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَ ٰنِ لَا یَسۡتَطِیعُونَ حِیلَةࣰ وَلَا یَهۡتَدُونَ سَبِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق