الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿ومَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدًا فِيها وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ولَعَنَهُ وأَعَدَّ لَهُ عَذابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: ٩٣].
بعدَما ذكَرَ اللهُ القتلَ الخطأَ، ذكَرَ القتلَ العمدَ، وبيَّنَ خطَرَهُ، ولم يَذكُرِ اللهُ وعيدًا على فِعْلٍ بعدَ الكفرِ كما ذكَرَهُ في وعيدِ القتلِ العمدِ في هذه الآيةِ.
قتلُ العمدِ ومعناه:
وقتلُ العمدِ هو التسبُّبُ في موتِ أحدٍ، مع قَصْدِ إزهاقِ النَّفْسِ، بسلاحٍ وغيرِ سلاحٍ، فالسلاحُ: كلُّ ما صحَّ استعمالُهُ للإزهاقِ ولو كان إبرةً، وغيرُ السلاحِ: كالخَنقِ وحبسِ النَّفَسِ بالثَّوْبِ أو اليدِ أو الحبلِ، ونحوِ ذلك.
توافُرُ قصدِ القتلِ:
وإذا توافَرَ في القتلِ القصدُ، كَفى في وصفِ القتلِ بالعمدِ ولو بأدنى سببٍ، وإذا توافَرَ السلاحُ القاتلُ وتُيُقِّنَ مِنِ انتِفاءِ القصدِ، لم يُسَمَّ القتلُ عمدًا، كمَن يَقتلُ بالسيفِ أو الرَّصاصِ أو السهمِ رجُلًا، وهو يُرِيدُ صيدًا.
وإذا توافَرَ السلاحُ القاتلُ، وجُهِلَ القصدُ، وتُيُقِّنَتِ العداوةُ، كان قتلَ عمدٍ، فالعِبْرةُ هنا بالسلاحِ، وإذا كان السلاحُ غيرَ قاتلٍ، ولكنْ توافَرَ قصدُ القتلِ، كان قتلَ عمدٍ، فالعِبْرةُ هنا بالقصدِ، وهما أمرانِ إنِ اجتَمَعا فهو قتلُ عمدٍ بلا خلافٍ، وإنْ توافَرَ أحدُهما دونَ الآخَرِ، فيُنظَرُ للقصدِ معَ أدنى سببٍ يُمكِنُ به القتلُ، ولو كان بإطعامِه طعامًا مباحًا يُعلَمُ أنّه لو أكلَهُ مريضٌ ماتَ فأطعَمَهُ بقصدِ قتلِه، فهو قتلُ عمدٍ يُقتَلُ به، كمَن يُطعِمُ مريضَ السُّكَّرِ السكرَ وهو يَعلَمُ أنّه يموتُ بمِثْلِ هذا النوعِ مِنَ الطعامِ، ومِثْلِ هذا المقدارِ، فهنا وإن كان السببُ مباحًا لكنَّه في هذا الشخصِ وهذه الحالةِ محرَّمٌ.
فمع قصدِ القتلِ تُلتمَسُ أدنى الأسبابِ، ومع السلاحِ القاتلِ يُلتمَسُ أدنى القصدِ، ولأنّه لا يُحمَلُ السلاحُ القاتِلُ عادةً إلا للقتلِ.
ومَن قَتَلَ بغيرِ سببٍ قاتِلٍ، كمَن رمى حصًى مِثلَ حَصى الخَذْفِ، فإنّ مِثلَهُ لا يَقتُلُ، ففي الحديثِ: (إنَّهُ لا يُصْطادُ بِهِ الصَّيْدُ، ولا يُنْكَأُ بِهِ العَدُوُّ، ولَكِنَّهُ يَكْسِرُ السِّنَّ، ويَفْقَأُ العَيْنَ) [[أخرجه البخاري (٥٤٧٩) (٧/٨٦)، ومسلم (١٩٥٤) (٣/١٥٤٧).]]، فمَن مات به، فهو قتل خطأ.
أنواعُ القتلِ:
والقتلُ على أنواعٍ ثلاثةٍ:
النوعُ الأولُ: قتلُ الخطأِ، وقد تقدَّمَ في الآيةِ السابقةِ.
النوعُ الثاني: قتلُ العمدِ، وقد تقدَّمَ ذِكرُ وصفِهِ والقرائنِ الدالَّةِ عليه.
النوعُ الثالثُ: قتلُ شِبْهِ العمدِ، وهو ما توافَرَ فيه العداوةُ، وانْتَفى قصدُ القتلِ، وانتَفى معه السلاحُ الذي يَقتُلُ مِثلُه عادةً، كمَن رمى بعودٍ أو حصاةٍ لا يَقتُلُ مِثلُها عادةً، ولو توافَرَتِ العداوةُ، فما كلُّ عداوةٍ يُرادُ منها القتلُ، فالناسُ يتَخاصَمُونَ ويقَعُ منهمُ السَّبُّ واللَّعْنُ واللَّطْمُ ونحوُ ذلك، ولا يَقصِدونَ القتلَ.
ومِن هذا النوعِ ما في «الصحيحَيْنِ»، عن أبي هُرَيْرةَ، قال: «اقْتَتَلَتِ امْرَأَتانِ مِن هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إحْداهُما الأُخْرى بِحَجَرٍ، فَقَتَلَتْها وما فِي بَطْنِها، فاخْتَصَمُوا إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَضى رَسُولُ اللهِ ﷺ: أنَّ دِيَةَ جَنِينِها غُرَّةٌ عَبْدٌ أوْ ولِيدَةٌ، وقَضى بِدِيَةِ المَرْأَةِ عَلى عاقِلَتِها»[[سبق تخريجه.]].
وأنكَرَ بعضُ الأئمَّةِ قتلَ شِبْهِ العمدِ، فجعَلُوا القتلَ خطأً وعَمْدًا، وأدخَلُوا شِبْهَ العمدِ في العمدِ، ولو ماتَ بالعَضَّةِ واللَّطْمةِ، وهو قولُ مالكٍ والليثِ.
والصحيحُ ثبوت هذا النوعِ، وقد قضى به النبيُّ ﷺ وبعضُ الخلفاءِ والصحابةِ، ولا مُخالِفَ لهم منهم، ولكنَّ ديةَ قتلِ شبهِ العمدِ تُغلَّظُ لا كالخطأِ.
ديةُ شبهِ العَمْدِ:
وجمهورُ العلماءِ: على أنّ ديةَ شبهِ العمدِ على العاقلةِ، لا على القاتلِ مِن مالِه، خلافًا لمالكٍ، إذْ جعَلَ شبهَ العمدِ عمدًا.
والأوَّلُ أصحُّ، فقد جعَلَ النبيُّ ديةَ الجنينِ على عاقلةِ المرأةِ، كما في «الصحيحَيْنِ»، مع أنّها رمَتْ بحجرٍ.
كفّارةُ قتلِ العمدِ وشبهِهِ:
واختلَفَ الأئمةُ في كفارةِ القتلِ العمدِ وشِبهِه، مِن تحريرِ رقبةٍ وديةٍ عندَ العفوِ عنِ القَوَدِ، على قولَيْنِ، هما قولانِ لمالكٍ، وروايتانِ عن أحمدَ:
الأوَّلُ: في العمدِ وشِبْهِهِ الديةُ كالخطأِ، وهو قولُ الشافعيِّ.
الثاني: فيه الكفارةُ، وهو قولُ مالكٍ وأحمدَ المشهورُ عنهما وأبي حنيفةَ.
وعلَّلَ أحمدُ عدمَ الديةِ بعِظَمِ الذَّنْبِ وأنّ الكفارةَ بعتقِ الرقبةِ والدِّيَةِ لا يكونُ لذنبٍ معظَّمٍ، دونَ الشِّرْكِ مرتبةً، وفوقَ بقيةِ المُوبِقاتِ.
والقولُ بالديةِ يُوافِقُ النَّظرَ، لأنّ الديةَ حقٌّ لأهلِ القتيلِ، لا حقٌّ للقتيلِ، وليستْ جَبْرًا للذنبِ، وإنّما جبرٌ لبعضِ ما فقَدُوهُ بما لا يُضِرُّ بالقاتلِ وعاقلتِهِ، ولا يَهدُرُ حقَّهم في فقيدِهم، ولا يَلزَمُ مِنَ العفوِ عنِ القِصاصِ سقوطُ الديةِ تَبَعًا.
وهذه الآيةُ: ﴿ومَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾:
اختُلِفَ في نَسْخِها وإحكامِها:
والجمهورُ: على إحكامِها، وهو قولُ ابنِ عمرَ وابنِ عبّاسٍ وأبي هريرةَ وعُبيدِ بنِ عُميرٍ والحسَنِ وقتادةَ.
وقد روى البخاريُّ ومسلمٌ، عنِ ابنِ جُبيرٍ، قال: «آيَةٌ اخْتَلَفَ فِيها أهْلُ الكُوفَةِ، فَرَحَلْتُ فِيها إلى ابْنِ عَبّاسٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْها، فَقالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿ومَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾، هِيَ آخِرُ ما نَزَلَ، وما نَسَخَها شَيْءٌ»[[أخرجه البخاري (٤٥٩٠) (٦/٤٧)، ومسلم (٣٠٢٣) (٤/٢٣١٧).]].
وروى سعيدٌ، عنِ ابنِ عبّاسٍ، قال: «إنّ الرجلَ إذا عرَفَ الإسلامَ وشرائعَ الإسلامِ، ثمَّ قتَلَ مؤمِنًا متعمِّدًا، فجزاؤُهُ جهنَّمُ، ولا توبةَ له، فذكَرْتُ ذلك لمجاهدٍ، فقال: إلاَّ مَن نَدِمَ»[[أخرجه البخاري (٣٨٥٥) (٥/٤٥)، والطبري في «التفسير» (٧/٣٤٢)، واللفظ له.]].
ورُوِيَ عنِ ابنِ عبّاسٍ: أنّه لا توبةَ له، مِن وجوهٍ متعدِّدةٍ، وقال بقولِه قِلَّةٌ.
أنواعُ الذنوبِ:
والذنبُ الذي يقَعُ مِنَ الإنسانِ على نوعَيْنِ:
الأوَّلُ: حقٌّ للهِ خاصٌّ، كفِعْلِ بعضِ المحرَّماتِ، مِن شُرْبِ الخمرِ والزِّنى، وتَرْكِ بعضِ الواجباتِ، كالصِّيامِ والحجِّ، وهذا النوعُ للهِ تعالى، إنْ شاءَ عاقَبَ فاعِلَهُ، وإنْ شاءَ غفَرَ له.
الثاني: حقٌّ خاصٌّ بالمخلوقِ، جعَلَهُ اللهُ إليه، إنْ عَفا، سقَطَ عنِ الظالِمِ ظُلْمُه، وذلك كضَرْبِ الإنسانِ وشجِّهِ وأخذِ مالِه ونحوِ ذلك، فهذا للمخلوقِ، كما جاء في «الصحيحِ»، مِن حديثِ أبي هُرَيْرةَ، أنّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: (مَن كانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنها، فَإنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينارٌ ولا دِرْهَمٌ، مِن قَبْلِ أنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِن حَسَناتِهِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَناتٌ، أُخِذَ مِن سَيِّئاتِ أخِيهِ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ)[[أخرجه البخاري (٦٥٣٤) (٨/١١١).]].
وحقُّ اللهِ في حقِّ الآدميِّينَ مبنيٌّ على المُسامَحةِ، واللهُ أكرَمُ مِن خَلْقِهِ في العفوِ والصفحِ، فإنْ عَفا صاحِبُ الحقِّ، عَفا اللهُ معَهُ لِمَن نَدِمَ، وأمّا القتلُ، فهو حقٌّ للآدميِّ لا يمكِنُ أن يعفُوَ صاحبُهُ، لفَوْتِهِ بموتِه، فلا يَلتقي بالقاتلِ إلاَّ في الآخِرةِ، وفي الآخرةِ لا يعفو الوالدُ عن ولدِه، ولا الخليلُ عن خليلِه.
ولعلَّ هذا مرادُ ابنِ عبّاسٍ في عَدَمِ توبةِ القاتلِ وقَبُولِها.
وأمّا الكَفّارةُ بتحريرِ الرقبةِ والدِّيَةِ، فالتحريرُ حقٌّ للهِ، والديةُ حقٌّ لأهلِ القتيلِ لا للقتيلِ نفسِه، لأنّه لا يَنتفِعُ منها.
توبةُ القاتِلِ:
وأمّا آيةُ الفُرْقانِ في قَبُولِ توبةِ القاتلِ بعدَما ذكَرَ الشِّرْكَ والقَتْلَ والزِّنى، قال: ﴿إلاَّ مَن تابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلًا صالِحًا﴾ [الفرقان: ٧٠]، فحَمَلَها على المُشْرِكِ الذي يَقتُلُ في جاهليَّتِه وشِرْكِه، فقد روى الشيخانِ، مِن حديثِ سعيدِ بنِ جبيرٍ، قال: «أمَرَني عبدُ الرحمنِ بنُ أبْزى، قال: سَلِ ابنَ عبّاسٍ عن هاتَيْنِ الآيتَيْنِ، ما أمرُهما: ﴿ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بِالحَقِّ﴾[[قال ابن حجر في «فتح الباري» (٧/١٦٨): «كذا وقَعَ في الروايةِ، والذي في التلاوةِ: ﴿ولا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بِالحَقِّ﴾ [٦٨] هكذا في سورةِ الفرقانِ، وهي التي ذُكِرَتْ في بقيةِ الحديثِ، فتعيَّنَ أنّها المرادُ في أوَّلِه».]] [الأنعام: ١٥١]، ﴿ومَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾ ؟ فسألتُ ابنَ عبّاسٍ، فقال: لمّا أُنزلَتِ التي في الفُرْقانِ، قال مُشرِكو أهلِ مكَّةَ: فقَدْ قَتَلْنا النفسَ التي حرَّمَ اللهُ، ودعَوْنا مع اللهِ إلهًا آخَرَ، وقد أتَيْنا الفواحشَ! فأنزَلَ اللهُ: ﴿إلاَّ مَن تابَ وآمَنَ﴾ [الفرقان: ٧٠]، فهذه لأولئكَ، وأمّا التي في النساءِ: الرَّجُلُ إذا عرَفَ الإسلامَ وشرائعَهُ، ثمَّ قتَلَ، فجزاؤُهُ جهنَّمُ، فذكَرتُهُ لمجاهدٍ، فقال: إلاَّ مَن نَدِمَ»[[أخرجه البخاري (٣٨٥٥) (٥/٤٥)، ومسلم (٣٠٢٣) (٤/٢٣١٨).]].
ومِن العلماءِ: مَن يستدِلُّ على قَبولِ توبةِ القاتلِ بِما ثبَتَ في «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ أبي سعيدٍ، في الرَّجُلِ مِن بني إسرائيلَ الذي قتَلَ تسعةً وتِسعينَ نَفسًا، ثمَّ أتَمَّ المِئةَ بِراهبٍ، قالَ: ليس لك مِن توبةٍ، حتّى سألَ عن أعْلَمِ أهلِ الأرضِ، فدُلَّ على رجلٍ عالمٍ، فقال: إنّه قتَلَ مِئَةَ نَفْسٍ، فهل له مِن تَوْبةٍ؟ فقال: نعَمْ، ومَن يَحُولُ بينَه وبينَ التوبةِ؟! الحديثَ[[أخرجه البخاري (٣٤٧٠) (٤/١٧٤)، ومسلم (٢٧٦٦) (٤/٢١١٨).]].
وهذا وإنْ كان في بني إسرائيلَ إلاَّ أنّ القاعدةَ: أنّ الأمَّةَ أوسَعُ الأممِ رَحْمةً، فهي داخلةٌ في ذلكَ مِن بابِ أوْلى.
والأظهَرُ: أنّ ما جاءَ عنِ ابنِ عبّاسٍ محمولٌ على حقِّ الآدميِّ الذي يكونُ فيه القِصاصُ في الآخِرةِ بالحسَناتِ والسيِّئاتِ، وما كان مِن أدلَّةِ توبةِ القاتلِ ـ كحديثِ الإسرائيليِّ ـ محمولٌ على حقِّ اللهِ الذي يُسقِطُهُ اللهُ بالتوبةِ في الدُّنيا، وأمّا حقُّ الآدميِّ فبِعَفْوِه، ولكنَّه لم يَعْفُ، لفوتِهِ بموتِه، ومَن عفا اللهُ عنه يَرْحَمُهُ اللهُ بإكرامِ المقتولِ بخيرٍ ممّا يَرجُوهُ مِن قاتلِهِ مِن عندِه، ويَرحَمُ القاتِلَ بتوبتِه.
ولكنْ لمّا كان القتلُ عظيمًا، فلِعظمَتِه يَستوجِبُ توبةً تُناسِبُ عظمَتَهُ، مِن الإنابةِ والندمِ، والطاعةِ والخشيةِ، لا تُدرِكُها النفوسُ الضعيفةُ التي تتَواكَلُ على قليلِ الطاعةِ أنْ يَمحُوَ كبيرَ المعصيةِ، وإنْ تابَتْ، تابَتْ مِن غيرِ إقبالٍ ولا تعظيمٍ للذنبِ وعاقِبتِه.
وعندَ عدَمِ توبةِ القاتلِ، أو عدمِ قَبُولِها، يكونُ حقًّا للمقتولِ على القاتلِ أن يَأخُذَ مِن حسناتِهِ بقَدْرِ مَظْلِمَتِه، فإن كان عملُهُ قليلًا فيأخُذُهُ كلَّه إلاَّ التوحيدَ، لأنّه لا يَأخُذُ التوحيدَ ويُزيلُهُ إلاَّ الكفرُ، وتَبقى سيِّئاتُه، فإنْ عفا اللهُ عنه فبِها، وإلاَّ دخلَ النارَ.
ما ورَدَ في كفرِ القاتِلِ:
وأمّا ما رُوِيَ في كفرِ القاتلِ، وحَمْلُ بعضِهم عدَمَ قَبولِ توبةِ القاتلِ بسببِ كُفْرِه، فذلكَ لا يصحُّ، وقد روى فيه ابنُ عَديٍّ حديثًا مِن حديثِ زيدِ بنِ جَبِيرَةَ، عن داودَ، عن نافعٍ، عنِ ابنِ عمرَ، مرفوعًا: (مَن قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتعَمِّدًا، فَقَدْ كَفَرَ بِاللهِ) [[«الكامل في ضعفاء الرجال» لابن عدي (ط. زكار) (٣/٢٠٣).]]، وهو منكَرٌ جِدًّا، وزيدٌ منكَرُ الحديثِ.
ولا يَلزَمُ مِن قولِ ابنِ عبّاسٍ بعدمِ قَبولِ توبتِهِ أنّه عنده كافرٌ، ولم يقُلْ بهذا أحدٌ مِن أهلِ السُّنَّةِ إلاَّ مَن استحَلَّ الحرامَ، وحالُ القتلِ في رأيِ ابنِ عبّاسٍ كحالِ الذنوبِ التي يتَقاضاها الناسُ بينَهم يومَ القيامةِ قِصاصًا بالحسَناتِ والسيِّئاتِ، ممّا لم يتَسامَحُوا فيها في الدُّنْيا ويَعْفُوا أو يَستَوْفُوا.
والخلودُ في لغةِ العَرَبِ: هو طولُ البقاءِ والمُكْثِ، وليس المرادُ منه البقاءَ بلا نهايةٍ، وتُسمِّي العربُ الولدَ خالِدًا، والذِّكْرَ مخلَّدًا، لطولِ بقائِه، لا دَوامِهِ إلى ما لا نهايةَ له، فالقتلُ ولو استوفى المقتولُ به حسناتِ القاتلِ، فإنّه لا يَستوفي مِن توحيدِه، فلا يُزِيلُ التوحيدَ إلاَّ الكفرُ والشِّركُ، والقتلُ ليسَ بكُفْرٍ، وقد ثبَتَ في «الصحيحينِ»: «أنّه يَخرُجُ مِن النارِ مَن كان في قلبِه مِثقالُ حَبَّةٍ مِن إيمانٍ»[[أخرجه البخاري (٤٤) (١/١٧)، ومسلم (١٩٣) (١/١٨٢).]].
{"ayah":"وَمَن یَقۡتُلۡ مُؤۡمِنࣰا مُّتَعَمِّدࣰا فَجَزَاۤؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَـٰلِدࣰا فِیهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق