الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿وإذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنها أوْ رُدُّوها إنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴾ [النساء: ٨٦].
قولُه: ﴿وإذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ﴾: التحيَّةُ مشتقَّةٌ مِن الحياةِ، وفي هذا مِن المعنى: أنّ الحياةَ لا تَكتمِلُ إلا ببَذْلِ أسبابِ الأمانِ والمَوَدَّةِ، فإنّ الخوفَ يُضْعِفُها، وربَّما يُزِيلُها بالقتلِ.
التوسعةُ في معنى التحيَّةِ:
وفي قولِهِ تعالى: ﴿حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ﴾ إشارةٌ إلى التَّوْسِعةِ في أمرِ التحيَّةِ، في صِفَتِها وألفاظِها، على ما يتعارَفُ عليه الناسُ، بحسَبِ لُغاتِهِمْ وبُلْدانِهم، فالآيةُ أصلٌ في جوازِ صِيَغِ التحيَّةِ، ولو كانتِ التحيَّةُ هي لفْظَ السلامِ فقط، لَذَكَرَها، ولكنَّ المرادَ بالتحيَّةِ بَذْلُ السلامِ وما في حُكْمِهِ مِن الألفاظِ، كالتحيَّةِ بمَرْحَبًا وأهلًا، وكذلك ما في حُكْمِهِ مِن الأفعالِ، كالإشارةِ باليدِ، والتلويحِ بالثوبِ والرايةِ، وغيرِ ذلك ممّا يُشعِرُ بالسلامِ والأمانِ والإيناسِ.
أفضلُ أنواعِ التحيَّةِ:
وأفضَلُ التحيَّةِ: السلامُ، لأنّها تحيَّةُ أهلِ الجنةِ، كما في قولِه تعالى في سورةِ يُونُسَ وإبراهيمَ: ﴿وتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ﴾ [يونس: ١٠]، ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ ﴾ [إبراهيم: ٢٣]، وفي الأحزابِ قال: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ﴾ [الأحزاب: ٤٤].
روى سعيدٌ، عن قتادةَ، قال: «تَحِيَّةُ أهْلِ الجَنَّةِ السَّلامُ»[[«تفسير الطبري» (١٩/١٢٥)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٩/٣١٣٩).]].
وهي التحيَّةُ الأُولى بينَ الملائكةِ وآدمَ وبَنِيهِ وبينَ بني آدمَ بعضِهم مع بعضٍ، لِما في «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ أبي هُرَيْرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (خَلَقَ اللهُ عزّ وجل آدَمَ عَلى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِراعًا، فَلَمّا خَلَقَهُ، قالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلى أُولَئِكَ النَّفَرِ، وهُمْ نَفَرٌ مِنَ المَلائِكَةِ جُلُوسٌ، فاسْتَمِعْ ما يُجِيبُونَكَ، فَإنَّها تَحِيَّتُكَ وتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، قالَ: فَذَهَبَ، فَقالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَقالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ ورَحْمَةُ اللهِ، قالَ: فَزادُوهُ: ورَحْمَةُ اللهِ)[[أخرجه البخاري (٦٢٢٧) (٨/٥٠)، ومسلم (٢٨٤١) (٤/٢١٨٣).]].
وهي التحيَّةُ في الآخِرةِ وفي الجنَّةِ، كما سبَقَ، وكما في قولِهِ تعالى في سورةِ الفُرْقانِ: ﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا ويُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وسَلامًا ﴾ [٧٥]، وهي تحيَّةُ الملائكةِ لبَنِي آدمَ في الدُّنيا، كما في «الصحيحِ»، عن عائشةَ رضي الله عنها، قالتْ: قال رسولُ اللهِ ﷺ يومًا: (يا عائِشُ، هَذا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلامَ)، فَقُلْتُ: وعَلَيْهِ السَّلامُ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ، تَرى ما لا أرى[[أخرجه البخاري (٣٧٦٨) (٥/٢٩).]].
والتحيَّةُ مِن الملائكةِ هي للمؤمنينَ مِن بَني آدمَ لا لغيرِهم، كما هو في ظاهِرِ الآياتِ في الدُّنيا، وعندَ قبضِ أرواحِهم، كما في قولِه تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ﴾ [النحل: ٣٢].
وقد روى ابنُ أبي شيبةَ والحاكِمُ، مِن حديثِ محمَّدِ بنِ مالكٍ، عن البَراءِ بنِ عازِبٍ: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ﴾ [الأحزاب: ٤٤]، قالَ: «يَوْمَ يَلْقَوْنَ مَلَكَ المَوْتِ لَيْسَ مِن مُؤْمِنٍ يَقْبِضُ رُوحَهُ إلاَّ سَلَّمَ عَلَيْهِ»[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٣٤٧٦٧) (٧/١٣٤)، والحاكم في «المستدرك» (٢/٣٥١).]].
وبها يُحَيَّوْنَ عندَ دخولِ الجنةِ، كما في قولِهِ تعالى: ﴿وقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادْخُلُوها خالِدِينَ ﴾ [الزمر: ٧٣]، وهي كذلك تحيَّتُهم فيما بينَهُمْ في الجنةِ، كما في قولِهِ تعالى: ﴿خالِدِينَ فِيها بِإذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ ﴾ [إبراهيم: ٢٣].
وحُكِيَ عن مالكٍ حَمْلُ الآيةِ في البابِ: ﴿وإذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنها﴾ على كلِّ ما يُتبادَلُ مِن اثنَيْنِ مِن دعاءٍ وذِكْرٍ، ومنه تَشْمِيتُ العاطِسِ، وردُّ المُشَمِّتِ عليه.
ونُسِبَ إليه إدخالُ الهديَّةِ في معنى التحيَّةِ وحُكْمِها، ولعلَّ العِلَّةَ في ذلك: ما في الهديَّةِ مِن معنى المحبَّةِ، وبها يتحقَّقُ الأمانُ والإيناسُ، وهذا المعنى موجودٌ في التحيَّةِ القوليَّةِ.
وقد ذهَبَ ابنُ عُيَيْنَةَ: إلى أوسَعَ ممّا ذهَبَ إليه مالكٌ، فجعَلَ التحيَّةَ كلَّ معروفٍ يُبذَلُ ورَدَّهُ بالشكرِ عليه قولًا وعملًا.
والظاهرُ: أنّ الهديَّةَ وتشميتَ العاطسِ يَدْخُلانِ في العلةِ، وهي الأمانُ والإيناسُ، لا في حُكْمِ التحيَّةِ وفضلِها، فإنّ التحيَّةَ إذا أُطلِقتْ يُرادُ بها السلامُ وما في حُكْمِهِ مِن الألفاظِ والإشارةِ، وذلك لقولِهِ تعالى في سورةِ النورِ: ﴿فَإذا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلى أنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِن عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً﴾ [٦١].
التحيَّةُ بغيرِ السلامِ:
ومَن بذَلَ التحيَّةَ بغيرِ السلامِ، جاز وقد ترَكَ الأفضلَ، فأفضَلُ التحيَّةِ السلامُ، وتصحُّ تحيَّةُ الأعجميِّ المُسلِمِ بلُغَتِهِ التي يَفهَمُها إذا لم يَعرِفْ معنى السلامِ.
وهذه الآيةُ: ﴿وإذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنها أوْ رُدُّوها﴾ ظاهرةٌ في حكايةِ البَداءَةِ بالتحيَّةِ وآمِرَةٌ بالردِّ عليها، وهي مُشعِرةٌ بأنّ الردَّ آكَدُ مِن البَداءَةِ، ولا خلافَ أنّ ردَّ السلامِ آكَدُ مِن بَذْلِه.
حُكْم ردِّ التَّحيَّةِ:
وردُّ السلامِ واجبٌ بلا خلافٍ، إلاَّ مَن هُجِرَ بموجِبٍ شرعيٍّ، فيجوزُ عدمُ ردِّ السلامِ عليه إذا سَلَّمَ، ووجوبُ ردِّ السلامِ ظاهرٌ في الآيةِ مِن قولِه تعالى: ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنها أوْ رُدُّوها﴾.
حكمُ بذلِ التحيَّةِ:
واختُلِفَ في بَذْلِ التحيَّةِ ـ ومنها السلامُ ـ ابتداءً، على قولَيْنِ:
ـ قيل بالوجوبِ.
ـ وقيل بالسُّنِّيَّةِ، وحكى ابنُ عبدِ البَرِّ الإجماعَ عليه.
والأظهَرُ: التفصيلُ والتفريقُ بينَ:
ـ المَجالِسِ التي اعتاد الإنسانُ دخولَها وغِشْيانَها ورؤيةَ أهلِها كلَّ يومٍ.
ـ وبينَ المَجالِسِ التي لا يَغْشاها إلاَّ لِمامًا أو نادرًا، أو لم يَدخُلْها إلا مرةً، ففي الأخيرةِ يجبُ، وكلَّما اعتاد الإنسانُ دخولَ مكانٍ، خَفَّ الأمرُ عليه، لأنّ عِلةَ السلامِ الأمانُ والإيناسُ وبذلُ المودَّةِ، ولا تُوجَدُ في المجالسِ والدُّورِ التي لا يَغْشاها الإنسانُ إلا نادرًا أو لم يَدخُلْها مِن قبلُ، حتى قال بعضُ السلفِ بوجوبِ التحيَّةِ حتى في دُخُولِ الرجُلِ بيتَهُ، لقولِهِ تعالى: ﴿فَإذا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلى أنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِن عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً﴾ [النور: ٦١]، سواءٌ كان الدخولُ في بيوتِ الأهلِ أو بيوتِ الأرحامِ أو الأَبْعَدِينَ أو الأسواقِ.
وذهَبَ إلى الوجوبِ بعضُ السلفِ، وقد روى أبو الزُّبَيْرِ، قال: سمعتُ جابرَ بنَ عبدِ اللهِ يقولُ: إذا دخَلْتَ على أهلِكَ، فسَلِّمْ عليهم: ﴿تَحِيَّةً مِن عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً﴾ [النور: ٦١]، قال: ما رأيتُه إلا يُوجِبُه، أخرَجَهُ ابنُ جريرٍ وغيرُه[[«تفسير الطبري» (١٧/٣٧٨)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٨/٢٦٥٠).]].
ونَفى عطاءٌ القولَ بالوجوبِ عن أحدٍ ممَّن سبَق، فقد روى ابنُ جُرَيْجٍ، قال: قلتُ لعطاءٍ: إذا خرَجْتُ، أواجبٌ السلامُ، هل أُسَلِّمُ عليهم؟ فإنّما قال: ﴿فَإذا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا﴾ [النور: ٦١] ؟ قال: ما أعلَمُهُ واجبًا، ولا آثِرُ عن أحدٍ وجوبَهُ، ولكنْ أحَبُّ إليَّ وما أدَعُهُ إلاَّ ناسيًا[[«تفسير الطبري» (١٧/٣٧٩).]].
ولعلَّ عطاءَ بنَ أبي رَباحٍ نَفى العِلْمَ بوجوبِ بَذْلِ السلامِ عندَ دخولِ البيوتِ التي سبَقَ إليها الإيناسُ باعتيادِ الإنسانِ دخولَها والخروجَ منها، للصلواتِ الخمسِ، وللسُّوقِ، ولإجابةِ طارقِ البابِ، وقضاءِ حاجةِ المحتاجِ، وبذلِ السلامِ عندَ الدخولِ للبيتِ ولو لم يكنْ فيه أحدٌ: أنّه لا يُوجِبُهُ أحدٌ.
ويُؤيِّدُ هذا: روايةُ ابنِ جُرَيْجٍ الأُخرى، قال: قلتُ لعطاءٍ: فإنْ لم يكنْ في البيتِ أحدٌ؟ قال: سلِّمْ، قلِ: السلامُ على النبيِّ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، السلامُ علينا وعلى عِبادِ اللهِ الصالحِين، السلامُ على أهلِ البيتِ ورحمةُ اللهِ، قلتُ له: قولُكَ هذا إذا دخَلْتَ بيتًا ليس فيه أحدٌ، عمَّن تَأْثِرُه؟ قال: سمعتُهُ ولم يُؤثَرْ لي عن أحدٍ[[«تفسير الطبري» (١٧/٣٧٩).]].
فابنُ جُرَيْجٍ وعطاءٌ يَعْنِيانِ بعدمِ وجوبِ السلامِ: السلامَ الخاصَّ بالبيوتِ التي اعتاد الإنسانُ دخولَها لسبقِ الإيناسِ بينَه وبينَ أهلِها، ومِثلُ هذه الحالِ: الصحيحُ أنّ السلامَ لا يجبُ بذلُهُ، وثَمَّةَ فرقٌ بينَ الدُّورِ والمجالسِ التي اعتاد الإنسانُ غِشْيانَها بكثرةٍ، كبَيْتِهِ ومسجدِه، فالأمرُ ببذلِ السلامِ فيها أخَفُّ وأيسَرُ مِن المجالسِ التي لا يدخُلُها الإنسانُ إلاَّ لمامًا أو لم يدخُلْها مِن قبلُ، فالتحيَّةُ لا بدَّ منها بأيِّ لفظٍ وصيغةٍ، وذلك لأنّ التحيَّةَ إنّما شُرِعَتْ لأجلِ الإيناسِ، وهو يُوجَدُ في بيتِ الرجلِ ولا يُوجدُ في الأبعَدِينَ، وحُكْمُ بذلِ التحيَّةِ مقترِنٌ مع وجودِ الإيناسِ وعدمِه.
وحَمَلَ بعضُهم الردَّ بأحسَنَ منها في قولِهِ تعالى: ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنها أوْ رُدُّوها﴾ على المؤمنينَ خاصَّةً، رواهُ سعيدٌ عن قتادةَ، وقال به عطاءٌ والحسنُ[[«تفسير الطبري» (٧/٢٧٥)، و«تفسير ابن المنذر» (٢/٨١٧)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/١٠٢١).]].
ورُوِيَ عن ابنِ عبّاسٍ عمومُ الردِّ في الكافرِ والمُسلِمِ، فقد روى عنه عِكرمةُ، قال: مَن سلَّمَ عليك مِن خَلْقِ اللهِ، فرُدَّ عليه وإن كان مجوسيًّا[[«تفسير الطبري» (٧/٢٧٥)، و«تفسير ابن المنذر» (٢/٨١٥)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/١٠٢١).]].
ابتداءُ الكافِرِ بالتحيَّةِ والسلامِ:
ويجوزُ ابتداءُ الكافرِ بالتحيَّةِ بغيرِ السلامِ مُطْلَقًا، كمَرْحَبًا وأهلًا ونحوِ ذلك، والردُّ عليه بمِثْلِها بالعربيَّةِ أو بما يفهمُهُ مِن لُغَتِه.
وأمّا تحيةُ الكافرِ بالسلامِ ابتداءً، فلا تجوزُ، لأنّها تحيةُ أهلِ الإسلامِ، وللنهيِ الواردِ في ذلك، كما صحَّ مِن حديثِ أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (لا تَبْدَؤُوا اليَهُودَ ولا النَّصارى بِالسَّلامِ، فَإذا لَقِيتُمْ أحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ، فاضْطَرُّوهُ إلى أضْيَقِهِ)، رواهُ مسلمٌ[[أخرجه مسلم (٢١٦٧) (٤/١٧٠٧).]].
وهو عامٌّ في كلِّ كافرٍ كتابيًّا وغيرَ كتابيٍّ، وقد جاء في روايةٍ لحديثِ أبي هريرةَ: (إذا لَقِيتُمُ المُشْرِكِينَ فِي طَرِيقٍ، فَلا تَبْدَؤُوهُمْ بِالسَّلامِ) [[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٩٨٣٧) (٦/١٠)، وأحمد (٩٧٢٦) (٢/٤٤٤)، والبخاري في «الأدب المفرد» (١١١١)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٩/٢٠٣).]]، وأمّا ما جاء في سورةِ مريمَ مِن قولِ إبراهيمَ لأبيهِ: ﴿سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا ﴾ [مريم: ٤٧]، فالحديثُ أصرَحُ في النهيِ، والآيةُ عامَّةٌ تَحتملُ الدعاءَ والخَبَرَ، لأنّها في المُفارَقةِ بينَهما، لا في اللقاءِ، وقد لا تُحمَلُ على معنى التحيَّةِ، وإنّما على معنى الدعاءِ الذي نُهِيَ عنه إبراهيمُ بعدَ ذلك، أو على المفارَقَةِ على مُسالَمةٍ، لا مُقاتَلةٍ وحربٍ، وهذا شبيهٌ بقولِ اللهِ لنبيِّه ﷺ: ﴿فاصْفَحْ عَنْهُمْ وقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزخرف: ٨٩]، فهذه موادَعةٌ ومسالَمةٌ، لا تحيَّةٌ، وكلُّ الأحاديثِ الآمِرةِ ببذلِ السلامِ عامَّةٌ، والعمومُ لا يَقضي على الخصوصِ، بل الخصوصُ يُخصِّصُهُ ويُقيِّدُه.
وقد كان عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ يَنْهى عن بَداءةِ أهلِ الذِّمَّةِ بالسلامِ، ولكنْ يَرُدُّ عليهم[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢٥٧٥٠) (٥/٢٤٩).]].
وقد كان أبو أُمامةَ يُسلِّمُ على أهلِ الكتابِ، ويجعلُها أمانًا لا تحيةً، فقد كان يُسلِّمُ عليهم، ويقولُ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: (إنَّ اللهَ جَعَلَ السَّلامَ تَحِيَّةً لِأُمَّتِنا، وأَمانًا لأَهْلِ ذِمَّتِنا)[[أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (٧٥١٨) (٨/١٠٩).]].
وصحَّ عن ابنِ مسعودٍ مِن روايةِ عَلْقمةَ: أنّه كان يُسلِّمُ على دَهاقِينَ صَحِبُوهُ، وسُئِلَ عن ذلك؟ فقال: «صَحِبُونِي، ولِلصُّحْبَةِ حَقٌّ»[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢٥٨٦٥) (٥/٢٥٩).]].
وحَمَلَ بعضُ الأئمَّةِ ـ كابنِ راهَوَيْهِ وابنِ تيميَّةَ ـ النهيَ في حديثِ أبي هريرةَ على يهودِ بَني قُرَيْظَةَ لمّا أراد حَرْبَهُمْ، منَعَ مِن بذلِ السلامِ لهم، حتى لا يَظُنُّوهُ أمانًا.
ولم أرَ في الخَبَرِ ولا في الأثرِ عن الصحابةِ ما يُؤيِّدُ هذا، وقد أسلَمَ أبو هريرةَ راوي الحديثِ بعدَ حربِ النبيِّ ﷺ لبني قُريظةَ، وظاهرُ روايتِهِ ـ وهو أعلَمُ بقيدِه ـ العمومُ، ولو كان في عِلْمِهِ أنّه خاصٌّ قَيَّدَهُ، وهكذا مَن رواهُ مِن العلماءِ في كُتُبِهم ـ كمُسْلِمٍ ـ لا يَذكُرُونَهُ في أبوابِ الحربِ والأمانِ، وإنّما في معاني تحيَّةِ الكافرِ، وأكثرُ السلفِ على هذا.
ولكنَّ ظاهِرَ النصوصِ وعملِ السلفِ عدمُ التشديدِ في هذه المسألةِ، ولو كان بذلُ السلامِ للكافرِ شديدًا، لَوَرَدَ النصُّ فيه كثرةً واتِّفاقًا كتحريمِ الاستغفارِ له، فإنّ البَلْوى تَعُمُّ بالتحيَّةِ أشَدَّ مِن الاستغفارِ، ونصوصُ النهيِ عن الاستغفارِ أقْوى وأكثَرُ مِن النهيِ عن بذلِ السلامِ، وإحكامُ الشريعةِ يَقتضي عدمَ التشديدِ، ولذا قال الأَوْزاعِيُّ: «إنْ سَلَّمْتَ، فقد سَلَّمَ الصالحون، وإنْ تركْتَ، فقد ترَكَ الصالحون»[[«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٩/٣٤)، و«تفسير القرطبي» (١٣/٤٦٠).]].
وظاهرُ النهيِ: أنّه على الكراهةِ، لأنّ التحيَّةَ مِن الآدابِ في العُرْفِ، وقد جاء تأييدُها وتأكيدُها في الشرعِ.
ومَن مَرَّ على مَجْلِسٍ فيه أخلاطٌ مِن المُسلِمِينَ والكافِرِينَ، سَلَّمَ عليهم، كما ثبَتَ ذلك عن النبيِّ ﷺ في «الصحيحِ»، مِن حديثِ أسامةَ بنِ زيدٍ[[أخرجه البخاري (٦٢٥٤) (٨/٥٦).]].
ردُّ السلامِ على الكافرِ:
ومَن سُلِّمَ عليه مِن كافرٍ، وفَهِمَ لَفْظَهُ أنّه أراد السلامَ الشرعيَّ، جاز له الردُّ عليه بقولِه: «وعليكم السلامُ»، مِن غيرِ زيادةِ الرحمةِ والبَرَكةِ، لأنّ الرحمةَ والبَرَكةَ لا تَنْزِلُ إلاَّ على مؤمِنٍ، وأمّا السلامُ وهو الأمانُ، فيكونُ لغيرِ المؤمِنِ، ولذا فإنّ النبيَّ لم يكنْ يَدْعُو لليهودِ بالرحمةِ لمّا كانوا يَتعاطَسُونَ عندَهُ، بل كان يقولُ: (يَهْدِيكُمُ اللهُ، ويُصْلِحُ بالَكُمْ) [[أخرجه أحمد (١٩٥٨٦) (٤/٤٠٠)، وأبو داود (٥٠٣٨) (٤/٣٠٨)، والترمذي (٢٧٣٩) (٥/٨٢).]]، وقد قال ابنُ عمرَ وعُقْبةُ بنُ عامرٍ: «إنَّ رَحْمَةَ اللهِ وبَرَكاتِهِ عَلى المُؤْمِنِينَ»، وقد كانا لا يُسلِّمانِ على غيرِ المُسْلِمِ تسليمًا تامًّا، ولمّا قالا السلامَ مرةً تامًّا على نصرانيٍّ يَظُنّانِهِ مُسلِمًا، رجَعا وقالا ذلك[[أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٩/٢٠٣).]].
وأمّا ما جاء في «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ أنسٍ، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (إذا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أهْلُ الكِتابِ، فَقُولُوا: وعَلَيْكُمْ) [[أخرجه البخاري (٦٢٥٨) (٨/٥٧)، ومسلم (٢١٦٣) (٤/١٧٠٥).]]، فإنّما جاء بعدَ سلامِ اليهوديِّ عليه بقولِهِ: «السّامُ عليكم»، فيكونُ عندَ سماعِهِ لِلَفْظِ السّامِ، أو عندَ عدمِ إدراكِه للَّفْظِ، كإدغامِ الكافِرِ لِلَّفْظِ ونحوِ ذلك، ويظهَرُ أنّ هذا الحديثَ ليس على إطلاقِهِ في كلِّ سلامٍ مِن الكافرِ أنْ يَرُدَّ عليه بعليكم فقطْ، وإنّما عندَ قولِهم: «السّامُ»، وذلك لِما في «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ ابنِ عمرَ مرفوعًا: (إذا سَلَّمَ عَلَيْكُمُ اليَهُودُ، فَإنَّما يَقُولُ أحَدُهُمُ: السّامُ عَلَيْكَ، فَقُلْ: وعَلَيْكَ)[[أخرجه البخاري (٦٢٥٧) (٨/٥٧)، ومسلم (٢١٦٤) (٤/١٧٠٦).]]، ولو حُمِلَ الحديثُ على ظاهِرِهِ، لكان خاصًّا باليهودِ دونَ النَّصارى، ولكنَّه عامٌّ في كلِّ كافرٍ، وخاصٌّ فيمَن قال: «السّامُ» وشِبْهَها مِن تلبيسِ التحيَّةِ بلفظِ سَوْءٍ.
حكمُ ردِّ التحيَّةِ على الكافِرِ:
وقال عامَّةُ الفقهاءِ: بِرَدِّ التحيَّةِ على الكافِرِ، وأوجَبَهُ الجمهورُ ونصَّ بعضُهم كمالكٍ: على عدمِ الوجوبِ، ولا يأثَمُ تاركُها.
ولا يدخُلُ الكافرُ في وجوبِ التحيَّةِ بمِثلِ التحيَّةِ أو أحسَنَ منها، فهذا خاصٌّ بأهلِ الإيمانِ، كما قاله عطاءٌ وقتادةُ والحسنُ[[«تفسير الطبري» (٧/٢٧٥)، و«تفسير ابن المنذر» (٢/٨١٧)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/١٠٢١).]].
وحَمَلَ بعضُ السلفِ كقتادةَ قولَهُ تعالى: ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنها﴾ على المُسلِمِينَ، وقولَهُ: ﴿أوْ رُدُّوها﴾، يعني: على أهلِ الكتابِ[[المرجع السابق.]].
يُجزِئُ سلامُ البعضِ عن الكلِّ:
وإذا دخَلَ جماعةٌ إلى مكانٍ يُجزِئُ سلامُ بعضِهم، لأنّهم أخَذُوا حُكْمًا واحدًا، فيَسْقُطُ التكليفُ بسلامِ رؤوسِهم أو أولِهم، لأنّ الجماعةَ تَبَعٌ لأميرِهم أو رأسِهم أو أولِهم، ولأنّ المقصودَ مِن السلامِ الأمانُ والإيناسُ، ويتحقَّقُ ببعضِهم، ولأنّهم لو سلَّمُوا جميعًا لم يَحصُلِ المقصودُ الذي يُعلِّلُ به مَن يقولُ بوجوبِ التحيَّةِ على كلِّ واحدٍ منهم، وهو الإشعارُ بالأمانِ والمودَّةِ والإيناسِ، فلو دخَلَ عشَرةٌ مجلسًا في وقتٍ واحدٍ، وسلَّمُوا كلُّهم، لم يَعرِفْ أهلُ المجلسِ مَن سلَّمَ منهم ممَّن لم يُسلِّمْ لِتداخُلِ أصواتِهم بعضِها ببعضٍ.
ولا خلافَ أنّه يُستحَبُّ لكلِّ فردٍ مِن الجماعةِ الداخِلِينَ أنْ يُسَلِّمَ عندَ دخولِه ولو سَلَّمَ غيرُه.
يُجْزِئُ ردُّ التحيَّةِ من البعضِ عن الكلِّ:
وردُّ التحيَّةِ واجبٌ بلا خلافٍ كما تقدَّمَ، وإنْ كانوا جماعةً، أسقَطَ البعضُ المُشعِرُ بالأمانِ والإيناسِ الوجوبَ عن الباقِينَ، فلو كانوا جماعةً وسَلَّمَ عليهم جماعةً فردٌ واحدٌ مِن الجماعةِ فقطْ، لم يكنْ مُشعِرًا بالأمانِ ولا الإيناسِ، بل يُشعِرُ بالوَحْشةِ والنفورِ، إلاَّ إنْ كان له سُلْطانٌ على المكانِ كصاحِبِ الدارِ أو أميرِ القومِ، وفي غيرِ ذلك يأثَمُ مَن لم يُسلِّمْ، ولكنْ لو رَدَّ منهم مَن يَظهَرُ به النيابةُ عن الجماعةِ، أجزَأَ، وبذلُ التحيةِ مِن الواحدِ مِن الجماعةِ الداخِلينَ أيسَرُ مِن ردِّ الواحدِ مِن الجماعةِ المدخولِ عليهم، لأنّ العادةَ أنّ أهلَ المجلِسِ الواحدِ أمرُهُمْ واحدٌ، وقد ينوبُ عنهم قلةٌ منهم، بخلافِ الداخِلِينَ، فليس مِن العادةِ أنّ أمْرَهم واحدٌ، فربَّما توافَقُوا في الدخولِ ولا يَعرِفُ بعضُهم بعضًا، إلاَّ وفودَ القبائلِ والتجارةِ والعملِ ونحوَ ذلك.
وذهَبَ بعضُ الفُقهاءِ: إلى أنّ ردَّ التحيَّةِ واجبٌ على الأعيانِ، وهو قولُ أبي يوسُفَ صاحِبِ أبي حنيفةَ.
والجمهورُ على خلافِ قولِه وظاهرُ حالِ السلفِ وما جَرَتْ عليه عادةُ الناسِ.
والتفصيلُ في إسقاطِ الإثمِ عن الجماعةِ بِرَدِّ بعضِهم للتحيَّةِ كالتفصيلِ في حُكْمِ ابتداءِ التحيَّةِ، لأنّه يَرجِعُ إلى تحقُّقِ المقصودِ مِن الأمانِ والإيناسِ.
وقد أخرَجَ أبو داودَ والبَزّارُ، مِن حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ مرفوعًا: (يُجْزِئُ عَنِ الجَماعَةِ إذا مَرُّوا أنْ يُسَلِّمَ أحَدُهُمْ، ويُجْزِئُ عَنِ الجُلُوسِ أنْ يَرُدَّ أحَدُهُمْ) [[أخرجه أبو داود (٥٢١٠) (٤/٣٥٣)، والبزار في «مسنده» (٥٣٤) (٢/١٦٧).]]، وقد تفرَّدَ به سعيدُ بنُ خالدٍ الخُزاعِيُّ، عن عبدِ اللهِ بنِ الفَضْلِ، عن عُبَيْدِ اللهِ بنِ أبي رافعٍ، عن عليٍّ، به.
وبتفرُّدِه أعَلَّهُ الدارقطنيُّ[[«علل الدارقطني» (٤/٢٢).]].
ضَعَّفَهُ أبو زُرْعَةَ وأبو حاتمٍ[[«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٤/١٦) (رقم ٦٣).]]، وقال البخاريُّ: «فيه نظرٌ»[[«التاريخ الكبير» للبخاري (٣/٤٦٩) (رقم ١٥٥٩).]].
وأَمْثَلُ شيءٍ في هذا: ما رواهُ مالكٌ في «الموطَّأِ»، عن زيدِ بنِ أسلَمَ، أنّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: (إذا سَلَّمَ مِنَ القَوْمِ واحِدٌ، أجْزَأَ عَنْهُمْ)[[أخرجه مالك في «الموطأ» (عبد الباقي) (١) (٢/٩٥٩).]].
وهو مُرسَلٌ صحيحٌ عن زيدٍ.
أوْلى الناسِ ببذلِ السلامِ:
والأحَقُّ ببذلِ السلامِ: الداخلُ بالنسبةِ للجالِسِينَ، والماشي بالنسبةِ للقاعدِ والقائمِ، وكذا الراكِضُ والراكِبُ بالنسبةِ للماشي وما دونَهُ، وإنِ اسْتَوَوُا، اشترَكُوا في الحقِّ، وأفضَلُهُمُ الذي يبدَأُ بالسلامِ، وفي «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ أبي هريرةَ، قال ﷺ: (يُسَلِّمُ الرّاكِبُ عَلى الماشِي، والماشِي عَلى القاعِدِ، والقَلِيلُ عَلى الكَثِيرِ)[[أخرجه البخاري (٦٢٣٢) (٨/٥٢)، ومسلم (٢١٦٠) (٤/١٧٠٣).]].
السلامُ على المرأةِ:
ويُسلِّمُ على النِّساءِ والمرأةِ الواحدةِ عندَ انتِفاءِ التُّهَمَةِ والشُّبْهةِ والفِتْنةِ، وكَرِهَ بعضُ الفُقَهاءِ السلامَ على الشابَّةِ، وهذا قولٌ لبعضِ السلفِ، كقتادةَ وعطاءٍ ومالكٍ، ومذهبُ الشافعيِّ.
ويُستثنى مِن ذلك المَحارِمُ في بذلِ التحيَّةِ وردِّها، فهي باقيةٌ على الأصلِ، وغيرُ المَحارِمِ يتعلَّقُ الحُكْمُ فيهم بأمنِ الفتنةِ شابَّةً أو غيرَ شابَّةٍ، بحسَبِ الحالِ والزمانِ والمكانِ.
ويُسقِطُ وجوبَ ردِّ كلِّ تحيَّةٍ التحيَّةُ بالسلامِ، لأنّه أفضَلُ مِن كلِّ تحيَّةٍ على ما تقدَّمَ، وما دونَ السلامِ كالترحيبِ ونحوِهِ لا يُسقِطُ التكليفَ بِرَدِّ السلامِ، ويُجزِئُ منه قولُ: «وعليكم السلامُ»، وذلك لقولِه تعالى: ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنها أوْ رُدُّوها﴾، ويُجزِئُ ردُّ السلامِ بقولِهِ: «وعليك ورحمةُ اللهِ»، وبهذا رَدَّ النبيُّ على أبي ذَرٍّ، كما في «صحيحِ مسلمٍ»[[أخرجه مسلم (٢٤٧٣) (٤/١٩١٩).]].
وحَمَلَ بعضُ السلفِ قولَهُ تعالى: ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنها أوْ رُدُّوها﴾ على ردِّ كلِّ معروفٍ قوليٍّ أو عمليٍّ، وجعَلَهُ في حُكْمِ المكافأةِ على المعروفِ، كما في حديثِ ابنِ عمرَ مرفوعًا: (مَن صَنَعَ إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا، فَكافِئُوهُ) [[سبق تخريجه.]]، وهذا التأويلُ قال به ابنُ عُيَيْنَةَ، كما رواهُ ابنُ أبي حاتمٍ: قال سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ في قولِه: ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنها أوْ رُدُّوها﴾: «تَرَوْنَ هذا في السلامِ وحدَهُ؟ هذا في كلِّ شيءٍ، مَن أحسَنَ إليك، فأحسِنْ إليه وكافِئْهُ، فإنْ لم تَجِدْ، فادعُ له وأَثْنِ عليه عندَ إخوانِه»[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/١٠٢١).]].
الحكمةُ مِن مشروعيَّةِ التحيَّة:
وقد شرَعَ اللهُ التحيَّةَ لجملةٍ مِن الحِكَمِ والغاياتِ، ومنها: الأمانُ والمودَّةُ والمحبةُ، ومنها: التواضعُ وكسرُ الكِبْرِ مِن النفوسِ، فيُسَلِّمُ الكبيرُ والغنيُّ والسُّلْطانُ الداخلُ على مَن دونَهم في حالِ استحقاقِهِ للسلامِ عليه، وفي الآيةِ بعدَها إشارةٌ إلى استواءِ الخَلْقِ عندَ اللهِ في الجَمْعِ الأكبرِ، فيجبُ أنْ يكُونوا في الحقوقِ كذلك، فقال بعدَ بيانِ حُكْمِ السلامِ: ﴿اللَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القِيامَةِ﴾ [النساء: ٨٧].
تنكيرُ السلامِ وتعريفُهُ:
وبَذْلُ السلامِ يصحُّ بالتنكيرِ: (سلامٌ عليكم)، وبالتعريفِ: (السلامُ عليكم)، وأمّا ردُّه، فلا يكونُ إلا بالتعريفِ: «وعليكم (السلامُ) ورحمةُ اللهِ وبركاتُه»، وكلُّ ذلك ـ التنكيرَ والتعريفَ ـ جاء في الوحيِ، واختُلِفَ في التفضيلِ بينَ تعريفِ السلامِ وتنكيرِه:
وظاهرُ مذهبِ الشافعيِّ وروايةٌ عن أحمدَ: التعريفُ.
ورُوِيَ عن أحمدَ: التخييرُ.
وفَرَّقَ بعضُ العلماءِ بينَ السلامِ على الحيِّ، والسلامِ على الميِّتِ، فيُعرَّفُ السلامُ ويُنكَّرُ على الحيِّ، وأمّا على الميِّتِ، فيُنكَّرُ، وهو قولٌ لأحمدَ.
وأكثَرُ الأحاديثِ في السُّنَّةِ على تعريفِ السلامِ للحيِّ، وجاء في بعضِها تنكيرُه، والتعريفُ أشهَرُ وأكثَرُ في قولِ النبيِّ ﷺ وكذلك أصحابُهُ، وكلُّ ذلك واردٌ في القرآنِ، ومنه قولُهُ تعالى في تسليمِ عيسى على نفسِهِ: ﴿والسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أمُوتُ ويَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: ٣٣]، وقولُه تعالى في تسليمِهِ على يحيى: ﴿وسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ ويَوْمَ يَمُوتُ ويَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: ١٥].
ويُستحَبُّ السلامُ عندَ المُفارَقةِ، وفي الحديثِ: (إذا انْتَهى أحَدُكُمْ إلى المَجْلِسِ، فَلْيُسَلِّمْ، فَإذا أرادَ أنْ يَقُومَ، فَلْيُسَلِّمْ، فَلَيْسَتِ الأُولى بِأَحَقَّ مِنَ الآْخِرَةِ)، أخرَجَهُ أحمدُ وأهلُ السُّنَنِ[[أخرجه أحمد (٧١٤٢) (٢/٢٣٠)، وأبو داود (٥٢٠٨) (٤/٣٥٣)، والترمذي (٢٧٠٦) (٥/٦٢)، والنسائي في «السنن الكبرى» (١٠١٢٩) (٩/١٤٤).]].
{"ayah":"وَإِذَا حُیِّیتُم بِتَحِیَّةࣲ فَحَیُّوا۟ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَاۤ أَوۡ رُدُّوهَاۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءٍ حَسِیبًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق