الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿وإنْ أرَدْتُّمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وآتَيْتُمْ إحْداهُنَّ قِنْطارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنهُ شَيْئًا أتَأْخُذُونَهُ بُهْتانًا وإثْمًا مُبِينًا ۝وكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وقَدْ أفْضى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ وأَخَذْنَ مِنكُمْ مِيثاقًا غَلِيظًا ۝﴾ [النساء: ٢٠ ـ ٢١]. الأصلُ في الطلاقِ: المشروعيَّةُ بالاتِّفاقِ، وفي الآيةِ: إشارةٌ إلى أنّ الأصلَ فيه الإباحةُ، وقد يخرُجُ عنها بحسَبِ عوارضِهِ وأحوالِهِ وآثارِه، وهذا على قولِ أكثَرِ العلماءِ، خلافًا لأبي حنيفةَ، فهو يرى أنّ الأصلَ فيه الحظرُ مع استقامةِ الحالِ، وقد يُباحُ ويُكرَهُ بل ويجبُ، وهذا القولُ الثاني روايةٌ عن أحمدَ. ثمَّ بيَّنَ اللهُ عِصْمةَ مالِ الزوجةِ ومهرِها، وأنّه لا يجوزُ أخْذُهُ لمجرَّدِ مُفارقتِها، لِيَنْكِحَ الرجلُ زوجةً أُخرى بمهرِها، وقولُه: ﴿وآتَيْتُمْ إحْداهُنَّ قِنْطارًا﴾، يعني: ولو كان مهرُها كثيرًا كقِنْطارِ الذهبِ، فلا يجوزُ أخذُ شيءٍ منه ولو قَلَّ، وبيَّنَ أنّ أخْذَهُ كبيرةٌ: ﴿أتَأْخُذُونَهُ بُهْتانًا وإثْمًا مُبِينًا ۝﴾، وقال: ﴿وكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ﴾، وهذانِ استفهامانِ استنكاريّانِ. وقولُه: ﴿وقَدْ أفْضى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ﴾، أيْ: تَبادَلْتُما الحقوقَ والنفعَ والإحسانَ بالعِشْرةِ والجِماعِ، كما قاله ابنُ عبّاسٍ[[«تفسير الطبري» (٦/٥٤٢)، و«تفسير ابن المنذر» (٢/٦١٦)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/٩٠٨).]]. وقولُه: ﴿وأَخَذْنَ مِنكُمْ مِيثاقًا غَلِيظًا ۝﴾، يعني: عقدَ النِّكاحِ والمهرَ معه باستحلالِ فَرْجِها به: ﴿وآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ [النساء: ٤]، فما تَملَّكْنَهُ لا يُؤخَذُ منهنَّ بغيرِ حقٍّ. حكمُ الخُلْعِ قبل الدخولِ: وقد أخَذَ بعضُ العلماءِ مِن مفهومِ خِطابِ الآيةِ: جوازَ المخالَعةِ قبلَ إفضاءِ الزوجَيْنِ بعضِهما إلى بعضٍ، وقبلَ الدخولِ، وبهذا قال الشافعيُّ. وذهَبَ مالكٌ وأبو حنيفةَ: إلى أنّ الخُلْعَ قبلَ الخَلْوَةِ بالزوجةِ جائزٌ، لمفهومِ الآيةِ، ولو لم تأتِ الزوجةُ بفاحشةٍ مبيِّنةٍ، لعدمِ الإفضاءِ بينَهما والمعاشرةِ التي قُيِّدَ تحريمُ أخذِ المالِ لأجلِه. والأظهَرُ: أنّ الآيةَ عامَّةٌ، والتعليلَ بالإفضاءِ للغالبِ مِن حالِ الزوجَيْنِ: أنّهما يتفارَقانِ بعدَ الدخُولِ لا قَبْلَه، وللتنفيرِ ممّا يُستقبَحُ أنْ يُؤخَذَ المهرُ بعدَ ما كان بينَهما مِن عِشْرةٍ وإفضاءٍ، فالنهيُ في الآيةِ عامٌّ، والتعليلُ للعمومِ لا للتقييدِ، وكذلك لعمومِ آيةِ البقرةِ: ﴿ولا يَحِلُّ لَكُمْ أنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلاَّ أنْ يَخافا ألّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب