الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿تُرْجِي مَن تَشاءُ مِنهُنَّ وتُؤْوِي إلَيْكَ مَن تَشاءُ ومَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَن عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أدْنى أنْ تَقَرَّ أعْيُنُهُنَّ ولا يَحْزَنَّ ويَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ واللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وكانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ۝﴾ [الأحزاب: ٥١]. في هذا: توسعةٌ لرسولِ اللهِ ﷺ في تعامُلِهِ مع نسائِه، وقد قال بعضُ السلفِ: إنّ اللهَ خَفَّفَ عليه في أمرِ التسويةِ في القَسْمِ، ورُوِيَ هذا عن قتادةَ ومجاهِدٍ والضحّاكِ[[«تفسير الطبري» (١٩ /١٣٩)، و«تفسير ابن كثير» (٦ /٤٤٦).]]، وقال جماعةٌ مِن الفقهاءِ: «إنّ القَسْمَ بينَ الزوجاتِ ليس واجبًا عليه». وقال جماعةٌ مِن السلفِ: إنّ المرادَ بذلك: هو أنّ لك أنْ تُبقِيَ مَن تشاءُ في عِصْمَتِكَ، وتطلِّقَ مَن تشاءُ، ورُوِيَ هذا عن ابنِ عبّاسٍ والحسنِ[[«تفسير الطبري» (١٩ /١٤٠).]]، وفي هذا أنّ اللهَ أباحَ له مِن النِّساءِ الزواجَ بلا عدَدٍ، وقد نصَّ على هذا المعنى الشافعيُّ في «الأمِّ»[[«الأم» (٥ /١٥١).]]. وبعضُهم حمَل الإرجاءَ في قولِه: ﴿تُرْجِي مَن تَشاءُ مِنهُنَّ﴾، يعني: مِن الواهباتِ أنفُسَهُنَّ لك، وقال بهذا الشعبيُّ[[«تفسير ابن أبي حاتم» (١٠ /٣١٤٥).]]. وحمَل بعضُ المفسِّرينَ الآيةَ على العمومِ في إرجاءِ الواهباتِ أو إمساكِهِنَّ، وفي أمرِ القَسْمِ بينَ الزوجاتِ أنّه بالخيارِ، واستُدِلَّ عليه بقولِه تعالى: ﴿ذَلِكَ أدْنى أنْ تَقَرَّ أعْيُنُهُنَّ ولا يَحْزَنَّ ويَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ﴾ [[«تفسير الطبري» (١٩ /١٤٣)، و«تفسير ابن كثير» (٦ /٤٤٦).]]، أي: أنّ أمَّهاتِ المؤمنينَ إنْ عَلِمْنَ أنّ اللهَ أذِنَ لكَ وليس بحقٍّ لهنَّ ذلك، فالأمرُ أهوَنُ في نفوسِهنَّ فلا يَحْزَنَّ ولا يَجِدْنَ حرَجًا، ولا يجدُ النبيُّ ﷺ حرَجًا مِن ذلك، فلا يُظَنُّ به مَيْلٌ لواحدةٍ دونَ أُخرى. ومع ذلك كان النبيُّ ﷺ يَعدِلُ بينَ نسائِه ويَستأذِنُهُنَّ تطييبًا لنفوسِهِنَّ، وقد روى البخاريُّ ومسلمٌ، عن عائشةَ: «أنّ رسولَ اللهِ ﷺ كانَ يَسْتَأْذِنُ فِي يَوْمِ المَرْأَةِ مِنّا، بَعْدَ أنْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿تُرْجِي مَن تَشاءُ مِنهُنَّ وتُؤْوِي إلَيْكَ مَن تَشاءُ ومَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَن عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ﴾، فَقُلْتُ لَها: ما كُنْتِ تَقُولِينَ؟ قالَتْ: كُنْتُ أقُولُ لَهُ: إنْ كانَ ذاكَ إلَيَّ، فَإنِّي لا أُرِيدُ ـ يا رَسُولَ اللهِ ـ أنْ أُوثِرَ عَلَيْكَ أحَدًا»[[أخرجه البخاري (٤٧٨٩)، ومسلم (١٤٧٦).]]. وكانتْ عائشةُ رضي الله عنها تقولُ: «كان رسولُ اللهِ ﷺ لا يُفَضِّلُ بَعْضَنا عَلى بَعْضٍ فِي القَسْمِ»[[أخرجه أبو داود (٢١٣٥).]]. وقد كان رسولُ اللهِ ﷺ يستأذِنُ أزواجَهُ في أنْ يمرَّضَ في بيتِ عائشةَ رضي الله عنها[[أخرجه البخاري (١٩٨)، ومسلم (٤١٨).]]. وفي وجوبِ عدلِ النبيِّ ﷺ عليه مع أزواجِه خلافٌ عندَ الفقهاءِ، ولكنَّهم لا يختلِفونَ في وجوبِ العدلِ في غيرِه مع أزواجِهم، وقد قال ابنُ قُدامةَ: «لا نَعْلَمُ بينَ أهلِ العِلمِ في وجوبِ التسويةِ بينَ الزوجاتِ في القَسْمِ خِلافًا، وقد قال اللهُ تعالى: ﴿وعاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ١٩]، وليس مع الميلِ معروفٌ، وقال اللهُ تعالى: ﴿فَلا تَمِيلُوا كُلَّ المَيْلِ فَتَذَرُوها كالمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: ١٢٩] [[«المغني» (١٠ /٢٣٥).]]، وقد تقدَّمَ الكلامُ على مسألةِ العدلِ في القَسْمِ بينَ الزَّوْجاتِ عندَ قولِهِ تعالى: ﴿ولَنْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ ولَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ المَيْلِ فَتَذَرُوها كالمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: ١٢٩].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب