الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كانَ يَرْجُو اللَّهَ واليَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: ٢١].
في هذه الآيةِ: حثٌّ على الاقتداءِ بالنبيِّ ﷺ، والتأسِّي بفعلِه، وذلك أنّ النبيَّ ﷺ معصومٌ في قولِه وفعلِه، ويُشرَعُ التأسِّي بهَدْيِ جميعِ الأنبياءِ، كما قال تعالى لنبيِّه ﷺ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: ٩٠]، وقال اللهُ عن إبراهيمَ: ﴿قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْراهِيمَ والَّذِينَ مَعَهُ إذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إنّا بُرَآءُ مِنكُمْ ومِمّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [الممتحنة: ٤]، وكلُّ ما استَثْنَتْهُ نبوَّةُ النبيِّ ﷺ مِن أفعالِ الأنبياءِ، فهو دليلٌ على نَسخِه، وأعظَمُ التأسِّي يكونُ بالاقتداءِ بفعلِ النبيِّ ﷺ.
أنواعُ أفعالِ النبيِّ ﷺ:
وأفعالُ النبيِّ ﷺ على أنواعٍ:
النوعُ الأولُ: أفعالُ عبادةٍ، وهي الأصلُ في أفعالِ النبيِّ ﷺ، فالأصلُ فيما ورَدَ عنه مِن ذلك أنّه تشريعٌ ويُتأسّى به فيه، وما لم يكنْ تشريعًا تعبديًّا، فهو مِن الأفعالِ الحسنةِ التي لا تكونُ مذمومةً بحالٍ، فقد اختار اللهُ لنبيِّه أحسَنَ الأفعالِ، كما اختار له أحسَنَ الحديثِ.
وما كان مشتبِهًا مِن فعلِهِ وتردَّدَ: هل هو عبادةٌ أو عادةٌ؟ ولا مرجِّحَ بينَهما، فيُلحَقُ بأصلِه، وهو التعبُّدُ.
النوعُ الثـاني: أفعالُ عادةٍ، وهي ما يفعلُها النبيُّ ﷺ على ما اعتادَهُ الناسُ مؤمِنُهم وكافِرُهم، ولم يَخُصَّ ذلك الفعلَ بتأكيدٍ وحثٍّ عليه بالقولِ، وذلك مِثلُ لُبْسِهِ العِمامةَ والإزارَ والرِّداءَ والقميصَ، ورُكُوبِهِ الدوابَّ، فهذا الأصلُ فيه الاشتراكُ مع الناسِ المؤمِنِ والكافِرِ، ولم يَختَصَّ به المؤمنونَ عن غيرِهم، فحينئذٍ يُقالُ بأنّه عادةُ الناسِ، لا سُنَّةٌ وعبادةٌ.
وأمّا ما فعَلَهُ النبيُّ ﷺ ممّا كان الناسُ يفعلونَهُ مؤمِنُهم ومشرِكُهم، ولكنَّه حَثَّ عليه بالقولِ، فهذا تشريعٌ وعبادةٌ، وذلك كتشميرِ الإزارِ ورفعِهِ فوقَ الكعبَيْنِ، وذلك أنّه مِن عادةِ العربِ تشميرُ الأُزُرِ، وذلك أنّهم يرَوْنَهُ علامةً على القوةِ وتركِ النعومةِ والدَّعَةِ، وكانوا يَمْدَحونَ فاعِلَ ذلك، كما قال الشاعرُ:
كَمِيشُ الإزارِ خارِجٌ نِصْفُ ساقِهِ
صَبُورٌ عَلى الضَّرّاءِ طَلاَّعُ أنْجُدِ[[البيت لدُرَيْد بن الصِّمَّة، كما في «الأصمعيّات» (ص١٠٨)، و«الشعر والشعراء» (ص٧٥١).]]
ويقولُ الآخَرُ:
وكُنْتُ إذا جارِي دَعا لِمَضُوفَةٍ
أُشَمِّرُ حَتّى يَنْصُفَ السّاقَ مِئْزَرِي[[البيت لأَبي جُنْدَبٍ الهُذَلِيِّ، كما في «لسان العرب» (٩ /٣٣١)، و«تاج العروس» (٢٤ /٥٨).]]
ولكنَّ النبيَّ ﷺ فعَلَ ذلك ورفَعَ إزارَه، وأمَرَ بذلك بقولِه، فخرَجَ عن كونِه عادةً إلى كونِه عبادةً، كما قال ﷺ: (ما أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإزارِ فَفِي النّارِ)، رواه البخاريُّ[[البخاري (٥٧٨٧).]].
وعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ ولا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ ولا يُزَكِّيهِمْ ولَهُمْ عَذابٌ ألِيمٌ)، قالَ: فَقَرَأَها رَسُولُ اللهِ ﷺ ثَلاثَ مِرارٍ، قالَ أبُو ذَرٍّ: خابُوا وخَسِرُوا! مَن هُمْ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: (المُسْبِلُ، والمَنّانُ، والمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالحَلِفِ الكاذِبِ)، رواهُ مسلمٌ[[مسلم (١٠٦).]].
وعن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي الله عنهما، أنّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: (بَيْنا رَجُلٌ يَجُرُّ إزارَهُ، إذْ خُسِفَ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلَّلُ فِي الأَرْضِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ)، رواهُ البخاريُّ[[البخاري (٥٧٩٠).]].
النوعُ الثالثُ: أفعالُ الجِبِلَّةِ: وهي ما يُجبَلُ عليها الإنسانُ ويُطبَعُ، مِن لَوْنِه وخِلْقَتِه، وطُولِه وضخامتِه، ويَلحَقُ بذلك ما لا يَتكلَّفُهُ الإنسانُ مِن صفةِ مِشْيَتِه، فإنّ الإنسانَ يُطبَعُ على ذلك ويُجبَلُ ولا يَتكلَّفُهُ ولا يكتسِبُهُ، فهذا لا يُمدَحُ الإنسانُ بفعلِهِ وتكلُّفِهِ لو قدَرَ عليه.
ومِن ذلك: مِشْيةُ النبيِّ ﷺ، ففي مسلمٍ، مِن حديثِ أنسٍ، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ أزْهَرَ اللَّوْنِ، كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ، إذا مَشى، تَكَفَّأَ»[[أخرجه مسلم (٢٣٣٠).]].
وفي الحديثِ الآخَرِ: «أنّ رسولَ اللهِ ﷺ إذا مَشى، تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا كَأَنَّما يَنْحَطُّ مِن صَبَبٍ»، رواهُ أحمدُ والتِّرمذيُّ، مِن حديثِ عليٍّ[[أخرجه أحمد (١ /٩٦)، والترمذي (٣٦٣٧).]].
ومَن نظَرَ في فقهِ الصحابةِ رضي الله عنهم، وجَدَ أنّهم يُكثِرونَ مِن ذِكْرِ أفعالِ النبيِّ ﷺ التعبُّديَّةِ، ويذكُرونَها في سياقِ الاقتداءِ، وأمّا بقيةُ أفعالِهِ كأفعالِ العادةِ والأفعالِ الجِبليَّةِ، فلا يذكُرونَها إلاَّ اعتراضًا وفي سياقِ الوصفِ.
{"ayah":"لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق