الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿إنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنا الَّذِينَ إذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّدًا وسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [السجدة: ١٥].
ذكَر اللهُ خِصالَ المؤمنينَ، وذكَرَ منها أنّهم يَخِرُّونَ سُجَّدًا للهِ، ويُسبِّحونَ في سجودِهم، وفي هذه الآيةِ: مشروعيَّةُ التسبيحِ بحمدِ اللهِ في السجودِ.
حُكْمُ التسبيحِ في السُّجُودِ والرُّكُوعِ:
ولا خلافَ في مشروعيَّةِ التسبيحِ بحمدِ اللهِ في السجودِ، لثُبُوتِهِ في القرآنِ وعملِ النبيِّ ﷺ وأصحابِه، وإنّما الخلافُ عندَ الفقهاءِ في وجوبِ التسبيحِ في السجودِ، ومِثلُه الركوعُ، على قولَيْنِ للفقهاءِ، هما روايتانِ عن أحمدَ:
الأُولى: الوجوبُ، وهو قولُ داودَ، وهو مذهبُ الحنابلةِ، ورجَّحه جماعةٌ مِن محقِّقي المذهبِ، وقال به داودُ، وذلك لِما رواهُ أحمدُ وأبو داودَ، مِن حديثِ عُقْبةَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه، قال: لمّا نزَلَتْ: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ ﴾ [الواقعة: ٧٤ و٩٦، والحاقة: ٥٢]، قال رسولُ اللهِ ﷺ: (اجْعَلُوها فِي رُكُوعِكُمْ)، فلمّا نزَلَتْ: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلى ﴾ [الأعلى: ١]، قال: (اجْعَلُوها فِي سُجُودِكُمْ) [[أخرجه أحمد (٤/١٥٥)، وأبو داود (٨٦٩)، وابن ماجه (٨٨٧).]]، وحمَلُوا الأمرَ الواردَ في الحديثِ على الوجوبِ.
الثـانيةُ: الاستحبابُ، وهو قولُ جمهورِ الفقهاءِ، وذلك أنّ النبيَّ ﷺ لم يعلِّمْهُ المُسِيءَ في صلاتِه، وما عَلَّمَهُ إلاَّ ما تصحُّ به الصلاةُ.
وحديثُ عُقْبةَ متكلَّمٌ فيه، يَرويهِ موسى بنُ أيُّوبَ، عن عمِّه إياسِ بنِ عامرٍ، عن عُقْبةَ، وإياسٌ مستورٌ قليلُ الحديثِ لا يُعرَفُ راوٍ عنه غيرُ ابنِ أخيه، وموسى في حديثِهِ المرفوعِ عن عمِّه كلامٌ، فقد ضعَّف ابنُ مَعِينٍ حديثَهُ المرفوعَ عن عمِّه[[ينظر: «الضعفاء الكبير» للعقيلي (٤ /١٥٤).]].
ثمَّ أيضًا فإنّ قولَهُ تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلى ﴾ [الأعلى: ١] في سورةِ الأعلى، وقولَه تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ ﴾ [الواقعة: ٧٤ و٩٦، والحاقة: ٥٢] في سورةِ الواقعةِ والحاقَّةِ، وهذه السُّوَرُ الثلاثُ مكيَّةٌ، وتقييدُ الأمرِ بها عندَ نزولِها دالٌّ على أنّ الوجوبَ كان بمَكَّةَ، ومِثلُ هذه الأذكارِ وجنسُ هذه الواجباتِ مِن الأقوالِ في الصلاةِ: لم يُفرَضْ إلاَّ في المدينةِ، ولو كان فرضًا قديمًا لاشتهَرَ فرضُه، وتمَّ تعليمُهُ الناسَ مع تعليمِ الصلاةِ لكلِّ أحدٍ.
وأمّا التسبيحُ الواردُ في السجودِ الذي أُشِيرَ إليه في الآيةِ، فقد جاء عن النبيِّ ﷺ في صِيَغٍ، منها ما يَشترِكُ فيه الركوعُ والسجودُ، ومنها ما ينفرِدُ به السجودُ، ومِن ذلك:
ـ ما في «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ عائشةَ رضي الله عنها، قالتْ: كان النبيُّ ﷺ يُكْثِرُ أنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وسُجُودِهِ: (سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنا وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي)، يَتَأَوَّلُ القُرْآنَ[[أخرجه البخاري (٨١٧)، ومسلم (٤٨٤).]].
ـ ومنهـا: ما في مسلمٍ، مِن حديثِ عائشةَ، أنّ رسولَ اللهِ ﷺ كان يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وسُجُودِهِ: (سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ) [[أخرجه مسلم (٤٨٧).]].
ـ ومنها: عندَه مِن حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ، أنّ النبيَّ ﷺ كان إذا سَجَدَ، قال: (اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدتُّ، وبِكَ آمَنتُ، ولَكَ أسْلَمْتُ، سَجَدَ وجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وصَوَّرَهُ، وشَقَّ سَمْعَهُ وبَصَرَهُ، تَبارَكَ اللهُ أحْسَنُ الخالِقِينَ)، ثُمَّ يَكُونُ مِن آخِرِ ما يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ والتَّسْلِيمِ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ، وما أسْرَفْتُ، وما أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ وأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إلَهَ إلاَّ أنْتَ) [[أخرجه مسلم (٧٧١).]].
ـ ومنهـا: ما في «المسنَدِ»، مِن حديثِ ابنِ عبّاسٍ، قال: بِتُّ عندَ خالتي مَيْمُونةَ، قال: فانتبَهَ رسولُ اللهِ ﷺ مِن اللَّيْلِ، فذكَرَ الحديثَ، وفيه قال: ثمَّ ركَعَ، قال: فرأَيْتُهُ قال في ركوعِهِ: (سُبْحانَ رَبِّيَ العَظِيمِ)، ثمَّ رفَعَ رأسَهُ، فحَمِدَ اللهَ ما شاءَ اللهُ أنْ يَحْمَدَه، قال: ثمَّ سجَدَ، قال: فكان يقولُ في سُجُودِه: (سُبْحانَ رَبِّيَ الأَعْلى)، قال: ثمَّ رفَعَ رأسَهُ، قال: فكان يقولُ فيما بينَ السَّجْدَتَيْنِ: (رَبِّ اغْفِرْ لِي، وارْحَمْنِي، واجْبُرْنِي، وارْفَعْنِي، وارْزُقْنِي، واهْدِنِي) [[أخرجه أحمد (١ /٣٧١).]].
{"ayah":"إِنَّمَا یُؤۡمِنُ بِـَٔایَـٰتِنَا ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِّرُوا۟ بِهَا خَرُّوا۟ سُجَّدࣰا وَسَبَّحُوا۟ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَهُمۡ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ ۩"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق