الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿واقْصِدْ فِي مَشْيِكَ واغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إنَّ أنْكَرَ الأَصْواتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ ۝﴾ [لقمان: ١٩]. في هذه الآيةِ: إرشادٌ إلى الاعتدالِ في المشيِ والكلامِ، فيكونُ وسطًا، فلا يُسرِعُ في مَشْيِه، ولا يكونُ بطيئًا كسَيْرِ المتكبِّرِ، وقد فسَّر مجاهِدٌ قولَه: ﴿واقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾ بالتواضُعِ[[«تفسير الطبري» (١٨ /٥٦٣)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٩ /٣٠٩٩).]]، وقال قتادةُ: «نَهاهُ عن الخُيَلاءِ»[[«تفسير الطبري» (١٨ /٥٦٣)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٩ /٣١٠٠).]]. وفسَّر يزيدُ بنُ أبي حَبِيبٍ القصدَ في المشيِ بالسُّرْعةِ[[«تفسير الطبري» (١٨ /٥٦٣)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٩ /٣١٠٠).]]، ولعلَّه حمَلَ ذلك على أنّ السُّرْعةَ في المشيِ تُنافِي الخُيَلاءَ، فعادةُ أهلِ الكِبْرِ السَّيْرُ البطيءُ المتكلَّفُ. وقد كان النبيُّ ﷺ يَحُثُّ على السَّكِينةِ، ويأمُرُ بالتوسُّطِ، ويَنهى عن الإسراعِ المتعجِّلِ، ومِن ذلك قولُهُ ﷺ: (أيُّها النّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإنَّ البِرَّ لَيْسَ بِالإيضاعِ) [[أخرجه البخاري (١٦٧١).]]، والإيضاعُ الإسراعُ، وأمّا ما يُروى مِن حديثِ أبي هريرةَ، عن النبيِّ ﷺ، قال: (سُرْعَةُ المَشْيِ تُذْهِبُ بَهاءَ المُؤْمِنِينَ)، فقد رواهُ أبو نُعَيْمٍ في «الحِلْيةِ»[[«حلية الأولياء» (١٠ /٢٩٠).]]، ولا يصحُّ. وغَضُّ الصوتِ خَفْضُه، فليس بالمرتفعِ الصارخِ كصوتِ الحمارِ، ولا بالخافضِ الذي لا يُسمَعُ، وقولُه: ﴿أنْكَرَ الأَصْواتِ﴾، يعني: شَرَّها. وكان عمرُ لا يَرى التكلُّفَ برفعِ الصوتِ حتى في الأذانِ، كما روى البيهقيُّ، عن ابنِ أبي مُلَيْكَةَ، عن أبي مَحْذُورَةَ، قال: لمّا قَدِمَ عُمَرُ مَكَّةَ، أذَّنْتُ، فَقالَ لِي عُمَرُ: يا أبا مَحْذُورَةَ، أما خِفْتَ أنْ يَنْشَقَّ مُرَيْطاؤُكَ؟![[أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (١ /٣٩٧).]]. وهذه الآياتُ مكيَّةٌ كما هو أصلُ السورةِ، وعادةُ السُّوَرِ المكيَّةِ لا تأمُرُ بمِثْلِ هذه الآدابِ والسلوكِ، وإنّما تأمُرُ بما تدُلُّ عليه الفِطْرةُ عامَّةً، وأمّا الآدابُ كصِفَةِ المشيِ والقيامِ والقعودِ واللِّباسِ والكلامِ وأحكامِه، فإنّه مِن علاماتِ السُّوَرِ المَدَنيَّةِ، ولكنَّ هذه الآياتِ جاءتْ في سياقِ قصةِ لُقْمانَ، ولم تكنْ أمرًا للناسِ في مَكَّةَ وتشريعًا يَختصُّونَ به، وإنِ انتفَعُوا مِن ذلك بالاقتداءِ بمَن سبَقَ كما يَرِدُ في القرآنِ كثيرٌ مِن الآدابِ في قَصَصِ الأنبياءِ كإبراهيمَ وموسى وعيسى وغيرِهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب