الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿فَآتِ ذا القُرْبى حَقَّهُ والمِسْكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وجْهَ اللَّهِ وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ۝وما آتَيْتُمْ مِن رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أمْوالِ النّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وما آتَيْتُمْ مِن زَكاةٍ تُرِيدُونَ وجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُضْعِفُونَ ۝﴾ [الروم: ٣٨ ـ ٣٩]. فيه: فضلُ الإحسانِ، وأنّه على ذوي القُرْبى أفضلُ مِن غيرِهم، والصدقةُ على الأقاربِ أفضلُ مِن الصدقَة على الأَبْعَدِينَ، لأنّها صَدَقةٌ وصِلَةٌ، والهديَّةُ للأَقْرَبِينَ أفضلُ مِن الصدقةِ على الأَبْعَدِين، لأثرِ هديَّةِ القريبِ عليه في جلبِ فضائلَ عظيمةٍ، كصِلَةِ الرحمِ، وشدِّ الأَزْرِ به عندَ الحاجةِ إليه في حقٍّ، وأثرُ الهديَّةِ في القريبِ أدْوَمُ مِن أثرِ الصَّدَقةِ في البعيدِ، لِما في «الصحيحَيْنِ»، أنّ ميمونةَ بنتَ الحارثِ رضي الله عنها أعْتَقَتْ ولِيدَةً ولَمْ تَسْتَأْذِنِ النَّبِيَّ ﷺ، فَلَمّا كانَ يَوْمُها الَّذِي يَدُورُ عَلَيْها فِيهِ، قالَتْ: أشَعَرْتَ يا رَسُولَ اللهِ أنِّي أعْتَقْتُ ولِيدَتِي؟ قالَ: (أوَ فَعَلْتِ؟)، قالَتْ: نَعَمْ، قالَ: (أما إنَّكِ لَوْ أعْطَيْتِها أخْوالَكِ، كانَ أعْظَمَ لأَجْرِكِ) [[أخرجه البخاري (٢٥٩٢)، ومسلم (٩٩٩).]]. وقد تقدَّم بيانُ فضلِ الصدقةِ والإحسانِ على الأَقْرَبِينَ في مواضعَ، منها عندَ قولِه تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أنْفَقْتُمْ مِن خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ وما تَفْعَلُوا مِن خَيْرٍ فَإنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ۝﴾ [البقرة: ٢١٥]. إهداءُ الهديَّةِ رجاءَ الثوابِ عليها: وقولُه تعالى: ﴿فَآتِ ذا القُرْبى حَقَّهُ والمِسْكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وجْهَ اللَّهِ وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ۝وما آتَيْتُمْ مِن رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أمْوالِ النّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وما آتَيْتُمْ مِن زَكاةٍ تُرِيدُونَ وجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُضْعِفُونَ ۝﴾، فسَّرَهُ جماعةٌ بمَن يُعطي الهديَّةَ والعطيَّةَ أو الصدقةَ، ويُريدُ مقابلًا عليها، فهذه لا يتقبَّلُها اللهُ مِن صاحِبِها، لأنّه لم يُرِدْ بها وجهَ اللهِ، وهذا مرويٌّ عن ابنِ عبّاسٍ، وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، ومجاهدٍ، وطاوسٍ[[«تفسير الطبري» (١٨ /٥٠٣ ـ ٥٠٤).]]. وقد رُوِيَ عن ابنِ عبّاسٍ في قوله: ﴿وما آتَيْتُمْ مِن رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أمْوالِ النّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ﴾، قال: «هو ما يُعطِي الناسُ بينَهم بعضُهم بعضًا، يُعطِي الرجلُ الرجلَ العطيَّةَ يُريدُ أنْ يُعطى أكثَرَ منها»[[«تفسير الطبري» (١٨ /٥٠٣).]]. وصحَّ عن طاوُسٍ، قال: «هو الرجلُ يُعطِي العطيَّةَ، ويُهدِي الهديَّةَ، ليُثابَ أفضَلَ مِن ذلك، ليس فيه أجرٌ ولا وِزْرٌ»[[«تفسير الطبري» (١٨ /٥٠٤).]]. وهذا لا يتعارضُ مع كونِ النبيِّ ﷺ يَقْبَلُ الهديَّةَ ويُثِيبُ عليها، كما ثبَت في «الصحيحِ»، مِن حديثِ عائشةَ[[أخرجه البخاري (٢٥٨٥).]]، فهذا فعلُ المُهْدى إليه، وليس فِعْلَ المُهْدِي، والمُهْدِي ينبغي له أن يُهْدِيَ الهديَّةَ والعطيَّةَ والصدقةَ ولا ينتظرُ ثوابَها، ليتحقَّقَ له الأجرُ، وأمّا المُهْدى إليه، فيُستحَبُّ له أن يُثيبَ على الهديَّةِ، ردًّا للمعروفِ وإكرامًا للمُهْدِي ولو لم يَنتظِرْها، وهذا يَرِدُ مِثلُه في الشريعةِ، فنظيرُ ذلك: أنّه يجوزُ للرجلِ أو قد يُستحَبُّ أن يقومَ إكرامًا لشخصٍ يدخُلُ عليه، لكنَّه لا يجوزُ للداخلِ أن يُحِبَّ أن يَمْثُلَ الناسُ له قِيامًا، كما في الحديثِ المرفوعِ: (مَن سَرَّهُ إذا رَأَتْهُ الرِّجالُ مُقْبِلًا أنْ يَتَمَثَّلُوا لَهُ قِيامًا، فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْتًا فِي النّارِ) [[أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (١٩ /٣٢٠).]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب