الباحث القرآني

سورةُ الفُرْقانِ مكيَّةٌ بكاملِها، وعامَّةُ السلفِ على هذا، ويُحكى عن ابنِ عبّاسٍ وقتادةَ، أنّهما قالا: إلاَّ ثلاثَ آياتٍ منها نزَلَتْ بالمدينةِ، وهي قولُه: ﴿والَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ﴾ [الفرقان: ٦٨]، إلى قولِه: ﴿غَفُورًا رَحِيمًا ۝﴾ [الفرقان: ٧٠] [[«تفسير القرطبي» (١٥ /٣٦٤).]]، والصحيحُ عن ابنِ عبّاسٍ: أنّ هذه الآياتِ الثلاثَ مكيَّةٌ أيضًا كما في الصحيحِ، عن القاسمِ بنِ أبي بَزَّةَ، أنّه سألَ سعيدَ بنَ جُبَيْرٍ: «هَلْ لِمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِن تَوْبَةٍ؟ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ: ﴿ولا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بِالحَقِّ﴾ [الفرقان: ٦٨]، فقال سعيدٌ: قَرَأْتُها عَلى ابْنِ عَبّاسٍ كَما قَرَأْتَها عَلَيَّ، فَقالَ: هَذِهِ مَكِّيَّةٌ نَسَخَتْها آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّساءِ»[[أخرجه البخاري (٤٧٦٢).]]، يُريدُ: قولَهُ تعالى: ﴿ومَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾ الآيةَ [٩٣]. ولم يُوافَقِ الضَّحّاكُ على قولِهِ: إنّها مدنيَّةٌ إلاَّ الآياتِ الثلاثَ مِن أوَّلِها إلى قولِه: ﴿ولا نُشُورًا ۝﴾ [الفرقان: ٣] [[«البحر المحيط» لأبي حيان (٦ /٤٣٩).]]، وآياتُ السُّورةِ ومقاصدُها دالَّةٌ على كونِها مكيَّةً لا مدنيَّةً، فإنّ اللهَ ذكَرَ في السورةِ فَضْلَه بإنزالِ القرآنِ، وشيئًا مِن صِفاتِه، وقرَّر توحيدَه، وحذَّر مِن ضلالِ المشرِكينَ باتِّخاذِ إلهٍ مع اللهِ، وذكر ما طلَبَهُ المشركونَ إلى النبيِّ ﷺ بمكَّةَ مِن معجزاتٍ مقتَرَحةٍ تعنُّتًا وعنادًا، وبيَّنَ عاقِبَتَهم في الآخِرةِ، وذكَرَ سببَ ذلك، وأنّ أعظَمَ ما وقَعوا فيه الشِّرْكُ والقتلُ والزِّنى، وقد حرَّم اللهُ الزِّنى بمكَّةَ، لأنّه أصلٌ فِطْريٌّ، ثمَّ تأخَّرَ تشريعُ تحريمِ وسائلِه وضبطُها في المدينةِ، لأنّ مَن لا يُقِرُّ بالغايةِ لا يشدَّدُ عليه في الوسيلةِ حتى يُؤمِنَ بحُرْمةِ الغايةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب