الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿فَإذا اسْتَوَيْتَ أنْتَ ومَن مَعَكَ عَلى الفُلْكِ فَقُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجّانا مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ ۝وقُلْ رَبِّ أنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكًا وأَنْتَ خَيْرُ المُنْزِلِينَ ۝﴾ [المؤمنون: ٢٨ ـ ٢٩]. يُستحَبُّ ذِكْرُ اللهِ عندَ الركوبِ، وعندَ نزولِ مَنزِلٍ لم يَنزِلْهُ مِن قبلُ، فإنّ في ذلك تبرُّكًا بالمذكورِ سبحانَهُ، وتعرُّضًا لكفايتِهِ وحِفْظِه، وتبرُّؤًا مِن حَوْلِ الإنسانِ وقُوَّتِهِ في حُسْنِ الاختيارِ للجهةِ ومكانِ النزولِ، وقد تقدَّم الكلامُ على ذِكْرِ الركوبِ ودعاءِ السَّفَرِ عندَ قولِهِ تعالى: ﴿وقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها ومُرْساها إنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ۝﴾ [هود: ٤١]. دعاءُ نزولِ المَنزِلِ: وأمّا دعاءُ نزولِ المنزلِ، فظاهرٌ في قولِه تعالى: ﴿وقُلْ رَبِّ أنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكًا وأَنْتَ خَيْرُ المُنْزِلِينَ ۝﴾، وظاهرُهُ: أنّه في نزولِ منزِلٍ لم يُنزَلْ مِن قبلُ، وليس في نزولِ المنزِلِ الذي يعتادُهُ الإنسانُ، كدخولِهِ بيتَهُ وبُستانَهُ والمكانَ الذي يَبْدُو فيه، فلو كان الأمرُ كذلك، لاشتهَرَ القولُ به والعملُ عليه في السُّنَّةِ. ويكونُ هذا الدعاءُ عندَ اتِّخاذِ المنازلِ الجديدةِ والرِّباطِ الجديدِ في ثَغْرٍ مِن الثُّغُورِ، ولو كان النزولُ عارضًا لا دائمًا، كمَن يَبْدُو في بَرِّيَّةٍ، أو يَتَّخذُ مكانًا لماشيتِهِ مِن غنمٍ وإبلٍ وغيرِ ذلك. وأمّا إنْ كان النزولُ في مكانٍ يعتادُهُ، أو جديدٍ كذلك، فيُستحَبُّ له الدعاءُ بما ورَدَ في مسلمٍ، مِن حديثِ خَوْلَةَ، أنّ النبيَّ ﷺ قال: (مَن نَزَلَ مَنزِلًا، ثُمَّ قالَ: أعُوذُ بِكَلِماتِ اللهِ التّامّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتّى يَرْتَحِلَ مِن مَنزِلِهِ ذَلِكَ)[[أخرجه مسلم (٢٧٠٨).]]. وهذا يُستحَبُّ في كلِّ مكانٍ يُنزَلُ ولو اعتادَهُ، وأمّا بيتُ الرجُلِ ومسكنُهُ الدائمُ، فلا يُستحَبُّ قولُ ذلك إلاَّ عندَ كلِّ نزولٍ. والنزولُ في الحديثِ يُرادُ به المُكْثُ في مكانٍ جديدٍ أو مكانٍ عَتِيقٍ، لكنْ بعدَ انقطاعٍ عنه، وهذا ظاهرٌ في حديثِ خولةَ السابقِ، حيثُ قال فيه: (حَتّى يَرْتَحِلَ مِن مَنزِلِهِ)، يعني: أنّه ليس مسكَنًا له، ومِثلُ ذلك حديثُ أنسٍ عند أحمدَ وأهل «السنن»، قال: «كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إذا نَزَلَ مَنزِلًا، لَمْ يَرْتَحِلْ حَتّى يُصَلِّيَ الظُّهْرَ»[[أخرجه أحمد (٣ /١٢٠)، وأبو داود (١٢٠٥)، والنسائي (٤٩٨).]]، فالمَنازلُ تُطلَقُ على ما يحُطُّ المسافِرُ والعابرُ فيه رَحْلَه. ومَن كان يدخُلُ في بيتِهِ ويخرُجُ وهو مقيمٌ في بلدِهِ لا يُسمّى دخولُهُ بيتَهُ كلَّ يومٍ مرّاتٍ: نزولًا، وإنّما النزولُ الذي يكونُ بعدَ سفرٍ، أو كان في مكانٍ جديدٍ لم يُسكَنْ مِن قبلُ، ومَن كان في بيتِهِ ساكنًا حاضرًا لا يُسمّى الدخولُ فيه نزولًا إلاَّ لِمَن كان غريبًا، فيُقالُ: نزَل فلانٌ عندَ فلانٍ، ولا يُقالُ لصاحبِ الدارِ: نازلٌ، إلاَّ إن كان بعدَ سفرٍ، أو طولِ عهدٍ، أو في مكانٍ جديدٍ. ويُستحَبُّ لمَن كانتْ هذه حالَهُ ـ أي: في غيرِ موضعِ إقامةٍ ـ الدعاءُ بما في الآيةِ، لأنّها تتضمَّنُ طلَبَ البَرَكةِ في مكانِهِ وموضعِهِ الجديدِ، والدعاءُ بما في الحديثِ، لأنّه يتضمَّنُ الالتجاءَ مِن شرِّ مَن فيه وشرِّ عامِرِيه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب