الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿وقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكًا قالُوا أنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنا ونَحْنُ أحَقُّ بِالمُلْكِ مِنهُ ولَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ المالِ قالَ إنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وزادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ والجِسْمِ واللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشاءُ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ۝﴾ [البقرة: ٢٤٧]. جعَلَ اللهُ لبني إسرائيلَ طالُوتَ مَلِكًا يقاتِلُ بهم، ويقاتِلُونَ معه، وذكَرَ اللهُ نزاعَهُم بعد طلبِهم منه الملِكَ، فرَأَوْا أنّهم أحَقُّ منه بالوِلايةِ، وذلك لأنّهم رأَوْا مِن أمرِ دنياه ما لا يستحسِنُونَهُ بنفوسِهِم، فاستنقَصُوهُ نَسَبًا، فكانَ مِن سِبْطِ بِنْيامِينَ، ولم يَكُنْ فيهم مَمْلَكةٌ ولا نُبُوَّةٌ، قالَهُ قتادةُ وغيرُه[[«تفسير الطبري» (٤/٤٥٠، ٤٥٣).]]. وروى عمرُو بنُ دِينارٍ، عن عِكْرِمةَ، قال: «كان طالوتُ سَقّاءً يَبِيعُ الماءَ»، أخرجَهُ ابنُ جريرٍ[[«تفسير الطبري» (٤/٤٥٠).]]، ولذا قالُوا: ﴿أنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنا﴾. وهذه المآخِذُ ليست محلَّ تفضيلِهِ عليهم في القتالِ، ولذا قالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وزادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ والجِسْمِ﴾، وشروطُ الوِلاياتِ تختلِفُ بحَسَبِ منازلِها، فوِلايةُ الجهادِ تختلِفُ عن ولايةِ الإمامِ في الصلاةِ، ووِلايةِ المالِ، وولايةِ القضاءِ والحدودِ، وولايةِ الأيتامِ والأعراضِ. والمقصودُ بالعلمِ هنا هو: العِلْمُ بالقتالِ والحربِ، والكَرِّ والفَرِّ، وأَحكامِ العدوِّ رجالًا ونساءً وشيوخًا، وأحكامِ المهادَنةِ والمسالَمةِ، حتّى لا يقَعَ الظلمُ. قال وهبُ بنُ منبِّهٍ وغيرُهُ في عِلْمِ طالوتَ: «هو العِلْمُ بالحربِ»[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٢/٤٦٦).]]. اشتراطُ العلمِ للوالي بما يلي: وإنّما يُشترَطُ لكلِّ والٍ عِلْمُهُ بأحكامِ ولايتِهِ، لا مطلَقُ العِلْمِ أو العِلْمُ المطلَقُ، فوِلايةُ أميرِ الجَيْشِ في غزوٍ غيرُ ولايةِ أميرِ الناسِ في الحجِّ، فالأولُ: يجبُ أن يكونَ بصيرًا بعِلْمِ الجهادِ، والثاني: يجبُ أنْ يكونَ بصيرًا بعِلْمِ المناسكِ، وأميرُ القضاءِ: يجبُ فيه عِلْمُ العقوباتِ حدودًا وتعزيراتٍ، وفقهُ النكاحِ والطلاقِ والعِدَدِ والمواريثِ، وكلِّ ما يتعلَّقُ بفصلِ النِّزاعِ، كالبيوعِ، والتجارةِ، وغيرِها، ولا يجبُ عليه الفِقْهُ بمسائلِ ودقائقِ العباداتِ كالطَّهارةِ والصِّيامِ والصَّلاةِ والمناسكِ، إلا ما يُقِيمُ به دِينَهُ منها، لأنّ هذا واجبٌ على المُفْتِي لا على القاضي. وكلَّما تلبَّسَ الإنسانُ بعملٍ، وجَبَ عليه التفقُّهُ فيه، ولذا قال عُمَرُ بنُ الخطّابِ: «لا يَبِعْ فِي سُوقِنا إلاَّ مَن قَدْ تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ»، رواهُ الترمذيُّ[[أخرجه الترمذي (٤٨٧) (٢/٣٥٧).]]، فيتفقَّهُ في البيعِ ولو لم يَفْقَهْ تفاصيلَ الصلاةِ والصيامِ والحَجِّ، ويكتفي بما يُقِيمُ دِينَهُ منها. وإذا وُجِدَ اثنانِ لولايةِ الجهادِ: قويُّ الجَسَدِ شجاعٌ ضعيفُ الإيمانِ، وقَوِيُّ الإيمانِ ضعيفُ الجَسَدِ جَبانٌ، فيُقدَّمُ الأولُ، لأنّ الوِلايةَ ولايةُ جهادٍ، فتحتاجُ قُوَّةَ القلبِ والبدنِ مع أصلِ الإيمانِ، وبذلك يتحقَّقُ المقصدُ الشرعيُّ مِن تلك الولايةِ، وبهذا يقولُ أحمدُ وغيرُه، وهذا هو المقصودُ مِن بَسْطةِ الجِسمِ في الآيةِ. وإنّما لم يلحَقِ النبيُّ بالمَلَأِ مِن بني إسرائيلَ، فيُجاهِدَ معهم، مع كونِهِم يَدْفَعُونَ عن بَلَدِهم وأَنفُسِهم، فيكونَ أميرًا عليهِم، لأمورٍ: منها: أنّ الكفايةَ تتحقَّقُ بهم، وهم ثَغْرٌ واحدٌ مِن عِدَّةِ تكاليفَ على النبيِّ، مِن تبليغِ الدِّينِ، وحمايةِ البلدِ الذي هو فيه، ولأنّ النبيَّ يتعلَّقُ به الناسُ كلُّهم، فلو نفَرَ، ثَقُلَ هذا على أهلِ العَجْزِ، وأَحَبُّوا اللَّحاقَ به ويَعْجِزُونَ، مع القيامِ بمَن حولَهُ، كما كلَّفَ النبيُّ ﷺ مَن يقومُ بالغزوِ مَرّاتٍ، لأنّ المصلحةَ في بقائِهِ ﷺ. ومنها: ظنُّهُ أنّهم قد يَخْذُلُونَهُ، كما في قولِهِ: ﴿هَلْ عَسَيْتُمْ إنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ ألاَّ تُقاتِلُوا﴾ [البقرة: ٢٤٦]، فتَلْحَقُهم وتلحقُهُ الهزيمةُ بسببِهم، والفتنةُ بغَلَبةِ العدوِّ على النبيِّ أعظَمُ مِن الفِتْنةِ في غيرِهِ، فينتكِسُ الأتباعُ، وربَّما ارتدُّوا، ولذا قال قومُ موسى: ﴿رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ ۝﴾ [يونس: ٨٥]، قال مجاهِدٌ: «أيْ: لا تعذِّبْنا بأيدي قومِ فِرْعَوْنَ، ولا بعذابٍ مِن عندِكَ، فيقولَ قومُ فرعونَ: لو كانُوا على الحقِّ، ما عُذِّبُوا، ولا سُلِّطْنا عليهم، فيُفتَنُوا بنا»[[«تفسير الطبري» (١٢/٢٥٢)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٦/١٩٧٦).]]، وبنحوِهِ قال ابنُ عباسٍ وقتادةُ[[«تفسير الطبري» (٢٢/٥٦٩).]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب