الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿وإذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنَّ إذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليَومِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أزْكى لَكُمْ وأَطْهَرُ واللَّهُ يَعْلَمُ وأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: ٢٣٢].
نهى اللهُ عنِ الإضرارِ بالمرأةِ حالَ عِصْمَتِها في زوجِها، فيُمسِكُها ضرارًا بِها، ثُمَّ نهى عنِ الإضرارِ بها بعد أجَلِها، فتُعضَلُ عنِ الزواجِ، سواءٌ بالرجوعِ إلى زَوْجِها الأوَّلِ رجوعًا مشروعًا، أو إلى زوجٍ آخرَ.
والخطابُ في الآيةِ السابقةِ للأزواجِ، وفي هذه الآيةِ للأولياءِ بالاتفاقِ، وبلوغُ الأجلِ في الآيةِ السابقةِ قربُ انقضائِهِ وفي هذه الآيةِ انقضاؤُه بالاتفاقِ.
والآيةُ نزَلَتْ في مَعْقِلِ بنِ يَسارٍ، إذْ هو وليُّ أُختِهِ، فعَضَلها عن زوجِها، وهي في كلِّ ولِيٍّ مِن بعدِه، فقد روى البخاريُّ في «صحيحِه»، مِن حديثِ الحَسَنِ في قولِهِ تعالى: ﴿فَلا تَعْضُلُوهُنَّ﴾، قال: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بنُ يَسارٍ أنَّها نَزَلَتْ فِيهِ، قالَ: زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِن رَجُلٍ، فَطَلَّقَها، حَتّى إذا انْقَضَتْ عِدَّتُها، جاءَ يَخْطُبُها، فَقُلْتُ لَهُ: زَوَّجْتُكَ وفَرَشْتُكَ وأَكْرَمْتُكَ، فَطَلَّقْتَها، ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُها؟! لا واللهِ، لا تَعُودُ إلَيْكَ أبَدًا، وكانَ رَجُلًا لا بَأْسَ بِهِ، وكانَتِ المَرْأَةُ تُرِيدُ أنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿فَلا تَعْضُلُوهُنَّ﴾، فَقُلْتُ: الآنَ أفْعَلُ يا رَسُولَ اللهِ، قالَ: فَزَوَّجَها إيّاهُ[[أخرجه البخاري (٥١٣٠) (٧/١٦).]].
النكاحُ بلا وليٍّ:
وفي الآيةِ: دليلٌ على أنْ لا نِكاحَ إلاَّ بوليٍّ، وذلك أنّ اللهَ وجَّهَ الخطابَ بالنهيِ عنِ الإضرارِ والعضْلِ للأولياءِ، وفي الآيةِ السابقةِ وجَّهَ الخطابَ للأزواجِ، ولا يَنهى اللهُ عنِ العضلِ والإضرارِ إلاَّ ولهم عَلَيْهِنَّ عِصْمةٌ وقِوامةٌ وأمرٌ، وقد أخرَجَ البخاريُّ حديثَ مَعْقِلٍ هذا في بابِ: (لا نكاحَ إلاَّ بوليٍّ).
وقد تقدَّم وضوحُ الدليلِ في ذلك عند قولِ اللهِ تعالى: ﴿ولا تُنْكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا﴾ [البقرة: ٢٢١].
وبآيةِ البابِ استدَلَّ الشافعيُّ وغيرُهُ: على أنْ لا نكاحَ إلاَّ بوليٍّ، بل قال الشافعيُّ: «وهذا أبْيَنُ ما في القرآنِ مِن أنّ للوَليِّ مع المرأةِ في نفسِها حقًّا»[[«الأم» للشافعي (٥/١٣).]].
وبنحوِ هذا قال ابنُ جريرٍ.
ولا يُعرَفُ في الصدرِ الأوَّلِ: أنّ امرأةً زَوَّجَتْ نَفْسَها لرجلٍ غيرِ نبيِّنا ﷺ، ولذا قال تعالى: ﴿وامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إنْ أرادَ النَّبِيُّ أنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ﴾ [الأحزاب: ٥٠]، روى سعيدٌ، عن قَتادةَ، قال: «لَيْسَ لاِمْرَأَةٍ أنْ تَهَبَ نَفْسَها لِرَجُلٍ بِغَيْرِ أمْرِ ولِيٍّ ولا مَهْرٍ، إلاَّ لِلنَّبِيِّ، كانت لَهُ خالِصَةً مِن دُونِ النّاسِ»[[«تفسير الطبري» (١٩/١٣٢)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (١٠/٣١٤٤).]].
وبهذا قال جماعةٌ مِن المُفسِّرينَ، كالشَّعْبيِّ وابنِ زيدٍ[[«تفسير الطبري» (١٩/١٣٣).]].
وهذا الأمرُ مستقرٌّ عندَهم، ولاستفاضتِهِ ولتسليمِهِمْ به عمَلًا، لم تتداعَ هِمَمُ النَّقَلةِ للتدليلِ عليه مِن كلامِ النبيِّ ﷺ، وإنّما تُذكَرُ أحكامُ الوليِّ على سبيلِ الاعتراضِ والتَّبَعِ والاستطرادِ، ومِن ذلك قولُهُ ﷺ: (لا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حَتّى تُسْتَأْمَرَ، ولا البِكْرُ حَتّى تُسْتَأْذَنَ) [[أخرجه ابن ماجه (١٨٧١) (١/٦٠١).]]، يعني: أنّ الذي يُنكِحُها: وليُّها، ولكنَّه حَدَّ مِن حقِّه في ذلك باستئمارِ الثَّيِّبِ، واستِئذانِ البِكْرِ، فأمرُ الوليِّ مستقِرٌّ، ولكنَّه منَعَ الاستبدادَ به، حتّى لا يَضِيعَ في ذلك حقُّ المرأةِ.
والمستقِرُّ حُكْمًا وعَمَلًا في الصدرِ الأوَّلِ: لا يُطلَبُ له دليلٌ قويٌّ، كما يُطلَبُ لغيرِهِ ممّا يقَعُ فيه خلافٌ، ولا تَعُمُّ به البَلْوى، وهذه القاعدةُ هي سبَبُ الاضطرابِ عندَ بعضِ الفقهاءِ والمحدِّثينَ في القرونِ المتأخِّرةِ، حيثُ لا يفرِّقونَ بين المسائلِ في طلبِ الدليلِ، وربَّما حمَلَهم ذلك على ردِّ السُّنَّةِ بحُسْنِ قصدٍ، وبحُجَّةِ التمسُّكِ بالسُّنَّةِ وتعظيمِها.
وأمّا استدلالُ مَن يقولُ بصِحَّةِ نِكاحِ الثيِّبِ بلا ولِيِّها، بما ثبَتَ في «الصحيحِ»، مِن حديثِ ابنِ عبّاسٍ، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (الأَيِّمُ أحَقُّ بِنَفْسِها مِن ولِيِّها، والبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِها، وإذْنُها صُماتُها) [[أخرجه مسلم (١٤٢١) (٢/١٠٣٧).]].
فهذا هو دليلٌ على الوليِّ، لا دليلٌ على نَفْيِه، ففي الحديثِ: (أحَقُّ بِنَفْسِها مِن ولِيِّها)، فأثبَتَ الولِيَّ لها ولم يَنْفِهِ، ثمَّ بَيَّنَ بعدُ المرادَ مِن أحقِّيَّتِها بنفسِها، في حُكْمِ البِكْرِ، قال: (تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِها، وإذْنُها صُماتُها)، فثَمَّةَ وليٌّ لهما، ولكنَّ البِكْرَ تزوَّجُ بصُماتِها، والثَّيِّبَ لا بُدَّ مِن تصريحِها بقَبُولٍ أو عدمِه.
والوليُّ معها إنّما هو عاقدٌ، ورفضُها لرأيِ وليِّها ماضٍ عليه، ورفضُ الوليِّ لرَغْبَتِها عَضْلٌ، ولذا هي أحقُّ بنفسِها مِن وليِّها، ولكنْ ليس لها أنْ تتزوَّجَ بمَن تُرِيدُ إلاَّ بعقدِ وليِّها لها، وليس لوليِّها مَنعُها ممَّن تريدُ، لعمومِ الأدلَّةِ المستفيضةِ في ذلك، ومنها قولُهُ ﷺ: (لا نِكاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ) [[أخرجه أحمد (٢٢٦٠) (١/٢٥٠)، وأبو داود (٢٠٨٥) (٢/٢٢٩)، والترمذي (١١٠١) (٣/٣٩٩)، وابن ماجه (١٨٨٠) (١/٦٠٥).]]، وقولُهُ: (أيُّما امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ ولِيِّها، فَنِكاحُها باطِلٌ، فَنِكاحُها باطِلٌ، فَنِكاحُها باطِلٌ) [[أخرجه أحمد (٢٤٢٠٥) (٦/٤٧)، وابن ماجه (١٨٧٩) (١/٦٠٥)، وأبو داود (٢٠٨٣) (٢/٢٢٩)، والترمذي (١١٠٢) (٣/٣٩٩).]]، وهي وغيرُها نصوصٌ عامَّةٌ، لا تفرِّقُ بين ثيِّبٍ وبِكْرٍ.
ويؤيِّدُ ذلك: أنّ البِكْرَ قد تزوَّجُ بلا إذنِها كالصغيرةِ، ولمّا ذكَرَ الثيِّبَ قال ﷺ: (الأَيِّمُ أحَقُّ بِنَفْسِها مِن ولِيِّها)، ففرَّقَ بين البِكْرِ والثيِّبِ في الإذنِ، لا في أصلِ حقِّ الوليِّ والعقدِ.
ولو كانتِ البِكْرُ تتشابَهُ معَ الثَّيِّبِ في أصلِ الولِيِّ فقطْ، لَحُمِلَ حديثُ ابنِ عبّاسٍ على حقِّها بتزويجِ نفسِها دون وليِّها، ولكنَّ الثيِّبَ والبِكْرَ تختلفانِ في الإذنِ، وحَمْلُ الاختلافِ على أصلِ الوِلايةِ إلغاءٌ لأحاديثَ كثيرةٍ وعَمَلٍ مستفيضٍ، وحَمْلُهُ على اختلافِ الإذنِ أوْلى وأحَقُّ وأجمَعُ للأدلَّةِ، وأبرَأُ للدِّينِ والذِّمَّةِ.
وفي حديثِ ابنِ عبّاسٍ قال: (الأَيِّمُ أحَقُّ بِنَفْسِها)، وهو دليلٌ على اشتراكِ حقٍّ للوليِّ مع الثيِّبِ في نفسِها، ولكنَّها أحَقُّ منه.
ومِثلُهُ لفظُ حديثِ ابنِ عبّاسٍ الآخَرِ، كما في «المسندِ» والنسائيِّ: «الأَيِّمُ أوْلى بِأَمْرِها»[[أخرجه أحمد (٢٣٦٥) (١/٢٦١)، والنسائي (٣٢٦٢) (٦/٨٤).]]، أيْ: للولِيِّ وِلايةٌ، وهي أوْلى منه، فلا يُمضِيها إلاَّ بأمرِها.
التشديدُ في تزويج اليتيمة:
ويشدَّدُ في اليتيمةِ كنَحوِ البِكْرِ، لِما روى الترمذيُّ، مِن حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا: (اليَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِها، فَإنْ صَمَتَتْ، فَهُوَ إذْنُها، وإنْ أبَتْ، فَلا جَوازَ عَلَيْها) [[أخرجه الترمذي (١١٠٩) (٣/٤٠٩).]].
وفي حديثِ بنتِ عُثْمانَ بنِ مَظْعونٍ لمّا ماتَ عنها، قال ﷺ: (هِيَ يَتِيمَةٌ، ولا تُنْكَحُ إلاَّ بِإذْنِها) [[أخرجه أحمد (٦١٣٦) (٢/١٣٠).]].
وتختلِفُ البِكْرُ اليتيمةُ عن البِكرِ مِن غيرِها في هذا، لأنّ اليتيمةَ يُخشى مِن رَغْبةِ وليِّها الخلاصَ منها ومِن مُؤْنَتِها، بخلافِ البنتِ مِن صُلْبِه، فيَرِقُّ قلبُهُ ويَعطِفُ عليها ويخافُ، ولأنّ ذَهابَها مِن ولايتِهِ بعدَما استقَرَّتْ ذَهابٌ يعقُبُهُ انفصالُ ولايةِ الوليِّ عنها، فإذا أرادَتْ أن تَرجِعَ بعدَ طلاقٍ، فاستقرارُ ولايةِ وليِّها السابقِ يختلِفُ عن استقرارِ ولايةِ الوليِّ لابنتِهِ، فهي تَرجِعُ إلى حَجْرِ أبيها بلا شرطٍ أو قيدٍ أو تجديدِ ولايةٍ، وليس له الحقُّ أن تختارَ إلاَّ إيّاه، وأمّا اليتيمةُ، فربَّما تَرجعُ إليه أو إلى وليٍّ آخَرَ، فيَحمِلُها ذلك على الصبرِ على الأذى والضُّرِّ مِن الزوجِ، حتّى لا تعودَ إلى ولايةٍ غيرِ ثابتةٍ.
ثمَّ إنّ في ذلك تطييبًا لنفسِها، ودفعًا لظنِّ السَّوءِ في وليِّها، أن يريدَ تزويجَها خلاصًا منها، أو طمعًا في مَهْرِها.
الحكمةُ مِن زواجِ النبي من المرأةِ بلا وليٍّ:
وإنّما أجازَ اللهُ لنبيِّه ﷺ زواجَهُ مِن المرأةِ بغيرِ وليِّها، لأنّ الأصلَ في حقِّ الولِيِّ وحقِّ المرأةِ ثيِّبًا أو بِكْرًا في الزوجِ: دفعُ المفسَدةِ في الأعراضِ والتُّهَمةِ في النكاحِ، وحفظُ حقِّ المرأةِ ألاَّ تُظلَمَ بزوجٍ لا تريدُهُ، لسوءِ خُلُقٍ أو اختلافِ نَفْسٍ وطبيعةٍ، ولا أكمَلَ في رجالِ الأُممِ مِن نبيِّنا ﷺ، وكلُّ علَّةٍ ظاهرةٍ أو خفيَّةٍ في تشريعِ الوِلايةِ على المرأةِ في زواجِها منتفِيةٌ في حقِّه ﷺ، فهو أكمَلُ البشَرِ وسَيِّدُهم.
وجاء في حديثِ ابنِ عبّاسٍ في البِكْرِ، قال: «والبِكْرُ يَسْتَأْذِنُها أبُوها فِي نَفْسِها»[[أخرجه مسلم (١٤٢١) (٢/١٠٣٧).]]، فذِكْرُ «أبوها» غيرُ محفوظٍ، تَفرَّدَ به ابنُ عُيَيْنةَ، وأنكَرَهُ مع جلالَتِهِ الحُفّاظُ، أنكَرَهُ أبو داودَ، فقال: ««أبُوها» ليس بمحفوظٍ»[[«سنن أبي داود» (٢/٢٣٣).]].
وقال الدّارَقُطنِيُّ: «لا نَعلَمُ أحدًا وافقَ ابنَ عُيَيْنةَ على هذا اللفظِ، ولعلَّه ذَكَرَهُ مِن حِفْظِه، فسبَقَ إليه لسانُه»[[«سنن الدارقطني» (٤/٣٥١).]].
والسلفُ لا يَختلِفونَ أنّ الثَّيِّبَ والبِكْرَ البالغَتَيْنِ لا يختلِفانِ في أنّهما لا يزوَّجانِ إلاَّ بإذنِهِما، قاله الشافعيُّ وغيرُهُ.
وإذا اجتمَعَ على الزوجةِ خاطِبانِ، بعدَ خروجِها مِن عِدَّةِ طلاقِها الرجعيِّ: زوجُها الأوَّلُ، وخاطبٌ جديدٌ، فرجوعُها إلى زوجِها الأوَّلِ أوْلى إنْ لم يكُنْ فيه ما يَقدَحُ في دِينِه، لأنّ الأوَّلَ أقرَبُ إلى الأُلْفَةِ وإصلاحِ ما سلَفَ، وأعرَفُ بالحالِ، وأقرَبُ للنَّدَمِ مِن طلاقٍ جديدٍ، وأصلَحُ للذُّرِّيَّةِ إنْ وُجِدَتْ بينَهما، وإن اختارَتْ غيرَهُ، فلا تُكْرَهُ عليه.
عَضْلُ النساءِ:
وقولُه تعالى: ﴿فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنَّ إذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالمَعْرُوفِ﴾: ذكَرَ الأزواجَ وعودتَهُنَّ إليهم، لأنّ الأولياءَ ربَّما يعضُلُونَ النساءَ لحظِّ أنفُسِهِمْ، وانتصارًا لها مِن تساهُلِ زوجِها بطلاقِها، والرجالُ يَجِدُونَ ما لا تَجِدُهُ النساءُ، فنُفُوسُهنَّ أقربُ للرَّجْعةِ والأُلْفةِ والعفوِ مع الأزواجِ، فلا يَحِلُّ للولِيِّ أنْ يَمْنَعَها مِن رَجْعةِ زوجها لأجلِ نفسِه.
والعَضْلُ مشتقٌّ مِن عَضَلَ، أيْ: شَدَّ وضَيَّقَ، ومنه يُقالُ: مَرَضٌ عُضالٌ، أيْ: شديدٌ.
وقيَّد اللهُ الرجوعَ بالتراضِي بينَهم بالمعروفِ، أنْ يَرجِعُوا بحُسْنِ قصدٍ، بالقيامِ بالمعروفِ، وإصلاحِ الخَلَلِ السابقِ، وتبييتُ النِّيَّةِ الصالحةِ بابٌ لعملِ الخيرِ وقصدِه.
وقولُهُ تعالى: ﴿ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليَومِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أزْكى لَكُمْ وأَطْهَرُ واللَّهُ يَعْلَمُ وأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾:
رهَّبَ اللهُ بكتابِهِ، ورغَّب وخَصَّ بذلك مَن يُؤمِنُ باللهِ وغَيْبِهِ، وجزائِهِ وثوابِهِ وعِقابِه، لأنّه لا يخافُ اللهَ إلاَّ مَن عرَفَهُ، وفي الآيةِ تنبيهٌ إلى أنّه مَن لم يَخَفْ مِن مواعظِ اللهِ، فهذا أمارةٌ على ضَعفِ إيمانِهِ باللهِ وبلِقائِه.
الزكاءُ والطهارةُ بالتزويجِ:
ثُمَّ بيَّنَ أنّه يأمُرُ عبادَهُ بما فيه زَكاؤُهُم، فقولُه: ﴿أزْكى لَكُمْ وأَطْهَرُ﴾ شاملٌ للزوجَيْنِ وللأولياءِ وللناسِ عامَّةً، وكلَّما قَرُبَ الإنسانُ مِن الخطابِ واختَصَّ به، شَمِلَهُ المعنى، فهو أزكى للزوجَيْنِ مِن أن يُفْتَنا، وأطهَرُ لهما مِن أنْ يقَعا في حرامٍ حالَ خلوِّهِما مِن نكاحٍ حلالٍ، وأطهَرُ لوليِّها أنْ يتسبَّبَ في إثمِهِما، وأطهَرُ لغيرِهِما مِن الناسِ أنْ تُفتَنَ المرأةُ برجلٍ أجنبيٍّ، أو يُفتَنَ الرجلُ بامرأةٍ أجنبيَّةٍ عنه، ففي الامتناعِ عنِ النكاحِ المشروعِ ذريعةٌ للممنوعِ، واللهُ لم يفتَحْ بابًا مِن الحلالِ إلاَّ ليُغلِقَ أبوابًا مِن الحرامِ، وإذا وقَعَ الناسُ في حرامٍ، فلأنّ الحلالَ سُدَّ أو ضُيِّقَ.
وهذا نظيرُ ما يُروى عنه ﷺ: (إذا خَطَبَ إلَيْكُمْ مَن تَرْضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ، فَزَوِّجُوهُ، إلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وفَسادٌ عَرِيضٌ) [[أخرجه الترمذي (١٠٨٤) (٣/٣٨٦)، وابن ماجه (١٩٦٧) (١/٦٣٢).]]، فجعَلَ امتناعَ الوليِّ عن إنكاحِ الزوجَيْنِ فتنةً عريضةً لغيرِهِما، فألحقَها بالأرضِ، ووصفَها بالعريضةِ، فلا يقَعُ الزِّنى إلاَّ لتعطيلِ حقِّ الزوجةِ بالإنكاحِ أو الإمساكِ بالمعروفِ، وحُسْنِ المَعشَرِ، والعدلِ في القَسْمِ، ولتعطيلِ الرجلِ مِن حقِّ النكاحِ أو التعدُّدِ، ويأتي بعد ذلك تجاوزُ المحرَّماتِ، كإطلاقِ البصَرِ، والخَلْوةِ، وغيرِهما.
ولأنّ هذه المعانِيَ دقيقةٌ، وإدراكَها صعبٌ إلاَّ على القِلَّةِ مِن أهلِ العقلِ، أضمَرَها ولم يَذْكُرْها، لأنّ ما لا تعي العقولُ عِلَّتَهُ يُترَكُ للتسليمِ به، حتّى لا يُكفَرَ به.
وهناكَ حِكْمةٌ أُخرى أيضًا في عدمِ ذِكْرِ أنواعِ فِتَنِ الفسادِ عندَ عدمِ إنكاحِ الوليِّ لابنتِهِ مِن رجلٍ صالحِ الدِّينِ والخُلُقِ، أو تمكينِ زوجَيْنِ مِن العودةِ بعد انفصالٍ، وذلك حتّى لا يَشُكَّ الوليُّ في مَوْلِيَّتِه، فيَتَّهِمَها لاتهامِ الشارعِ لها، فتفسُدَ البيوتُ بالظُّنُونِ، ولذا قال تعالى: ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ وأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: ٢١٦]، أيْ: ثَمَّةَ ما لا يُدرَكُ مِن حقائقِ التشريعِ وعِلَلِهِ، يَعْلمُهُ اللهُ، وتقصُرُ عنه العقولُ مهما بلغَتْ حِدَّةً وذَكاءً.
{"ayah":"وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ أَن یَنكِحۡنَ أَزۡوَ ٰجَهُنَّ إِذَا تَرَ ٰضَوۡا۟ بَیۡنَهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ ذَ ٰلِكَ یُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ مِنكُمۡ یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِۗ ذَ ٰلِكُمۡ أَزۡكَىٰ لَكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق