الباحث القرآني
قال اللهُ تعالى: ﴿ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصاصُ فِي القَتْلى الحُرُّ بِالحُرِّ والعَبْدُ بِالعَبْدِ والأُنْثى بِالأُنْثى فَمَن عُفِيَ لَهُ مِن أخِيهِ شَيءٌ فاتِّباعٌ بِالمَعْرُوفِ وأَداءٌ إلَيْهِ بِإحْسانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِن رَبِّكُمْ ورَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذابٌ ألِيمٌ ولَكُمْ فِي القِصاصِ حَياةٌ ياأُولِي الأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: ١٧٨ ـ ١٧٩].
يُخاطِبُ اللهُ أهلَ الإيمانِ ببيانِ حُكْمِ الحدودِ، وخاصَّةً القِصاصَ في القَتْلى، وأعادَ اللهُ نداءَهُ لأهلِ الإيمانِ مع تقدُّمِه قريبًا، لأهميَّةِ مضمونِ الخطابِ.
إقامةُ الحدودِ وفضلها:
وهذه الآيةُ مَدَنِيَّةٌ نزَلتْ على رسولِ اللهِ ﷺ في أوائلِ ما نزَلَ في المدينةِ، وفي هذا دليلٌ على عِظَمِ مشروعيَّةِ الحكمِ بحدودِ اللهِ، وأنّه أولُ المبادَراتِ التي ينبَغي أنْ يُبادِرَ بها الحاكمُ لنظامِ دولتِهِ وحُكْمِه، لأنّه تولّى أمْرَ العامَّةِ ونظامَها، ولا يَسَعُهُ إلا أنْ يحكُمَ بحكمِ اللهِ الذي ارتضاهُ في الأرضِ.
ضبطُ الشريعةِ للإنسانِ وحدُّها لأخطائهِ:
والشريعةُ جاءتْ بضبطِ حياةِ الفردِ وحياةِ الجماعةِ على أيِّ حالٍ، كما في الحديثِ الذي رواهُ أحمدُ والترمذيُّ، من حديثِ أبي ذرٍّ، أنّ النبيَّ ﷺ قال له: (اتَّقِ اللهَ حَيْثُما كُنْتَ...) [[أخرجه أحمد (٢١٣٥٤) (٥/١٥٣)، والترمذي (١٩٨٧) (٤/٣٥٥).]]، فالتقوى في كلِّ موضعٍ، وحياةُ الإنسانِ في نفسِهِ تُجعَلُ خاصَّةً له، فهو رقيبٌ عليها غالبًا، ولذا منَعَ اللهُ مِن التجسُّسِ عليه، قال تعالى: ﴿ولا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات: ١٢].
لأنّ بعضَ ما يفعلُهُ في خاصَّةِ نفسِه غيرُ ما يفعلُهُ عندَ الناسِ، فوُكِّلَ الإنسانُ على نفسِهِ رقيبًا، ولو نُسِبَ إليه فعلٌ محرَّمٌ في خاصَّةِ نفسِهِ بلا مجاهَرةٍ وكان يَستَتِرُ به، لا يجوزُ التجسُّسُ عليه ليُتحقَّقَ مِن ثبوتِ المحرَّمِ عليه، فاللهُ جعَلَهُ رقيبًا على نفسِه.
وقد جاء في «الصحيحِ»، مِن حديثِ النَّوّاسِ بنِ سِمْعانَ، مرفوعًا: (والإثْمُ: ما حاكَ فِي صَدْرِكَ، وكَرِهْتَ أنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النّاسُ) [[أخرجه مسلم (٢٥٥٣) (٤/١٩٨٠).]].
لأنّ رقابةَ الإنسانِ على نفسِهِ أعظمُ أثرًا مِن جعلِ غيرِهِ رقيبًا عليه، لأنّه يخلُو بنفسِهِ أكثَرَ مِن مخالطتِهِ للناسِ غالبًا، فجاءتِ النصوصُ وافرةً في تعظيمِ ذُنُوبِ الخَلَواتِ، وتعظيمِ التقوى وخشيةِ اللهِ في القلبِ، حتى يتوازنَ حِفْظُ النفسِ في السرِّ والعلنِ، لأنّ الإنسانَ في خاصَّتِهِ يضعُفُ وازِعُ الطبعِ عندَهُ، لأنّ الحياءَ مِن الناسِ يزولُ بزوالِهِ عنهم.
وإذا اتَّسَعَتْ دائرةُ عملِ الفردِ، اتَّسَعَتْ دائرةُ ضبطِ الشريعةِ له والمراقبةِ والحسابِ عليه، ويبدأُ بفعلِهِ الذي يفعلُهُ بنفسِهِ ويراهُ الناسُ عليه، فهو الفاعلُ والناسُ يَرَوْن، وهذا نوعُ مشاركةٍ وتأثيرٍ على الرائي، فجاء بابُ الإنكارِ للأفرادِ بمراتبِهِ وضوابطِهِ المعروفةِ، وإذا كان الأمرُ مرتبِطًا بأكثرَ مِن واحدٍ عملًا، كأفعالِ البيعِ والإجارةِ والنكاحِ، ازدادَ الضبطُ بحسَبِ الحالِ، حتى يكونَ أمرُ الأمَّةِ أكثرَ اتِّساعًا، كما في الحدودِ والعقوباتِ، والسياسةِ والحُكْمِ.
وقد كان النزولُ في المدينةِ، لأنّ حالَ المسلِمِينَ قبلَها في عدمِ استقرارٍ، ولم يكنْ لدى النبيِّ ﷺ نظامٌ عامٌّ ودولةٌ، لعدمِ وجودِ أسبابِها، لأنّه محارَبٌ لم يَقَرَّ له قرارٌ، ولا يَتْبَعُهُ كبيرُ أحَد، فكيف يُقيمُ نظامًا ولم تكنْ له منظومةٌ وبَلَد؟!
ثمَّ إنّ تعدِّيَ المشرَّدِ الطريدِ على أخيهِ الذي معه نادرٌ أو معدومٌ، لأنّ همَّهم عدوانٌ أكبرُ، وهو عداوةُ الكافرينَ، فيضعُفُ النظرُ إلى الدُّنيا في مِثْلِ هذه المواضعِ، ويُزهَدُ في الدُّنيا، ويَقِلُّ التنافُسُ عليها أو يُعدَمُ، فلن يَعتدِيَ بعضُهم على بعضٍ غالبًا.
متى أمَرَ اللهُ بإقامة الحدود، والحكمةُ مِن ذلك:
ولمّا كانتِ الحدودُ إنّما تُقامُ على محرَّماتٍ تُرتكَبُ، وآثامٍ تُقترَفُ، ناسَبَ تأخيرُ فرضِ الحدودِ، حتى يُقِرَّ الناسُ بتلك المحرَّماتِ والآثامِ، وأنّه لا يجوزُ الوقوعُ فيها، فلا تُناسِبُ العقوبةُ على أحدٍ لا يَعلَمُ بجُرمِ فِعْلِه، ولم يَسبِقْ فِعْلَهُ عِلْمٌ، كشربِ الخمرِ والزِّنى والقذفِ ونحوِها، فناسَبَ دعوةَ الناسِ إلى الإقرارِ بها قبلَ إنزالِ الحدِّ على المتجاوِزِ لها وعقوبتِهِ على جُرْمِه، وبيئةُ العربِ قبلَ الإسلامِ بيئةٌ طُمِسَتْ فيها معالمُ الشرائعِ السابقةِ، فجاءتِ الشريعةُ بالتدرُّجِ بالبيانِ أولًا ـ حتى يستقِرَّ في النفوسِ ـ ثمَّ بالعقوبةِ.
ولمّا استقرَّتِ الشريعةُ، وأحكَمَ اللهُ تنزيلَهُ، وأكمَلَ الدِّينَ للأمَّةِ، أوجَبَ على الأمَّةِ العملَ بكتابِهِ كلِّه ما أمكَنَ، لأنّ النبيَّ ﷺ إنّما لم يُقِمِ الحدَّ لأنّه لم يُؤمَرْ به، ولو أُمِرَ به لأقامَهُ، ولا يَسَعُه إلا ذلك، ولكنَّ اللهَ حكيمٌ في تشريعِهِ، لطيفٌ بعبادِه، حيثُ أجَّلَ إنزالَ الحدودِ وتدرَّجَ سبحانَهُ في ذلك، ولو كان المسلِمُ في حالٍ كحالِ النبيِّ في مكةَ في بيئةٍ يكونُ فيها مغتربًا في دينِه، ولا يُوافِقُهُ على عقيدتِهِ كبيرُ أحدٍ، فَلْيَدْعُ الناسَ إلى الإقرارِ بالحقِّ قبلَ الأمرِ بإقامةِ الحَدِّ على صاحِبِ الجُرْمِ، لأنّ العقوبةَ على ذنبٍ لا يُعلَمُ كونُه ذنبًا: تنفيرٌ مِن التصديقِ به.
حكمُ مَن كانت حالُهُ كحالِ النبيِّ في مكة:
والحاكمُ الذي يَستولِي على بلدٍ غيرِ مسلِمٍ، أو اندثَرَتْ معالمُ الإسلامِ فيه، ينبَغي أنْ يعلِّمَهم أمورَ الدِّينِ تدرُّجًا كما تدرَّجَ في تعليمِها النبيُّ ﷺ للمشرِكِينَ، وألاَّ يعلِّمَهم الإسلامَ جملةً أصولًا وفروعًا، حتى لا يَنفِرُوا منه، لأنّ الحاكمَ خليفةُ اللهِ في الأرضِ، ويتولّى تطبيقَ دينِهِ كما يُريدُهُ اللهُ، لا كما تَهْواهُ النفسُ بعَجَلةٍ أو تهاوُنٍ.
أحوالُ المسلمين، وحكمُ تحكيم الشريعة في كلِّ حالٍ:
وجماعةُ المسلِمينَ غالبًا على حالَيْنِ:
الحالُ الأُولى: حالةُ انتظامِ الدولةِ، وثباتِ الأمرِ، واستقرارِ النظامِ:
ففي هذه الحالةِ: لا يجوزُ لحاكمٍ أنْ يحكُمَ بغيرِ ما أنزَلَ اللهُ، إذا كان مَن يتولّى عليهم أهلَ إسلامٍ، وإذا كان مَن يتولّى عليهم غيرَ مسلِمينَ، فعلى ما تقدَّمَ بيانُه مِن التدرُّجِ.
وعلى المسلِمِين المحكومينَ ألاَّ يتحاكَمُوا إلا إلى دِينِ اللهِ وشَرْعِه، ومَن فضَّل التحاكُمَ إلى الأنظمةِ الوضعيَّةِ على الشريعةِ، ورأى أنّ الشريعةَ لا تصلُحُ للإنصافِ، أو لا تُناسِبُ عصرَهُ، ولا إقامةَ العدلِ في بلدِه ـ: فهذا الكفرُ الأكبرُ الذي لا يَختلِفُ فيه أحدٌ.
الحالُ الثانيةُ: حالةُ حربٍ وعدمِ استقرارٍ:
وذلك ألاَّ يكونَ للمسلِمِينَ مجتَمَعٌ يُؤْوِيهم وينضبِطُ فيه نظامُهم، ويثْبُتُ لهم فيه قرارٌ، فهذه الحالُ إنْ قامتْ مصلحةٌ في تركِ الحدِّ وعدمِ إقامتِهِ، فلهم ذلك، تركًا لعينِ النازلةِ، لا إسقاطًا للحكمِ بالكليَّةِ، أو تشريعًا لنظامٍ بديلٍ يَحُلُّ مَحَلَّ حُكْمِ اللهِ وحدودِه، لأنّ حُكمَ اللهِ ثابتٌ في القرآنِ والسُّنَّةِ، وثبوتُهُ قطعيٌّ، واستحلالُ تركِ العملِ به مطلقًا كُفْرٌ لا يختلِفُ العلماءُ فيه، وتقنينُ عقوبةٍ بديلةٍ ـ ولو لحدٍّ واحدٍ من حدودِ اللهِ ـ علامةٌ على أنّ الشريعةَ ما تُرِكَتْ إلا رغبةً عنها، واستحلالًا لتركِها.
وكلَّما استقَرَّ أمرُ دولةِ الإسلامِ وتمَّ نظامُها، شُدِّدَ في العملِ بحكمِ الإسلامِ ونظامِه.
وإذا كان للمسلِمِينَ دَوْلةٌ مستقِرَّةٌ، وبعضُ المسلِمِينَ في دارِ الحربِ، لجهادٍ ونحوِه، وأصابَ واحدٌ منهم في دارِ الحربِ حَدًّا ـ: فلا يخلُو الحدُّ مِن أحدِ نوعَيْنِ:
الأولُ: أنْ يكونَ الحدُّ حقًّا لعبدٍ، كمَن سَرَقَ مالًا، أو قتَلَ مسلِمًا متعمِّدًا، أو قطَعَ يدَهُ، فيجِبُ إقامتُهُ إنْ لم يَعْفُ صاحبُ الحقِّ وإنْ كانوا في حربٍ، كما فعَلَ النبيُّ ﷺ، فقد أخَذَ القِصاصَ وهو غازٍ في سَيْرِهِ إلى الطائفِ سنةَ ثمانٍ من الهجرةِ:
قال ابنُ إسحاقَ: «سلَكَ رسولُ اللهِ ﷺ على نَخْلَةَ اليَمانِيَةِ، ثمَّ على قَرْنٍ، ثمَّ على المُلَيْحِ، ثمَّ على بَحْرَةِ الرُّغاءِ من لِيَّةَ، فابتنى بها مسجدًا، فصلّى فيه»[[أخرجه ابن هشام في «السيرة» (٢/٤٨٢).]]، وقال ابنُ إسحاقَ: «فحدَّثَني عمرُو بنُ شُعَيْبٍ، أنّه أقادَ يـومـئـذٍ بـبَـحْـرَةِ الرُّغَـاءِ حـيـنَ نزَلَهـا بـدمٍ، وهـو أولُ دَمٍ أُقِيدَ به في الإسلامِ، رجلٌ مِن بني ليثٍ قتَلَ رجلًا مِن هُذَيْلٍ، فقتَلَه به»[[المصدر السابق، و«تاريخ الطبري» (٣/٨٣).]].
وأخرَجَه الطبريُّ مِن هذا الطريقِ، وهو معضَلٌ.
وأخرَجَهُ الواقديُّ في «مَغازيهِ»، قال: «حدَّثني عبدُ اللهِ بنُ يَزِيدَ، عن سعيدِ بنِ عَمْرٍو، قالَ: حَدَّثَنِي مَن رَأى...»، فذكَرَه[[«مغازي الواقدي» (٣/٩٢٤).]].
ولأميرِ الجيشِ أنْ يسعى في طلبِ العفوِ عن القاتلِ إذا خَشِيَ على القاتلِ الفِرارَ واللَّحاقَ بأهلِ الحربِ، ولا يجوزُ له إسقاطُهُ إنْ أبَوْا إلا القَوَدَ، لأنّ في هذا إقرارًا للظُّلْمِ، وجَلْبًا للفِتْنةِ بينَ الناسِ، ودفعًا للمظلومِ أنْ ينتصِرَ لنفسِهِ، فتكونُ فتنةٌ عامَّةٌ بدلًا مِن فتنةٍ خاصَّةٍ.
الثاني: في الحدودِ التي لا حَقَّ لأحدٍ فيها، وهي مِن حقِّ اللهِ تعالى، كحدِّ شربِ الخمرِ والزِّنى ونحوِهما، فهذه بحسَبِ الحالِ التي تترتَّبُ على فاعلِها، ويغلِبُ على ظنِّ أميرِ الجيشِ وأهلِ الحَلِّ والعَقْدِ مِن أهلِ مشورتِهِ حدوثُهُ منه، فإن كان يُخشى منه الفرارُ مِن المسلِمِينَ، واللَّحاقُ بأهلِ الحربِ، أو رجوعُهُ عن القتالِ، ورجوعُهُ يؤثِّرُ على عزيمةِ الناسِ وقُوَّتِهم ـ فالأَوْلى عدمُ إقامةِ الحدِّ عليه، وإرجاءُ ذلك إلى عودتِهم إنْ أمكَنَهُمْ ذلك قبلَ أنْ تصلُحَ حالُه، لأنّ تأخيرَ الحدِّ لمصلحةِ الإسلامِ أوْلى مِن تأخيرِ الحدِّ على الحاملِ والمُرضِعِ، لمصلحتِهِما أو مصلحةِ ولدِهما، كما ثبَتَ ذلك عن النبيِّ ﷺ[[أخرجه مسلم (١٦٩٥) (٣/١٣٢٣)، وأبو داود (٤٤٤٠) (٤/١٥١)، والترمذي (١٤٣٥) (٤/٤٢).]].
وذلك لأنّ التركَ لا يُعَدُّ تعطيلًا للحكمِ الثابتِ، وإنما هو تركٌ في نازلةٍ معيَّنةٍ لمصلحةٍ راجحةٍ، فتُلْحَقُ بحالِ النبيِّ ﷺ قبلَ هِجْرتِه، فاللهُ أخَّرَ الحدودَ على أمَّتِهِ لمصلحةِ الحالِ، ثمَّ أنزَلَها وأثبَتَها، وليس لأحدٍ أنْ يرفَعَ الحُكمَ العامَّ بحالٍ.
وحينئذٍ: فيكونُ تأخيرُ الحُكْمِ النازلِ على معيَّنٍ إلى حالِ القدومِ إلى بلدِ المسلِمِينَ في حالِ عدمِ صلاحِ المقترِفِ للحدِّ: أصلَحَ وأنسَبَ، وما حصَلَ إنّما هو تأجيلٌ، لا إسقاطٌ وإلغاءٌ.
ولو تأخَّرتْ إقامةُ الحدِّ زمنًا طويلًا وبَقِيَ الناسُ في الحربِ وصلَحَ الذي أصابَ حَدًّا، فلا يُناسِبُ إقامةُ حدِّ الخمرِ عليه بعدَ سِنِينَ صلَحَ فيها واستقامَ أمرُهُ، وربَّما كان قُدْوةً للناسِ، وذلك لأنّ المصلحةَ مِن إقامةِ الحدِّ تحقَّقتْ مع طولِ الزمنِ، وهذا في حالِ مَن صلَحَ رَغْبةً وامتدَّ صلاحُهُ حتى شَهِدَ الناسُ له بذلك، لا مَن صلَحَ خوفًا مِن الحدِّ فقامَتِ الرِّيبةُ فيه.
إقامةُ الحدودِ في دارِ الحربِ:
وإقامةُ الحدِّ في دارِ الحربِ ممّا اختلَفَ فيه أهلُ العلمِ على قولَيْنِ:
القولُ الأولُ: أنّ الحدودَ لا تُقامُ في دارِ الحربِ، وقال بهذا عمرُ بنُ الخطّابِ، وصحَّ عن حُذَيْفةَ بنِ اليَمانِ، وأبي مسعودٍ، وسعدِ بنِ أبي وقّاصٍ، وهو قولُ الأوزاعيِّ، وأبي حنيفةَ، وأبي يوسُفَ، وأحمدَ، وإسحاقَ، على خلافٍ عندَهم في إقامتِهِ بعدَ الرجوعِ إلى بلدِ الإسلامِ[[ينظر: «المغني» لابن قدامة (٩/٣٠٨).]].
وقال أبو حنيفةَ: لا حدَّ ولا قِصاصَ في دارِ الحربِ، ولا إذا رجَعَ، إلا إذا غزا مَن له وِلايةُ الإقامةِ بنفسِه، كالخليفةِ وأميرِ المِصْرِ، يُقيمُ الحَدَّ على مرتكبِيهِ، لأنّه تحتَ يدِه، بخلافِ أميرِ العسكرِ والسَّرِيَّةِ، لأنّه لم تفوَّضْ إليهما الإقامةُ، ولا تُقامُ الحدودُ بعدَ الرجوعِ إلى بلادِ الإسلامِ، لأنّه عندَما ارتَكَبَ الحدَّ في دارِ الحربِ، لم يكنْ للإمامِ عليه قدرةٌ، فلم تنعقِدْ موجبةً، فلا تنقلِبُ موجِبةً بعدَ الخروجِ مِن دارِ الحربِ[[ينظر: «البحر الرائق» (٥/١٨).]].
وأصحابُ الرأيِ يرَوْنَ أنّ مَن يُقيمُ الحدودَ هو أميرُ المِصْرِ، وليس للمسلِمِينَ أنْ يُنِيبُوا أحدًا منهم وهم في سَفَرٍ أو حَرْبٍ، فيُقِيمَ الحدَّ على مَن أصابَ الحَدَّ منهم.
وظاهرُ مذهبِ الحنابلةِ، وقولُ إسحاقَ: أنّ الحدودَ لا تُقامُ في الحربِ، لكنْ تُقامُ عندَ الرجوعِ[[تقدم تخريجه. وينظر: «المغني» لابن قدامة (٩/٣٠٨).]].
ويُستدَلُّ على عدمِ إقامةِ الحدِّ في دارِ الحربِ بما رواهُ عبدُ الرزّاقِ ـ وعنه ابنُ المنذرِ في «الأوسطِ» ـ مِن حديثِ ابنِ عُيَيْنةَ، وأخرَجَهُ سعيدٌ وابنُ أبي شَيْبةَ، عن عيسى بنِ يونسَ، كلاهما عن الأعمشِ، عن النَّخَعيِّ، عن عَلْقمةَ، قالَ: «أصابَ أمِيرُ الجَيْشِ ـ وهُوَ الوَلِيدُ بنُ عُقْبَةَ ـ شَرابًا فَسَكِرَ، فَقالَ النّاسُ لأَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصارِيِّ ـ أوِ ابنِ مَسْعُودٍ ـ وحُذَيْفَةَ بنِ اليَمانِ: أقِيما عَلَيْهِ الحَدَّ، فَقالا: لا نَفْعَلُ، نَحْنُ بِإزاءِ العَدُوِّ، ونَكْرَهُ أنْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ، فَتَكُونَ جُرْأَةٌ مِنهُمْ عَلَيْنا وضَعْفٌ بِنا»[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٩٣٧٢) (٥/١٩٧)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢٨٨٦٣) (٥/٥٤٩)، وسعيد بن منصور في «سننه» (٢٥٠١) (٢/٢٣٥)، وابن المنذر في «الأوسط» (٦٦٧) (١١/٢٧٨).]]، وهو صحيحُ الإسنادِ عن علقمةَ.
واحتُجَّ أيضًا: بما رواهُ أبو يوسفَ ـ وعنه الشافعيُّ، وعنه البيهقيُّ في «سننِه» ـ قال أبو يوسفَ: «حدَّثَنا بعضُ أشياخِنا، عن مكحولٍ، عن زيدِ بنِ ثابتٍ، أنّه قال: لا تُقامُ الحدودُ في دارِ الحربِ، مخافةَ أنْ يَلحَقَ أهلُها بالعدوِّ»[[أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٩/١٠٥).]].
ومكحولٌ لم يسمعْ مِن زيدِ بنِ ثابتٍ، قاله أحمدُ بنُ حنبلٍ[[أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٩/١٧٨)، و«معرفة السنن والآثار» (١٣/٢٧٢) وينظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص٢١١).]]، وشيخُ أبي يوسفَ لا يُعرَفُ.
وروى سعيدُ بنُ منصورٍ، عن الأحوَصِ بنِ حَكِيمٍ، عن أبيهِ، أنّ عمرَ بنَ الخطابِ رضي الله عنه كتَبَ إلى الناسِ: «أنْ لا يَجْلِدَنَّ أميرُ جيشٍ ولا سَريَّةٍ رجلًا مِن المسلِمينَ حدًّا وهو غازٍ حتى يقطَعَ الدربَ قافلًا، لئلا تَلحَقَهُ حميَّةُ الشيطانِ، فيلحَقَ بالكفارِ»[[أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (٢٥٠٠) (٢/٢٣٥).]].
والأحوصُ ضعيفُ الحفظِ[[ينظر: «الضعفاء» للنسائي (١/٢٠)، و«الضعفاء الكبير» للعقيلي (١/١٢٠)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٢/٣٢٨).]]، ولكنْ قد تابَعَهُ ثورٌ، كما رواهُ أبو يوسفَ، عن ثَوْرِ بنِ يزيدَ، عن حَكِيمِ بنِ عُمَيْرٍ، أنّ عمرَ كتَبَ إلى عُمَيْرِ بنِ سعدٍ الأنصاريِّ وإلى عمّالِهِ: «أنْ لا تُقِيمُوا حدًّا على أحدٍ مِن المسلِمينَ في أرضِ الحربِ، حتى يخرُجُوا إلى أرضِ المصالَحةِ»[[أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٩/١٠٥)، و«معرفة السنن والآثار» (١٨١٥٥) (١٣/٢٧٢).]].
ورواهُ ابنُ أبي شَيْبةَ في «مصنَّفِه»، عن ابنِ المباركِ، عن أبي بكرِ بنِ أبي مريمَ، عن حَكِيمِ بنِ عُمَيْرٍ، به، بنحوِه[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢٨٨٦١) (٥/٥٤٩).]].
ورواهُ البخاريُّ في «التاريخِ»، والحسنُ بنُ موسى الأشيبُ في «جُزْئِه»، مِن طريقِ حسانَ بنِ زاهرٍ، أنّ حُصَيْنَ بنَ حُدَيْرٍ أخبَرَهُ: أنّه سَمِعَ عمرَ بنَ الخطابِ يقولُ: «لا تُقطَعُ اليدُ في الغزوِ ولا عامَ سَنَةٍ»[[أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (٣/٤)، والحسن بن موسى الأشيب في «جزئه» (٧) (١/٣٤).]].
وحَسّانُ وحصينٌ فيهما جهالةٌ، ذكَرَهما البخاريُّ وابنُ أبي حاتمٍ، ولم يذكُرا فيهما جرحًا ولا تعديلًا[[ينظر: «التاريخ الكبير» للبخاري (٣/٤) و(٣/٣٣)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٢/١٩٢)، و(٢/٢٣٦).]].
ورواهُ عبدُ الرزّاقِ، عن ابنِ جُرَيْجٍ، قال: «أخبَرَني بعضُ أهلِ العلمِ أنّ عمرَ بنَ الخطابِ كتَبَ...»، فذكَرَه بمعنى اللفظِ الأولِ[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٩٣٧٠) (٥/١٩٧).]].
وهي طرُقٌ يؤكِّدُ بعضُها بعضًا في ثبوتِ ذلك عن عمرَ.
ورُوِيَ عن عمرَ بنِ الخطابِ خلافُهُ، ويأتي بيانُ الجمعِ بينَهما ـ بإذنِ اللهِ ـ لو صحَّ الخلافُ.
وروى سعيدُ بنُ منصورٍ، عن إسماعيلَ بنِ عَيّاشٍ، وابنُ أبي شَيْبةَ، عن ابنِ المبارَكِ، كلاهُما عن أبي بكرِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أبي مريمَ، عن حُمَيْدِ بنِ رُومانَ: «أنّ أبا الدرداءِ نَهى أنْ يُقامَ على أحدٍ حدٌّ في أرضِ العدوِّ»[[أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (٢٤٩٩) (٢/٢٣٤)، وابن أبي شيبة (٢٨٨٦٢) (٥/٥٤٩).]]، واللفظُ لابنِ أبي شَيْبةَ.
ورُوِيَ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ، عندَ عبدِ الرزّاقِ، مِن حديثِ الحسنِ، عنه[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٩٣٧٣) (٥/١٩٨).]]، وفي إسنادِه جهالةٌ، والحسنُ لم يسمعْ مِن عليٍّ[[ينظر: «جامع التحصيل» (ص١٦٣).]].
واستُدِلَّ بحديثِ بُسْرِ بنِ أبي أرْطاةَ، أنّه أُتِيَ بسارقٍ وقد سرَقَ بُخْتِيَّةً، فقال: سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: (لا تُقْطَعُ الأَيْدِي فِي السَّفَرِ) [[أخرجه أحمد (١٧٦٢٧) (٤/١٨١)، وأبو داود (٤٤٠٨) (٤/١٤٢)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٩/١٠٤).]].
وهذا الحديثُ منكَرٌ، وتفرَّدَ به الشاميُّونَ، ولا يُعرَفُ عن النبيِّ ﷺ مِن غيرِ هذا الوجهِ.
قال البيهقيُّ: «هذا إنّما يُروى بإسنادٍ شاميٍّ عن بُسْرٍ، وكان أهلُ المدينةِ يُنكِرونَ أنْ يكونَ بُسْرٌ سمِعَ من النبيِّ ﷺ»[[«السنن الكبرى» (٩/١٠٤)، و«معرفة السنن» (١٣/٢٧٢).]].
وقال الواقديُّ: «بُسْرُ بنُ أبي أرطاةَ أدرَكَ النبيَّ ﷺ صغيرًا ولم يسمعْ منه شيئًا»[[ينظر: «تهذيب الكمال» (٤/٦٩)، و«ميزان الاعتدال» (١/٣٠٩).]].
وقال بعدمِ سماعِه أيضًا أحمدُ وابنُ مَعِينٍ وغيرُهما[[ينظر: «تاريخ ابن معين» «دوري» (٣/١٥٢).]].
وبُسْرٌ تكلَّمَ فيه غيرُ واحدٍ مِن الحُفّاظِ، قال ابنُ معينٍ: «بُسْرُ بنُ أبي أرطاةَ رجلُ سوءٍ»[[ينظر: «تاريخ ابن معين» «دوري» (٤/٤٤٨).]].
قال أحمدُ: «وذلك لما قد انتشَرَ مِن سوءِ فِعْلِهِ في قتالِ أهلِ الحَرَّةِ»[[ينظر: «معرفة السنن والآثار» (١٣/٢٧٢).]].
والقولُ بأنّ الحدودَ لا تُقامُ في دارِ الحربِ هو الأرجحُ والأقربُ لمقاصدِ التشريعِ، والأشهرُ في المنقولِ عن الصدرِ الأولِ، وليس المرادُ منه إسقاطَ الحدِّ ولا تبديلَهُ، وإنّما تأخيرُهُ إلا إنْ طالَ الأمدُ وصَلَحَتْ حالُ مَن أصابَ حدًّا واشتهَرَ صلاحُهُ، فلا حرَجَ مِن درءِ الحدِّ عنه.
القولُ الثاني: وجوبُ إقامةِ الحدودِ في كلِّ حالٍ، وهو قولُ مالكٍ، والشافعيِّ، والليثِ، وأبي ثورٍ[[ينظر: «المدونة» (٤/٥٤٦)، و«الأم» للشافعي (٧/٣٧٤).]].
قال الشافعيُّ: «فإنْ لَحِقَ بالمشرِكِينَ مَن أُقِيمَ عليه الحدُّ، فهو أشقى له، ومَن ترَكَ الحدَّ خوفَ أنْ يَلْحَقَ المحدودُ ببلادِ المشركينَ، ترَكَهُ في سواحلِ المسلِمينَ ومَسالِحِهم التي تتَّصلُ ببلادِ الحربِ»[[ينظر: «الأم» للشافعي (٧/٣٧٥) و«المجموع» (١٩/٣٣٩).]].
وقال الليثُ بنُ سعدٍ: «ما رأيتُ أحدًا ولا سَمِعْتُ أنّه يَرُدُّ حدًّا أنْ يُقِيمَهُ في أرضِ العدوِّ قديمًا ولا حديثًا إذا وجَبَ على صاحِبِه»[[ينظر: «الأوسط» لابن المنذر (١١/٢٧٨).]].
وقال أيضًا في الأُسارى: «يَجعَلُونَ عليهم رجلًا منهم يُقِيمُ الحدودَ فيهم إذا خُلِّيَ بينَهم وبينَ ذلك»[[المصدر السابق.]].
وفي نفيِ الليثِ نظرٌ، وقد عُلِمَ صِحَّتُهُ عن حُذَيْفةَ، وأبي مسعودٍ، ورُوِيَ عن عمرَ مِن طُرُقٍ متعدِّدةٍ يشُدُّ بعضُها بعضًا[[تقدم تخريجه.]].
وأمّا ما رواهُ أبو داودَ في «المراسيلِ»، عن مكحولٍ، عن عبادةَ بنِ الصامتِ، أنّ نبيَّ اللهِ ﷺ قال: (أقِيمُوا الحُدُودَ في السَّفَرِ والحَضَرِ، عَلى القَرِيبِ والبَعِيدِ، ولا تُبالُوا في اللهِ لَوْمَةَ لائِمٍ) [[أخرجه أبو داود في «المراسيل» (٢٤١) (١/٢٠٣).]] ـ: فمكحولٌ لم يسمعْ مِن عُبادةَ[[ينظر: «تحفة التحصيل» (١/٣١٤).]].
وروى البيهقيُّ في «سُنَنِه»، وابنُ عساكرَ في «تاريخِ دمشقَ»، من حديثِ سَلَمةَ بنِ الفضلِ الأنصاريِّ، حدَّثَني محمدُ بنُ إسحاقَ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ الحارثِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عَيّاشِ بنِ أبي رَبِيعةَ، عن عبدِ اللهِ بنِ عروةَ بنِ الزُّبَيْرِ، ويحيى بنِ عُرْوةَ بنِ الزُّبَيْرِ، كلاهما عن عروةَ بنِ الزُّبَيْرِ، عن أبي عُبَيْدةَ بنِ الجَرّاحِ: «أنّه كتَبَ إلى عمرَ في إقامةِ الحدِّ على عبدِ بنِ الأَزْوَرِ، وضِرارِ بنِ الخطابِ، وأبي جَنْدَلٍ، وكانوا قد شَرِبوا، وكان ذلك بحضرةِ العدوِّ، فسألَهُ عبدُ بنُ الأَزْوَرِ أنْ يؤخِّرَ ذلك حتى يَرجِعَ الكتابُ، ولعلَّ اللهَ أنْ يُكْرِمَهُمْ بالشهادةِ، فقُتِلَ عبدُ بنُ الأزورِ حينَ التقى الناسُ قبلَ أنْ يَرجِعَ الكتابُ، فلمّا رجَعَ، حدَّهما»[[أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٩/١٠٥)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (٢٥/٣٠٣).]].
وسلمةُ بنُ الفضلِ الأَبْرَشُ الأنصاريُّ، أبو عبدِ اللهِ الأزرقُ الرازيُّ، قاضي الريِّ، متكلَّمٌ فيه، تكلَّمَ فيه أهلُ بلدِه، نقَلَه أبو زُرْعةَ وضعَّفَهُ ابنُ راهَوَيْهِ والنَّسائيُّ، وقال البخاريُّ: عندَه مناكيرُ، وفيه نظرٌ[[ينظر: «التاريخ الكبير» للبخاري (٤/٨٤)، و«الضعفاء والمتروكون» للنسائي (١/٤٧)، و«ميزان الاعتدال» (٢/١٩٢).]].
قال عليُّ بنُ المَدِينِيِّ: «ما خرَجْنا مِن الريِّ حتى رُمِينا بحديثِ سَلَمةَ»[[ينظر: «الضعفاء» لأبي زرعة (٢/٣٦٣)، و«الضعفاء» للعقيلي (٢/١٥٠).]].
وقال أبو حاتمٍ: «محلُّهُ الصدقُ، في حديثِه إنكارٌ، يُكتَبُ حديثُهُ، ولا يُحتجُّ به»[[ينظر: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٤/١٦٩).]].
وقال ابنُ عديٍّ: «عندَهُ غرائبُ وإفراداتٌ، ولم أجِدْ في حديثِه حديثًا قد جاوَزَ الحدَّ في الإنكارِ، وأحاديثُه مُتقارِبةٌ محتَمَلةٌ»[[ينظر: «الكامل» لابن عدي (٤/٣٧٠).]].
وقال البيهقيُّ: «غيرُ قويٍّ»[[ينظر: «معرفة السنن والآثار» (١٤/٣٤٣).]].
وبعضُ العلماءِ يُوثِّقونَهُ، فقد وثَّقَهُ يحيى بنُ معينٍ، وابنُ سعدٍ[[ينظر: «تاريخ ابن معين» «محرز» (١/٨٣).]].
وحديثُهُ عن ابنِ إسحاقَ أمْثَلُ حديثِهِ، فهو مِن أهلِ السِّيَرِ والمغازي، وراويةٌ لسِيَرِ ابنِ إسحاقَ، قال ابنُ معينٍ: «سمِعتُ جريرًا يقولُ: ليس مِن لَدُنْ بغدادَ إلى أنْ تبلُغَ خُراسانَ أثبَتُ في ابنِ إسحاقَ مِن سَلَمةَ بنِ الفضلِ»[[ينظر: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٤/١٦٩).]].
وعبدُ الرحمنِ بنُ الحارثِ متكلَّمٌ فيه، ضعَّفَه ابنُ المدينيِّ، وقال أبو حاتمٍ: «شيخٌ»، وقال النَّسائيُّ: «ليس بالقويِّ»[[ينظر: «الجرح والتعديل» (٥/٢٢٤)، و«ميزان الاعتدال» (٢/٥٥٤).]].
وقال أحمدُ: «متروكٌ»، كما نقَلَهُ أبو الفرجِ ابنُ الجَوْزيِّ في كتابِه «التحقيقِ»[[ينظر: «موسوعة أقوال أحمد» (٢/٣٢٢).]].
وقوّى حديثَهُ ووثَّقَهُ بعضُهم، كابنِ سعدٍ، وابنِ حبانَ، وصحَّحَ له الترمذيُّ وابنُ خُزَيْمةَ شيئًا[[ينظر: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (٥/٣٩٤).]].
وأخرَجَهُ عبدُ الرزّاقِ، عن ابنِ جُرَيْجٍ، قال: «أُخبِرْتُ أنّ أبا عُبَيْدةَ...»، فذكَرَ معناهُ[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (١٧٠٧٨) (٩/٢٤٤).]]، وهو مرسَلٌ.
وهذا الخبرُ لو صحَّ، ففي كتابةِ أبي عُبَيْدةَ بنِ الجَرّاحِ لعمرَ دليلٌ على أنّ تأجيلَ الحدودِ في الغزوِ محلُّ اجتهادٍ، وأبو عُبَيْدةَ فقيهٌ لا يستشيرُ في القطعيِّ مِن الدِّينِ، وفتوى عمرَ له بالحدِّ، لتلك الحالِ التي ظهَرَ معها التشديدُ على الشاربِ، لأنّ أبا جندلٍ أظهَرَ استدلالَهُ على شُرْبِه، بقولِهِ تعالى: ﴿لَيْسَ عَلى الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إذا ما اتَّقَوْا وآمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ [المائدة: ٩٣]، وهذه شُبْهةٌ لو سَرَتْ في الناسِ وتُرِكَ أبو جَنْدَلٍ لأَجْلِها، لاستحَلَّ الناسُ الخمرَ، وهذه فِتْنةٌ، ولذا كتَبَ عمرُ لأبي عُبَيْدةَ: «إنّ الذي زَيَّنَ لأبي جندلٍ الخطيئةَ، زيَّنَ له الخصومةَ، فاحْدُدْهم»[[المصدر السابق.]].
وقولُ اللَّهِ تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ﴾، أيْ: فُرِضَ وأُلزِمَ.
والكَتْبُ: هو الجمعُ، في اللغةِ.
والقِصاصُ: هو عقوبةُ الجاني بمِثْلِ ما جَنى، والقِصاصُ مِن «قَصَّ»، أيِ: اتَّبَعَ، والمرادُ: تتبُّعُ أثرِ الشيءِ ومطابقةُ اللاحقِ للسابقِ، أيِ: العقوبةُ بمِثلِ العقوبةِ السابقةِ.
وقَصَصْتُ أثرَهُ وقَصَّيْتُهُ: اتَّبَعْتُهُ قَصَصًا، قال تعالى: ﴿وقالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ [القصص: ١١]، وقال تعالى: ﴿فارْتَدّا عَلى آثارِهِما قَصَصًا ﴾ [الكهف: ٦٤].
والقِصاصُ يكونُ في النفسِ وفي الجروحِ، وذلك لقولِهِ في سورةِ المائدةِ: ﴿والجُرُوحَ قِصاصٌ﴾ [٤٥].
المساواةُ في القِصاصِ:
وفي الآيةِ: دليلٌ على مساواةِ المؤمنينَ في الدماءِ: الوضيعَ والرفيعَ، والذَّكَرَ والأُنثى، ولا خلافَ عندَ العلماءِ أنّ القِصاصَ يتساوى بينَ الذَّكَرِ والأُنثى، والعبدِ والعبدِ.
الخلافُ في القصاصِ بين الحرِّ والعبد:
واختلَفُوا في القِصاصِ بينَ الحُرِّ والعبدِ:
فذهَبَ جمهورُ العلماءِ: إلى أنّ الحُرَّ لا يُقتَلُ بالعبدِ، قال به مالكٌ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ[[ينظر: «الأم» للشافعي (٦/٢٦)، و«مسائل أحمد وإسحاق بن راهويه» (٧/٣٣٣٢)، و«المغني» (٨/٢٧٨).]]، وهو قولُ أبي بكرٍ، وعمرَ، فقد روى ابن أبي شيبة والدارقطنيُّ والبيهقيُّ، مِن حديثِ عمرِو بنِ شعيبٍ، عن أبيهِ، عن جدِّه: «أنّ أبا بكرٍ وعمرَ كانا لا يَقتُلانِ الحُرَّ بقتلِ العبدِ»[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢٧٥١٥) (٥/٤١٣)، والدارقطني في «سننه» (٣٢٥٥) (٤/١٥٥)، والبيهقي في «سننه الكبرى» (٨/٣٤)، وغيرهم.]]، وقال به أكثرُ فقهاءِ الحجازِ، كعطاءٍ، وعمرِو بنِ دِينارٍ، وعِكْرِمةَ، والزُّهْريِّ، وهو قولُ الحسنِ[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (١٨١٣٦، ١٨١٣٨) (٩/٤٩٠)، و(١٨١٤٠، ١٨١٤١) (٩/٤٩١)، و(١٨١٥٨) (١٠/٦).]].
وقيَّدَهُ الشافعيُّ بمشيئةِ الحُرِّ أنْ يُقتَصَّ منه.
وعلَّلَ غيرُ واحدٍ ممَّن قال بعدمِ التكافؤِ في الدماءِ، بأنّ الحُرَّ كاملُ الأمرِ في أحكامِ الإسلامِ، والعبدَ ناقصٌ في أحكامِ الإسلامِ.
ورُوِيَ في البابِ حديثُ ابنِ عباسٍ عن عمرَ، مرفوعًا: (لا يُقادُ مَمْلُوكٌ مِن مالِكِهِ، ولا ولَدٌ مِن والِدِهِ) [[أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٢٨٥٦) (٢/٢٣٤)، والبيهقي في «سننه الكبرى» (٨/٣٦)، وغيرهما.]]، ولا يصحُّ.
وذهَبَ أهلُ الكوفةِ ـ كأبي حنيفةَ، وأصحابِهِ ـ إلى تساوِي القِصاصِ بينَ الحرِّ والعبدِ، وقال به الثوريُّ، وابنُ أبي ليلى، والنَّخَعيُّ.
وصحَّ القولُ به عن سعيدِ بنِ المسيَّبِ، رواهُ عبدُ الرزّاقِ، مِن حديثِ سُهَيْلِ بنِ أبي صالحٍ، عن ابنِ المسيَّبِ، قال: «يُقْتَلُ به، لو كانُوا مِئَةً، لَقَتَلْتُهُمْ به»[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (١٨١٣٢) (٩/٤٨٩).]].
وفيه حديثُ الحسنِ، عن سَمُرةَ بنِ جندبٍ، مرفوعًا: (مَن قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْناهُ، ومَن جَدَعَهُ جَدَعْناهُ) [[أخرجه أحمد (٢٠١٢٢) (٥/١١)، وأبو داود (٤٥١٥) (٤/١٧٦)، وغيرهما.]]، رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، وغيرُهما، ولا يصحُّ، فقد أنكَرَ شُعْبةُ وابنُ مَعِينٍ وغيرُهما سماعَ الحسنِ مِن سَمُرةَ، والحسنُ البصريُّ ـ راوِي الحديثِ عن سَمُرةَ ـ قال بخلافِه[[«تاريخ ابن معين» «دوري» (٤/٢٢٩).]].
ولا يصحُّ في البابِ شيءٌ في السُّنَّةِ، وإنّما هو قولٌ لبعض السلفِ مِن الصحابةِ والتابِعِينَ.
ورُوِيَ عن عليٍّ قولانِ في البابِ، ولا يصحُّ.
والأصحُّ القولُ الأوَّلُ، لأنّه قولُ أبي بكرٍ وعمرَ، ولا يَنْبَغي أن يجتمِعا على قولٍ، ويكونُ الصوابُ في قولِ غيرِهما، ولا يجتمعانِ إلا على أثرٍ وسُنَّةٍ، ولأجلِ هذا مالَ أئمَّةُ الأثرِ إلى قولِهما، مالكٌ، والشافعيُّ، وأحمدُ.
وقولُ اللَّهِ تعالى: ﴿ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِن رَبِّكُمْ ورَحْمَةٌ﴾، التخفيفُ بالدِّيَةِ، ولم تكنِ الديةُ حُكْمًا لدى بني إسرائيلَ، وإنّما القِصاصُ في العَمْدِ، ولكنَّ اللهَ خَفَّفَ على هذه الأُمَّةِ بجوازِ عفوِ أولياءِ الدمِ وقَبُولِ الديةِ أو العفوِ عنها أيضًا، وهذا مِن تمامِ رحمةِ اللهِ بأمَّةِ محمدٍ وتخفيفِهِ عليها.
روى ابنُ أبي حاتمٍ، عن سُفْيانَ بنِ عُيَيْنَةَ، عن عمرِو بنِ دِينارٍ، عن مجاهِدٍ، عن ابنِ عَبّاسٍ، قال: كان فِي بني إسْرائِيلَ القِصاصُ، ولم تَكُنْ فيهمُ الدِّيَةُ، فقالَ اللَّهُ عزّ وجل لهذِهِ الأُمَّةِ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصاصُ فِي القَتْلى﴾ [[«تفسير ابن أبي حاتم» (١/٢٩٣).]].
وروى ابنُ أبي حاتمٍ في «تفسيرِه»، مِن حديثِ عَلِيِّ بنِ أبي طَلْحة، عَنِ ابن عَبّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿والأُنْثى بِالأُنْثى﴾: «وذَلِكَ أنَّهُمْ كانُوا لا يَقْتُلُونَ الرَّجُلَ بِالمَرْأَةِ، ولَكِنْ كانُوا يَقْتُلُونَ الرَّجُلَ بِالرَّجُلِ، والمَرْأَةَ بِالمَرْأَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعالى: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ والعَيْنَ بِالعَيْنِ﴾ [المائدة: ٤٥]، فَجَعَلَ الأَحْرارَ فِي القِصاصِ سَواءً فِيما بَيْنَهُمْ فِي العَمْدِ، سَواءً رِجالُهُمْ ونِساؤُهُمْ، فِي النَّفْسِ وما دُونَ النَّفْسِ، وجَعَلَ العَبِيدَ مُسْتَوِينَ فِيما بَيْنَهُمْ فِي العَمْدِ، وفِي النَّفْسِ وفِيما دُونَ النَّفْسِ، رِجالُهُمْ ونِساؤُهُمْ»[[«تفسير ابن أبي حاتم» (١/٢٩٤).]].
والعفوُ: قَبُولُ الديةِ، ومَن عُفِيَ عنه، فليُؤَدِّ الديةَ بالمعروفِ، شكرًا لفضلِ أهلِ الفضلِ، روى ابنُ أبي حاتمٍ، عن عمرِو بنِ دِينارٍ، عن مجاهِدٍ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿فَمَن عُفِيَ لَهُ مِن أخِيهِ شَيءٌ﴾: فالعَفْوُ في أنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ في العَمْدِ.
ورُوِيَ عن جابِرِ بنِ زَيْدٍ، وأبي العالِيةِ، ومجاهِدٍ، وعطاءٍ، وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، ومقاتِلٍ، والحسنِ ـ نحوُ ذلكَ[[«تفسير ابن أبي حاتم» (١/٢٩٣).]].
وعن عمرِو بنِ دِينارٍ، عن مجاهِدٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو: ﴿وأَداءٌ إلَيْهِ بِإحْسانٍ﴾، قال: «ذلكَ في الدِّيَةِ»[[«تفسير ابن أبي حاتم» (١/٢٩٦).]].
والعدوانُ بعدَ الديةِ مِن أولياءِ المقتولِ ظُلْمٌ وعُدْوانٌ جديدٌ، فالديةُ تَجُبُّ ما قبلَها، وتَنزِعُ أصلَ الحقِّ كلِّه، فلا يجوزُ لِمَن قَبِلَ الديةَ أنْ تأخُذَهُ الحميَّةُ فيَعتدِيَ، فذلك متوعَّدٌ بالعذابِ الأليمِ، وهو الموجِعُ المؤلِمُ.
والقِصاصُ حياةٌ للبشرِ، أيْ: حافِظٌ وضابِطٌ لأمنِ أنفسِهم، فإذا اقتُصَّ مِن أحدٍ، اعتبَرَ غيرُهُ وخافَ، وحَيِيَتْ نفوسٌ بالنفسِ المُقادةِ بالقِصاصِ، ولا يُدرِكُ أبعادَ هذه الحِكَمِ إلا صاحبُ عَقْلٍ ولُبٍّ، وأمّا مَن نظَرَ إلى الحُكْمِ بالنظرِ إلى حالةِ فردٍ أو أفرادٍ، فقد ظلَمَ في حُكْمِه، لعدمِ انتفاعِه بلُبِّهِ وعَقْلِه.
{"ayahs_start":178,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِی ٱلۡقَتۡلَىۖ ٱلۡحُرُّ بِٱلۡحُرِّ وَٱلۡعَبۡدُ بِٱلۡعَبۡدِ وَٱلۡأُنثَىٰ بِٱلۡأُنثَىٰۚ فَمَنۡ عُفِیَ لَهُۥ مِنۡ أَخِیهِ شَیۡءࣱ فَٱتِّبَاعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَأَدَاۤءٌ إِلَیۡهِ بِإِحۡسَـٰنࣲۗ ذَ ٰلِكَ تَخۡفِیفࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ وَرَحۡمَةࣱۗ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِیمࣱ","وَلَكُمۡ فِی ٱلۡقِصَاصِ حَیَوٰةࣱ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِی ٱلۡقَتۡلَىۖ ٱلۡحُرُّ بِٱلۡحُرِّ وَٱلۡعَبۡدُ بِٱلۡعَبۡدِ وَٱلۡأُنثَىٰ بِٱلۡأُنثَىٰۚ فَمَنۡ عُفِیَ لَهُۥ مِنۡ أَخِیهِ شَیۡءࣱ فَٱتِّبَاعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَأَدَاۤءٌ إِلَیۡهِ بِإِحۡسَـٰنࣲۗ ذَ ٰلِكَ تَخۡفِیفࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ وَرَحۡمَةࣱۗ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق