الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿أوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنهُمْ بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: ١٠٠].
عَهِدَ اللهُ إلى أهلِ الكتابِ ـ وخاصَّةً اليهودَ، لشدةِ عنادِهم، وتلبيسِهم الحقَّ بالباطلِ ـ أنّه إذا بُعِثَ محمدٌ ﷺ أنْ يُؤمِنوا به، وذكَرَ شيئًا مِن وصفِه في التوراةِ والإنجيلِ يَعرِفونَهُ به، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ والإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ ويُحِلُّ لَهُمُ الطِّيِّباتِ ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبائِثَ ويَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ والأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: ١٥٧].
عهدُ اللهِ إلى بني إسرائيل الإيمان بمحمد ﷺ:
بيَّنَ اللهُ لهم شيئًا مِن شِرْعَتِهِ القادمةِ عليهم، وما يُحِلُّ لهم وما يحرِّمُ، وأولُ أعمالِ النبيِّ ﷺ في التوراةِ: الأمرُ بالمعروفِ، والنهيُ عن المنكرِ، وذكَرَ عيسى لهمُ اسمَهُ، وهو كذلك في الإنجيلِ، قال تعالى: ﴿وإذْ قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَم يابَنِي إسْرائِيلَ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ ومُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أحْمَدُ فَلَمّا جاءَهُمْ بِالبَيِّناتِ قالُوا هَذا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [الصف: ٦].
وهذا غايةٌ في التعريفِ والبيانِ، ومع هذا الوضوحِ أخَذَ اللهُ عليهم العهدَ لَيُؤْمِنُنَّ به ولَيَتَّبِعُنَّه، وقد كان التشديدُ مِن اللهِ على بني إسرائيلَ واليهودِ خاصَّةً في أمرِ اتِّباعِ محمدٍ ﷺ، لأمورٍ، منها:
أولًا: أنّهم هم أقربُ أُمَّةٍ مِن أهلِ الكتابِ لنبوَّةِ محمدٍ، والناسُ مِن الوثنيِّينَ وغيرِهم ينظُرُونَ إليهم ويتيمَّنون بهم، فإنّ انصرافَهم عن اتباعِ محمدٍ ﷺ فتنةٌ لغيرِهم يَبُوءُونَ بها.
ثـانيًا: أنّهم معروفونَ بنقضِ العهودِ والمواثيقِ، فشدَّدَ اللهُ عليهم بوجوبِ الوفاءِ، وبيَّن لهم بيِّناتٍ ودلالاتٍ على رسالةِ محمدٍ ﷺ ممّا لم يتَّضحْ عندَ غيرِهم.
وفي هذا: أنّ الإنسانَ الذي يُعرَفُ بنقضِ العهدِ والمكرِ والخديعةِ، يشدَّدُ عليه في لزومِ العهدِ والميثاقِ، ويؤكَّدُ ذلك، ويراجَعُ في وضوحِ الحُجَّةِ والبيِّنةِ عندَ التعاقُدِ، حتى تُغلَقَ منافذُ العنادِ عليه، وتـقـامَ الحُجَّةُ عليه مِن جميعِ وجوهِها.
ثالثًا: لمّا كانوا أعلَمَ الناسِ بصفاتِ نبوَّةِ محمدٍ ﷺ مِن قومِهِ المشرِكِينَ، ولأنّه كلَّما كانتِ البيِّنةُ على الإنسانِ أوضحَ، كان العقابُ عليه أشدَّ ـ: أرادَ اللهُ رحمةً بهم أنْ يُقِيمَ عليهم الحُجَّةَ بالعهدِ والميثاقِ أنّ عقابَ التركِ شديدٌ أليمٌ، فالنقضُ وبالٌ عليهم في الدُّنيا والآخرةِ، فألزَمَهم بعهدٍ فوقَ البيِّناتِ، حتى لا يَحِلَّ عليهم عقابُهُ سبحانَهُ، والتشديدُ يُزِيلُ الأوهامَ، ويطرُدُ الشبهاتِ ولو ضَعُفَتْ، ويزهِّدُ في الشهواتِ ولو قَوِيَتْ، فلا يخالِفُ حينَها إلا معانِدٌ مكابِرٌ.
روى ابنُ جريرٍ، مِن حديثِ عِكْرِمةَ، عن ابنِ عباسٍ، قال: قال مالكُ بنُ الصَّيْفِ ـ حينَ بُعِثَ رسولُ اللهِ ﷺ، وذَكَرَ ما أُخِذَ عليهم مِن الميثاقِ، وما عَهِدَ اللهُ إليهم فيه ـ: واللهِ ما عَهِدَ إلينا في محمدٍ ﷺ، وما أخَذَ له علينا ميثاقًا! فأنزَلَ اللَّهُ ـ جلَّ ثناؤُهُ ـ: ﴿أوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنهُمْ﴾ [[«تفسير الطبري» (٢ /٣٠٨).]].
واليهودُ والنصارى كتَمُوا رسالةَ محمدٍ ﷺ، بل حرَّفُوا مواضعَ النصوصِ الدالَّةِ عليه وعلى رسالتِه، قلَبُوها حروفًا، وما لم يُقلَبْ حرفًا، قلَبُوهُ معنًى، قال تعالى: ﴿ولا تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالباطِلِ وتَكْتُمُوا الحَقَّ وأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: ٤٢]، أيْ: يكتُمون نبوَّتَهُ، مع علمِهم بها.
روى ابنُ جريرٍ، مِن حديثِ ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهدٍ، في قولِ اللهِ: ﴿وتَكْتُمُوا الحَقَّ وأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾، قال: يكتُمُ أهلُ الكتابِ محمدًا ﷺ، وهم يَجِدُونَهُ مكتوبًا عندَهم في التوراةِ والإنجيلِ[[«تفسير الطبري» (١ /٦٠٩).]].
وروى ابنُ جريرٍ أيضًا، من حديثِ عِكْرِمةَ، أو عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿وتَكْتُمُوا الحَقَّ﴾، يقولُ: لا تكتُموا ما عندَكم مِن المعرفةِ برسولي وما جاء به، وأنتم تَجِدُونَهُ عندَكم فيما تعلَمون مِن الكتبِ التي بأيدِيكم[[«تفسير الطبري» (١ /٦٠٩).]].
وبيَّن اللهُ أنّ العهدَ الذي أخَذَهُ عليهم نُقِضَ مِن قِبَلِ فريقٍ منهم: ﴿نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنهُمْ﴾، وليس مِن جميعِهم، ولكنَّ البقيَّةَ ساكتةٌ خوفًا أو طمعًا، أيْ: يَخافُونَ مِن سَطْوةِ أحبارِهم ورُهْبانِهم فيأمُرونَ بقتلِهم، أو طمعًا فيما بينَ أيدِيهم مِن متاعِ الدُّنيا، ويَخْشَوْنَ زوالَهُ عنهم، ولكنَّ اللهَ جعَلَ الجميعَ ممَّن نقَضَ العهدَ، لأنّهم سكَتُوا عن قولِ الحقِّ، ورأَوُا الباطلَ وسكَتُوا، فكانوا في صفِّ الراضِينَ وسَوادِهم.
ومَن رأى الباطلَ وسكَتَ عليه، والناسُ في جدالٍ فيه يُرِيدونَ مَن يَهْدِيهم، وهو قادرٌ على القولِ، فسكَتَ، فهو في حكمِ قائلِ الباطلِ، وهذا مِن خصالِ اليهودِ، قال تعالى: ﴿ومِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ﴾ [المائدة: ٤١].
إذا نقَضَ طائفةٌ العهد، فحكمُ الساكتِ منهم كالناقضِ:
وفي هذه الآيةِ: دليلٌ على أنّ المسلِمينَ إذا عاهَدُوا غيرَهُمْ مِن أهلِ الكتابِ أو المشرِكِينَ على شيءٍ، فنقَضَ عهدَهُمْ طائفةٌ من الكفارِ وليس كلَّهم: أنّ عهدَ الجميعِ يُعتبَرُ منقوضًا، وذلك كالعهودِ التي يُبرِمُها المسلِمُونَ مع دولٍ أُخرى أو مع جماعاتٍ، فقامَتْ جماعةٌ مِن تلك الدولِ أو من تلك الجماعاتِ بنقضِ العهدِ والميثاقِ، فإنّ النقضَ يَرجِعُ إلى أصلِ العقدِ والعهدِ، وهذا ظاهرُ الآيةِ، فاللهُ أخَذَ الساكتَ مأخذَ الناقضِ.
ويخرُجُ مِن حكمِ الناقضينَ مَن انفصَلَ عن جماعتِهِ الناقضينَ للعهدِ، وانحازَ إلى فئةٍ ملتزِمةٍ، هربًا من الناقضينَ وبراءةً منهم، ولم يُعِينُوا الناقضينَ بالرأيِ والمالِ، فهذا له حُكْمُ مَن استسلَمَ للهِ، ودخَلَ الإسلامَ، وانحازَ إلى المسلِمينَ، وآمَنَ بنبوَّةِ محمَّدٍ ﷺ، ففي «الصحيحِ» و«المسندِ»، مِن حديثِ نافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ: «أنَّ يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ وقُرَيْظَةَ حارَبُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَأَجْلى رَسُولُ اللهِ ﷺ بَنِي النَّضِيرِ، وأَقَرَّ قُرَيْظَةَ ومَنَّ عَلَيْهِمْ، حَتّى حارَبَتْ قُرَيْظَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَتَلَ رِجالَهُمْ، وقَسَمَ نِساءَهُمْ وأَوْلادَهُمْ وأَمْوالَهُمْ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، إلاَّ أنَّ بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَآمَنَهُمْ وأَسْلَمُوا، وأَجْلى رَسُولُ اللهِ ﷺ يَهُودَ المَدِينَةِ كُلَّهُمْ: بَنِي قَيْنُقاعَ ـ وهُمْ قَوْمُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلامٍ ـ ويَهُودَ بَنِي حارِثَةَ، وكُلَّ يَهُودِيٍّ كانَ بِالمَدِينَةِ»[[أخرجه أحمد (٦٣٦٧) (٢ /١٤٩)، ومسلم (١٧٦٦) (٣ /١٣٧٨).]].
وكلُّ ذِكرٍ لأهلِ الكتابِ في المدينةِ، فالمقصودُ بهم اليهودُ، فليس في المدينةِ نصارى يومئذٍ، وإنّما كانتْ بنو قُرَيْظةَ وبنو النَّضِيرِ، وافترَقُوا، فتحالفَتْ بنو قريظةَ مع الأوسِ، وبنو النضيرِ مع الخزرجِ، وتعاهَدُوا بعضُهم مع بعضٍ.
وإنّما يُبطِلُ العهدَ والعقدَ بعضٌ مِن الفئتَيْنِ، وذلك لأمورٍ:
أولًا: لظاهرِ الآيةِ.
ثانيًا: لأنّ هذا البابَ إذا لم يُغلَقْ، كان مَدْعاةً لِلَعْبِ المعاهَدِينَ بالخُدْعةِ، فيتسلَّلُ منهم فريقٌ ويقولون: هؤلاء نقَضُوا العهدَ، ولا يُمثِّلُونَ عهدَنا، فلا يدري المسلمونَ مِن أيِّ طريقٍ يأتِيهم الشرُّ، ولا يميِّزون الناقضَ مِن غيرِه، والأَولى في ذلك إبطالُ العهدِ كلِّه.
ثالثًا: أنّ الفريقَ النابذَ للعهدِ كان مِن الجماعةِ المعاهَدةِ وممَّن جرى عليه العهدُ، ونقضُهُ لذلك إخلالٌ بجماعةِ المعاهَدِينَ الذين وقَعَ عليهم العهدُ والعقدُ، وهذا كحالِ مَن اشترى مزرعةً بنخلِها وعنبِها من جماعةٍ يَملِكونَها، فخرَجَ أحدُهم عنِ الالتزامِ بعهدِهم وعقدِهم، ولم يُوافِقْهم على عقدِهم، فهذا يُبطِلُ العقدَ، لأنّه يَملِكُ الحقَّ، ويملِكُ مَنعَ تصرُّفِ المشتري وكَفَّ يدِهِ عن تمامِ التصرُّفِ في ملكِه.
ووليُّ أمرِ الفئةِ الكافرةِ قائمٌ على شأنِ رَعِيَّتِه، فهو كالوكيلِ عنهم، كوكيلِ المُلاَّكِ على مزرعةِ الشَّراكةِ، فأولئك رَضُوهُ وليًّا لهم، وهؤلاءِ رَضُوهُ وكيلًا عنهم، فيمضي العهدُ، ومَن نقَضَ العهدَ، فنقضُهُ باطلٌ، وإذا لم يُمكِنْ إبطالُ نقضِهِ لعهدِهِ خاصَّةً، وانفصَلَ عن الجماعةِ، فيُنقَضُ العهدُ كلُّه.
وفي الآيةِ: جوازُ إبرامِ العهودِ والعقودِ مع مَن يُعرَفُ منه الخُدْعةُ وجُرِّبَ بالكذبِ، إذا قامتِ المصلحةُ في ذلك للمسلِمِينَ، وأنّ العهدَ والعقدَ صحيحٌ ملزِمٌ، شريطةَ التشديدِ في شروطِه.
والنبيُّ ﷺ عاهَدَ يهودَ وهو يعلَمُ نَقْضَهم في القرآنِ، طلبًا لأمنِ المسلِمينَ زَمَنَ تراخِيهم وعدَمِ تمكُّنِهم، روى ابنُ جريرٍ، عن حَجّاجٍ، عن ابنِ جُرَيْجٍ، قولَه: ﴿نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنهُمْ بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ﴾، قال: «لم يكنْ في الأرضِ عهدٌ يُعاهِدونَ عليه إلا نَقَضُوه، ويُعاهِدونَ اليومَ، ويَنقُضُون غدًا»[[«تفسير الطبري» (٢ /٣٠٩).]].
وجوبُ التزام الحلفاءِ بعهد بعضِهِمْ مع غيرِهِمْ:
وكان النبيُّ ﷺ يُؤاخِذُ الحلفاءَ بعضَهم بجريرةِ بعضٍ، لاتِّحادِهم بالعقودِ والعهودِ، والتزامِ بعضِهم بعهدِ بعضٍ، ومَن كان كذلك فالفئةُ إذا نقَضتْ، انتقَضَ عهدُ الأُخرى.
فقد روى مسلمٌ في «صحيحِه»، مِن حديثِ أبي المهلَّبِ، عن عِمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ، قال: كانَتْ ثَقِيفُ حُلَفاءَ لِبَنِي عُقَيْلٍ، فأَسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُلَيْنِ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وأَسَرَ أصْحابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ رَجُلًا مِن بَنِي عُقَيْلٍ، وأَصابُوا مَعَهُ العَضْباءَ، فَأَتى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ وهُوَ فِي الوَثاقِ، قالَ: يا مُحَمَّدُ، فَأَتاهُ، فَقالَ: (ما شَأْنُكَ؟!)، فَقالَ: بِمَ أخَذْتَنِي، وبِمَ أخَذْتَ سابِقَةَ الحاجِّ؟! فَقالَ إعْظامًا لِذَلِكَ: (أخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفائِكَ ثَقِيفَ)، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ، فَناداهُ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، يا مُحَمَّدُ! وكانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ رَحِيمًا رَقِيقًا، فَرَجَعَ إلَيْهِ، فَقالَ: (ما شَأْنُكَ؟!)، قالَ: إنِّي مُسْلِمٌ، قالَ: (لَوْ قُلْتَها وأَنْتَ تَمْلِكُ أمْرَكَ، أفْلَحْتَ كُلَّ الفَلاحِ!) ثُمَّ انْصَرَفَ، فَناداهُ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، يا مُحَمَّدُ! فَأَتاهُ، فَقالَ: (ما شَأْنُكَ؟!)، قالَ: إنِّي جائِعٌ فَأَطْعِمْنِي، وظَمْآنُ فاسْقِنِي، قالَ: (هَذِهِ حاجَتُكَ)، فَفُدِيَ بِالرَّجُلَيْنِ.
قالَ: وأُسِرَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصارِ، وأُصِيبَتِ العَضْباءُ، فَكانَتِ المَرْأَةُ فِي الوَثاقِ، وكانَ القَوْمُ يُرِيحُونَ نَعَمَهُمْ بَيْنَ يَدَيْ بُيُوتِهِمْ، فانْفَلَتَتْ ذاتَ لَيْلَةٍ مِنَ الوَثاقِ، فَأَتَتِ الإبِلَ، فَجَعَلَتْ إذا دَنَتْ مِنَ البَعِيرِ رَغا، فَتَتْرُكُهُ حَتّى تَنْتَهِيَ إلى العَضْباءِ، فَلَمْ تَرْغُ، قالَ: وناقَةٌ مُنَوَّقَةٌ، فَقَعَدَتْ فِي عَجُزِها، ثُمَّ زَجَرَتْها، فانْطَلَقَتْ، ونَذِرُوا بِها، فَطَلَبُوها، فَأَعْجَزَتْهُمْ، قالَ: ونَذَرَتْ للهِ إنْ نَجّاها اللهُ عَلَيْها لَتَنْحَرَنَّها، فَلَمّا قَدِمَتِ المَدِينَةَ، رَآها النّاسُ، فَقالُوا: العَضْباءُ ناقَةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالَتْ: إنَّها نَذَرَتْ إنْ نَجّاها اللهُ عَلَيْها، لَتَنْحَرَنَّها، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ ﷺ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقالَ: (سُبْحانَ اللهِ! بِئْسَما جَزَتْها، نَذَرَتْ للهِ إنْ نَجّاها اللهُ عَلَيْها، لَتَنْحَرَنَّها؟! لا وفاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ، ولا فِيما لا يَمْلِكُ العَبْدُ) [[أخرجه مسلم (١٦٤١) (٣ /١٢٦٢).]].
وأهلُ الذِّمَّةِ لا يجوزُ أخذُهُمْ بجريرةِ غيرِهم مِن الكفارِ، ولو كانوا على دِينٍ واحدٍ، ما لم يتواطَؤُوا مع أهلِ الحربِ، فيُؤاخَذونَ بذلك، وإذا كان يُؤاخَذُ المنافقُ الجاسوس، فالذميُّ مِن بابِ أولى، وهذا بالاتِّفاقِ.
لا يُؤاخذُ المسلمُ بجريرة قومِهِ:
وأمّا المسلمُ في وسَطِ المسلِمينَ، فلا يُؤاخَذُ بجريرةِ غيرِه مِن قبيلتِهِ وعشيرتِه، كلُّ امرئٍ بما كسَبَ رهينٌ.
ففي «المسندِ»، مِن حديثِ أبي النضرِ، عن رجلٍ كان قديمًا مِن بني تَمِيمٍ: كانَ فِي عَهْدِ عُثْمانَ رَجُلٌ يُخْبِرُ عَنْ أبِيهِ، أنَّهُ لَقِيَ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، اكْتُبْ لِي كِتابًا، ألاَّ أُؤاخَذَ بِجَرِيرَةِ غَيْرِي، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (إنَّ ذَلِكَ لَكَ، ولِكُلِّ مُسْلِمٍ)[[أخرجه أحمد (١٥٩٣٧) (٣ /٤٧٩).]].
وفي إسنادِه إبهامٌ، وله شواهدُ كثيرةٌ، مِن حديثِ أبي رِمْثَةَ، عندَ أحمدَ بلفظِ: (أما إنَّهُ لا يَجْنِي عَلَيْكَ، ولا تَجْنِي عَلَيْهِ) [[أخرجه أحمد (٧١٠٦) (٢ /٢٢٦).]].
ورُوِيَ عن ابنِ مسعودٍ عندَ البَزّارِ[[أخرجه البزار (١٩٥٩) (٥ /٣٣٤).]].
ورُوِيَ عن عمرِو بنِ الأحوصِ بلفظِ: (لا يَجْنِي جانٍ إلاَّ عَلى نَفْسِهِ، لا يَجْنِي والِدٌ عَلى ولَدِهِ، ولا مَوْلُودٌ عَلى والِدِهِ) [[أخرجه أحمد (١٦٠٦٤) (٣ /٤٩٨).]]، أخرَجَه أحمدُ أيضًا.
ورُوِيَ عن طارقٍ المُحارِبيِّ، عندَ النسائيِّ وابنِ ماجهْ، وعن الأعمشِ، عن مسروقٍ، مرسلًا، رواهُ النسائيُّ بلفظِ: (لا يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِجَرِيرَةِ أبِيهِ، ولا بِجَرِيرَةِ أخِيهِ) [[أخرجه النسائي (٤١٢٨) (٧ /١٢٧)، وابن ماجه (٢٦٧٠) (٢ /٨٩٠).]].
ومعناهُ مستقِرٌّ مستفيضٌ.
{"ayah":"أَوَكُلَّمَا عَـٰهَدُوا۟ عَهۡدࣰا نَّبَذَهُۥ فَرِیقࣱ مِّنۡهُمۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق