الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿وأَمّا الغُلامُ فَكانَ أبَواهُ مُؤُمِنَيْنِ فَخَشِينا أنْ يُرْهِقَهُما طُغْيانًا وكُفْرًا ۝فَأَرَدْنا أنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْرًا مِنهُ زَكاةً وأَقْرَبَ رُحْمًا ۝﴾ [الكهف: ٨٠ ـ ٨١]. ذكَرَ اللهُ إيمانَ الوالدَيْنِ وكُفْرَ الوَلَدِ، وذكَرَ أنّ الولدَ لم يكنْ كفرُهُ على نفسِه، بل يُريدُ إرهاقَ والدَيْهِ به وبتَبِعاتِه، وقد جاء مِن حديثِ أُبيِّ بنِ كعبٍ، أنّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: (وأَمّا الغُلامُ، فَطُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كافِرًا)[[أخرجه مسلم (٢٣٨٠).]]. وقولُه تعالى: ﴿يُرْهِقَهُما طُغْيانًا وكُفْرًا ۝﴾ جاء في معناهُ ما في «المسنَدِ»، مِن حديثِ أُبيِّ بنِ كعبٍ: «فَيَحْمِلُهُما حُبُّهُ عَلى أنْ يُتابِعاهُ عَلى دِينِهِ»[[أخرجه أحمد (٥ /١٢٠).]]. وقد جاء عن غيرِ واحدٍ مِن المفسِّرينَ مِن السلفِ: أنّ اللهَ أبدَلَهما به ولَدًا مسلِمًا، كان حَمْلًا في بطنِ أمِّه عندَ قتلِ أخيه. وفي هذه الآيةِ: أنّ الغلامَ لم يُقتَلْ إلاَّ لِعِلَّةِ إرهاقِهِ والدَيْهِ بطُغْيانٍ وكفرٍ، ومفهومُ الآيةِ: أنّه لو كان كفرُ الغلامِ على نفسِهِ، وكان بارًّا بوالدَيْهِ: أنّه لم يَقتُلْهُ الخَضِرُ. وحياةُ الوالدَيْنِ أولى مِن حياةِ ولدِهما ولو كان مسلِمًا، فضلًا عن كونِهِ كافرًا، ومَن ألحَقَ بوالدَيْهِ ضررًا وشرًّا باختيارِهِ لعقوقِهِ حتى خِيفَ على حياتِهما، فإنّه يجوزُ للحاكمِ قتلُهُ تعزيرًا. وأمّا مجرَّدُ العقوقِ، فلا يثبُتُ ما ورَدَ في قتلِ العاقِّ لوالدَيْهِ، فقد رواهُ أبو حازمٍ، عن أبي هريرةَ مرفوعًا: (مَن ضَرَبَ أباهُ، فاقْتُلُوهُ)[[أخرجه ابن عدي في «الكامل في ضعفاء الرجال» (٢ /٣٨).]]، ولا يصحُّ، والصوابُ إرسالُهُ عن أبي حازمٍ عن المسيَّبِ، هكذا رواهُ هشامُ بنُ عُرْوةَ، عن أبي حازمٍ، به[[أخرجه أبو داود في «المراسيل» (٤٨٥).]]. ويقعُ العقوقُ الذي ليس فيه رهَقٌ بطُغْيانٍ وكفرٍ في القرونِ الأُولى، ولم يثبُتْ عن أحدٍ مِن الصحابةِ قتلُ مِثْلِ هذا العاقِّ تعزيرًا. وإذا تعارَضَتْ حياةُ الولدِ في بطنِ أُمِّه وحياةُ أمِّه، فحياةُ أمِّه مقدَّمةٌ عليه، كمَن تَحمِلُ ولدًا يتَّفقُ الأطباءُ على أنّه إنْ تُرِكَ حتى تَلِدَهُ ماتتْ بسببِه، فيجوزُ إسقاطُهُ لتبقى حيَّةً ولو مات جنينُها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب