الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أيُّ الحِزْبَيْنِ أحْصى لِما لَبِثُوا أمَدًا ۝﴾ [الكهف: ١٢]. مكَثَ أهلُ الكَهْفِ في كَهْفِهم سِنِينَ لا يَعْلَمونَ هم قَدْرَها ولا أهلُ المدينةِ الذين خرَجُوا إليهم كذلك، فلم يَعلَمِ الكفارُ ولا المؤمِنونَ ذلك القَدْرَ، وقد اختُلِفَ في المقصودِ بالحِزبَيْنِ، فقيل: إنّهم قومُ الفِتْيةِ، ومنهم مَن قال: قومُهم وغيرُهم. وفي هذه الآيةِ: دليلٌ على أثرِ عِلْمِ الحسابِ والتاريخِ في الاعتبارِ والاتِّعاظِ، فقد جعَلَ اللهُ إحصاءَ معرِفةِ ذلك مِن آياتِه، وكلَّما كان الإنسانُ أكثَرَ نظرًا وسَبْرًا للأحوالِ وأزمِنَتِها وما تَغَيَّرتْ خِلالَه، كان أكثَرَ اعتبارًا مِن غيرِهِ ممَّن لا يَرى إلاَّ المشاهَداتِ ولا يَصِلُها بما مضى مِن حالِها. وفي هذه الآيةِ: فضلُ عِلْمِ الحسابِ والتاريخِ، وفضلُ تعلُّمِهِ وتعليمِهِ ونشرِهِ للناسِ، مع بيانِ أثرِهِ على الإيمانِ باللهِ، وما فيه مِن إظهارِ آياتِه وقُدْرتِه. واللهُ تعالى قدَّر على أهلِ الكهفِ ما نزَلَ بهم، وقدَّر زمَنَ بقائِهم والناسِ مِن حولِهم، ويَعلَمُ ذلك قبلَ كونِهِ، بعلمٍ سابق، وبعدَ بعلمٍ لاحِق، فقول: ﴿لِنَعْلَمَ أيُّ الحِزْبَيْنِ﴾، يعني: لِنَعْلَمَ ذلك واقعًا، ويَظْهَرَ أمرُهم علانيَةً، وعلمُ اللهِ اللاحقُ موافقٌ لعِلْمِهِ السابِقِ، لا مخالفٌ له، وعلمُه السابقُ علمٌ بأنّ هذه الأحداثَ ستكون، وعلمُهُ اللاحقُ علمٌ بأنّها كانت أو تكونُ بعد علمِهِ بأنها ستكون، واللهُ يُجْرِي الأحداثَ ليُظهِرَ منها أشياءَ للناسِ، ويبتليهم ويقيمَ عليهم الحجةَ بذلك، ومِن ذلك قولُهُ تعالى: ﴿ولِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ ولِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ واللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ۝﴾ [آل عمران: ١٥٤]، فلمّا ذكَرَ أنّه يَبتلِيهِم ليُخرِجَ ما في قلوبِهم، قال: ﴿واللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ۝﴾، يعني: أنّه يَعلَمُهُ ولو لم يَظهَرْ، وإنّما يُظهِرُهُ لكم لِيَعْلَمَهُ واقعًا، فتَرَوْهُ وتَسْمَعوه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب