الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿وقَضى رَبُّكَ ألاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيّاهُ وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا إمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحَدُهُما أوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ولا تَنْهَرْهُما وقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيمًا ۝واخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا ۝رَبُّكُمْ أعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإنَّهُ كانَ لِلأَوّابِينَ غَفُورًا ۝وآتِ ذا القُرْبى حَقَّهُ والمِسْكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ ولا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ۝﴾ [الإسراء: ٢٣ ـ ٢٦]. أمَرَ اللهُ ببِرِّ الوالدَيْنِ والإحسانِ إليهما بمكَّةَ، وقرَنَ بِرَّ الوالدَيْنِ بتوحيدِه، وهذا في مواضعَ، كما في قولِهِ تعالى: ﴿واعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا﴾ [النساء: ٣٦] وقولِهِ تعالى: ﴿قُلْ تَعالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ألاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا﴾ [الأنعام: ١٥١]. وبِرُّ الوالدَيْنِ تدعو إليه الفِطْرةُ، وهو مِن أعظَمِ شِيَمِ النفوسِ، فإنّها مجبولةٌ على ردِّ المعروفِ إلى مَن أحسَنَ إليها، وأعظَمُ مُحْسِنٍ عليها مِن الخَلْقِ الوالدانِ. وفي قولِه تعالى: ﴿وقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا ۝﴾ استحبابُ الدعاءِ للوالدَيْنِ المُسلِمَيْنِ بعدَ موتِهما، وهو مِن البِرِّ الذي لا ينقطِعُ. وقد تقدَّم الكلامُ على بِرِّ الوالدَيْنِ، وصِلَةِ الأرحامِ والأقاربِ، وحدودِهم، ومَن يجبُ وصلُهُ منهم، في صدرِ سورةِ النِّساءِ عندَ قولِهِ تعالى: ﴿واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأَرْحامَ إنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ۝﴾ [١]. وقولُه تعالى: ﴿وآتِ ذا القُرْبى حَقَّهُ والمِسْكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ ولا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ۝﴾، فيه فضلُ الإحسانِ بالمالِ والنفقةِ على المحتاجِ، وقدَّمَ القَرابةَ على غيرِهم، لأنّ النفقةَ عليهم صَدَقةٌ وصِلَةٌ، والهديَّةُ للأقرَبِينَ التي تؤلِّفُ القلبَ ويُوصَلُ بها رحمٌ: أفضلُ مِن الصَّدَقةِ على بعيدٍ متوسِّطِ الحاجةِ. وقد نَهى اللهُ عن التبذيرِ حتى في الصَّدَقةِ، والمرادُ بذلك: الإنفاقُ بما يُضِرُّ بمالِ الرجُلِ وأهلِهِ وولدِهِ ومَن له حقٌّ عليه، وهذا كما في قولِهِ تعالى: ﴿وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ولا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ ۝﴾ [الأنعام: ١٤١]، وقولِه تعالى: ﴿ويَسْأَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ العَفْوَ﴾ [البقرة: ٢١٩]، وقولِه تعالى: ﴿والَّذِينَ إذا أنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يَقْتُرُوا وكانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوامًا ۝﴾ [الفرقان: ٦٧]. وتقدَّم الكلامُ على السَّرَفِ والتبذيرِ وأنواعِهِ وحدودِهِ وكيفيَّةِ معرفتِهِ، عندَ آيةِ الأنعامِ السابقةِ، وعندَ قولِهِ تعالى: ﴿وكُلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ ۝﴾ [الأعراف: ٣١]. وقد أمَرَ اللهُ بالإنفاقِ على مَن لا يُحسِنُ تدبيرَ المالِ، ونهى عن إعطائِهِ إيّاهُ، حتى لا يَضَعَهُ في غيرِ موضعِه، إمّا بحرامٍ أو بسَرَفٍ في حلالٍ، كما قال تعالى: ﴿ولا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيامًا وارْزُقُوهُمْ فِيها واكْسُوهُمْ وقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ۝﴾ [النساء: ٥]، ولهذا جاء النهيُ عن الوصيَّةِ فوقَ الثُّلُثِ، لأنّ الوصيَّةَ فوقَ الثلُثِ تُضِرُّ بالورثةِ، وقد بيَّنَ اللهُ فضلَ الإحسانِ إلى الورثةِ مِن بعدِ الموتِ بِتَرْكِ مالٍ لهم، كما في قولِهِ تعالى: ﴿ولْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِن خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافًا خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ ولْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝﴾ [النساء: ٩]، وعندَ هذه الآيةِ تكلَّمْنا على الوصيَّةِ بالثُّلُثِ، وحُكْمِ الوصيَّةِ بما زاد عليها، ووصيَّةِ الرجُلِ بمالِهِ كلِّه إنْ لم يكنْ له ورثةٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب