الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿ولَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وحِينَ تَسْرَحُونَ ۝﴾ [النحل: ٦]. فيه: أنّ التجمُّلَ ببهائمِ الأنعامِ، وإظهارَ النِّعمةِ بذلك، والاكتِفاءَ عن الخَلقِ: مِن الأمورِ الجائزةِ، وفيه أنّ مِن مَقاصدِ اتِّخاذِ بهائمِ الأنعامِ جَمالَها في غُدُوِّها ورَواحِها، وفيه جوازُ شرائِها وبيعِها لأجْلِ جَمالِها، لظاهرِ الآيةِ، وذلك أنّ الرجُلَ يُغالي بثمنِ شاةٍ أو جملٍ أو بقرةٍ لِلَونِها وطولِها، ولو لم يكنْ ذلك لأجلِ لحمِها وصوفِها ولبنِها، فقد ذكَر المنافعَ وعَدَّها، وهي: (الأكلُ)، و(الدِّفْءُ)، يعني: مِن جلودِها وشَعَرِها وصوفِها ووبَرِها، و(جَمالُها)، ثمَّ ذكَر بعدَ ذلك حَمْلَ الأثقالِ وشُربَ الألبانِ في قولِه تعالى: ﴿وتَحْمِلُ أثْقالَكُمْ﴾ [النحل: ٧]، وقولِه: ﴿لَبَنًا خالِصًا سائِغًا لِلشّارِبِينَ ۝﴾ [النحل: ٦٦]. وما ذكَره اللهُ مِن النِّعَمِ، فيجوزُ جعلُ قيمةٍ له، ولكنَّ اللهَ قد جعَل الجَمالَ بعدَ منفعةِ الأكلِ والدِّفءِ، لأنّ تقديمَه عليها يكونُ مِن بابِ الفُضولِ والسَّرَفِ، ويفعلُه غالبًا أهلُ الغِنى والبَطَرِ، ومع جوازِ شراءِ الأنعامِ وبيعِها لجَمالِها، إلاَّ أنّه يحرُمُ المغالاةُ في ذلك، كما يفعلُه أهلُ المُباهاةِ اليومَ ببيعِ الإبلِ والغنمِ بألوفٍ مؤلَّفةٍ وملايينَ كثيرةٍ ممّا يُغني قبائلَ بأَسْرِها، ويُطعِمُ فقراءَ بلدٍ كاملٍ مِن أطايبِ اللحمِ، ويَكسُوهم مِن أجودِ الجلودِ والشعَرِ، فهو إنْ حُرِّمَ فيُحرَّمُ لأجلِ السَّرَفِ والمباهاةِ، لا لأجلِ كونِ البيعِ يكونُ للجَمالِ، فإنّ اللهَ ذكَرَه وعَدَّه نعمةً. ويجوزُ اتِّخاذُ الأنعامِ والبهائمِ لإظهارِ العفَّةِ والغَناءِ عن الناسِ، لِما ثبَت في قولِ النبيِّ ﷺ في الخيلِ في الصحيحينِ: (ورَجُلٌ رَبَطَها تَغَنِّيًا وتَعَفُّفًا، ولَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ فِي رِقابِها ولا ظُهُورِها، فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ، ورَجُلٌ رَبَطَها فَخْرًا ورِياءً، فَهِيَ عَلى ذَلِكَ وِزْرٌ)[[أخرجه البخاري (٧٣٥٦)، ومسلم (٩٨٧).]]. وقد ذكَر النبيُّ ﷺ أنّ بعضَ الأنعامِ تُتَّخَذُ لعِزِّ أهلِها وكِفايتِهم وإظهارِ غِناهُم عن الناسِ، لا فخرًا ولا بطَرًا، كما قال ﷺ: (الإبِلُ عِزٌّ لأَهْلِها، والغَنَمُ بَرَكَةٌ، والخَيْرُ مَعْقُودٌ فِي نَواصِي الخَيْلِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ)، رواهُ ابنُ ماجَهْ[[أخرجه ابن ماجه (٢٣٠٥).]]، وأصلُه في «الصحيحينِ» بذِكْرِ الخيلِ فقط[[أخرجه البخاري (٢٨٥٢)، ومسلم (١٨٧٣).]]. وإنّما جعَلَ اللهُ العِزَّ في الإبلِ، لأنّها أكثَرُ الأنعامِ منافعَ، فيُنتفَعُ منها باللِّباسِ والأكلِ واللبنِ والحَمْلِ والغزوِ، ولكنْ لا يُكَرُّ عليها ولا يُفَرُّ. والبرَكَةَ في الغنمِ، لكثرةِ نمائِها، وما فيها مِن السَّكِينةِ في نفسِها وعلى أهلِها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب