الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمانِهِ إلاَّ مَن أُكْرِهَ وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمانِ ولَكِنْ مَن شَرَحَ بِالكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ ولَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ۝﴾ [النحل: ١٠٦]. نزَلتْ هذه الآيةُ في عَمّارِ بنِ ياسرٍ لمّا عذَّبَتْهُ قريشٌ، وأكرَهُوهُ على قولِ الكفرِ، كما رواهُ الحاكمُ والبيهقيُّ، عن أبي عبيدةَ بنِ محمدِ بنِ عمارِ بنِ ياسرٍ، عن أبيه، قال: أخَذَ المُشْرِكُونَ عَمّارَ بْنَ ياسِرٍ، فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتّى سَبَّ النَّبِيَّ ﷺ، وذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، ثُمَّ تَرَكُوهُ، فَلَمّا أتى رَسُولَ اللهِ ﷺ، قالَ: (ما وراءَكَ؟)، قالَ: شَرٌّ يا رَسُولَ اللهِ، ما تُرِكْتُ حَتّى نِلْتُ مِنكَ وذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ! قالَ: (كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟)، قالَ: مُطْمَئِنًّا بِالإيمانِ، قالَ: (إنْ عادُوا فَعُدْ) [[أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٢ /٣٥٧)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٨ /٢٠٨).]]. والإكراهُ المقصودُ: هو الذي لا اختيارَ ولا قُدْرةَ للإنسانِ معه، كالتهديدِ بقتلِه، أو إتلافِ عضوٍ منه، أو تعذيبِهِ بما لا يُطيقُه، مِن قادرٍ على ذلك، ويَفِي عادةً لو توعَّدَ. ولم يَختلِفِ العلماءُ على أنّ الإسلامَ يصحُّ مع الإكراهِ على الكفر، ومَن أُكرِهَ على الكفرِ ولا حَيْدةَ له عنه، فلا شيءَ عليه في ذلك ما دام قلبُهُ مطمئنًّا بالإيمانِ. والتفاضُلُ في بابِ الإكراهِ يَختلِفُ، فبعضُ المَقاماتِ يجبُ فيها الصبرُ ولو قُتِل الإنسانُ، كمَن يتبدَّلُ الدِّينُ بإظهارِه الكفرَ، وهذا كمَقامِ الأنبياءِ، ولهذا لم يرخِّصِ اللهُ لنبيٍّ في التلبُّسِ بالكفرِ ولو قُتِلَ على إيمانِه، ومِثْلُهم أعيانُ ورَثَتِهم الذين تعيَّنَ على الواحدِ منهم الوقوفُ بالحقِّ والثباتُ عليه، فيكونُ مَقامُهُ في قومِهِ كمَقامِ النبيِّ في أُمَّتِهِ، تفرُّدًا وانقيادًا للناسِ معه، والناسُ في هذا مقاماتٌ، فمَقامُهُمْ في الناسِ كمَقامِهِمْ في العُذْرِ، وكلَّما ارتفَعَ مَقامُهم، نقَصَ عذرُهم. ومع وجودِ الرخصةِ فقد حكى بعضُ العلماءِ الإجماعَ على أنّ مَن اختار القتلَ وهو قادرٌ على الثباتِ عندَ الشِّدَّةِ، فإنّه أفضلُ ممَّن اختار الرخصةَ. ولا فرقَ في الإكراهِ بينَ الأقوالِ والأفعالِ على الصحيحِ، وهو قولُ الجمهورِ، والأشهَرُ عن أحمدَ، ويتعيَّنُ مع فعلِ أو قولِ الكفرِ والمعصيةِ كراهيتُها بالقَلْبِ، وإلا كان استحلالًا، وهو معنى قوله: ﴿ولَكِنْ مَن شَرَحَ بِالكُفْرِ صَدْرًا﴾. وأمّا ما جاءَ مِن حديثِ عُبادةَ[[أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (٩٢٠).]]، وأبي الدرداءِ[[أخرجه ابن ماجه (٤٠٣٤).]]: «لا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا وإنْ قُطِّعْتُمْ، أوْ حُرِّقْتُمْ، أوْ صُلِّبْتُمْ»، فهذا عامٌّ مخصوصٌ بالقلبِ، وذلك لظاهرِ الآيةِ: ﴿ولَكِنْ مَن شَرَحَ بِالكُفْرِ صَدْرًا﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب