الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿ولَقَدْ نَعْلَمُ أنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ ۝فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ ۝﴾ [الحجر: ٩٧ ـ ٩٨]. أخبَرَ اللهُ نبيَّه بعِلْمِهِ بما يَجِدُهُ النبيُّ ﷺ في صدرِهِ مِن ضِيقٍ وحَرَجٍ مِن قولِ كفارِ قريشٍ، ثمَّ أمَرَهُ بالصلاةِ والذِّكْرِ عندَ وجودِ شيءٍ مِن الضِّيقِ والحزنِ واشتدادِ الأمورِ وصعوبتِها. صلاةُ الكَرْبِ، وإذا حَزَبَ الأمرُ: وفي هذه الآيةِ: دليلٌ على مشروعيَّةِ الصلاةِ عندَ الشِّدَّةِ وحَزْبِ الأمرِ والهَمِّ، وأنّ مَن وجَدَ شيئًا مِن ذلك، شُرِعَتْ له الصلاةُ كما تُشرَعُ عندَ قيامِ أسبابِها، كصلاةِ الضُّحا والاستخارةِ، وهي مِن ذواتِ الأسبابِ وتأخُذُ حُكْمَها، إلاَّ أنّ هذه الصلاةَ غيرُ مقدَّرةِ الركَعاتِ، فجاءَ الحثُّ عليها بلا عَدَدٍ، فتُصلّى ركعتَيْنِ ومُضاعفاتِها، بخلافِ صلاةِ الاستخارةِ وصلاةِ الضُّحا، وتحيَّةِ المسجدِ، وركعتَيِ الطوافِ، فالأصلُ فيها أنّها معدودةٌ، وإنّما لم يُجعَلْ عددٌ لهذه الصلاةِ، لأنّها تعلَّقتْ بأمرٍ، وهو شِدَّةُ الأمرِ والهمُّ منه، فتُشرَعُ الصلاةُ حتى يزولَ ذلك السببُ، كما تُشرَعُ صلاةُ الكُسُوفِ والخُسُوفِ حتى يزولَ السببُ. وقد كان النبيُّ ﷺ يَفزَعُ إلى الصلاةِ إذا حزَبَهُ أمرٌ، فكان يُصلِّي قُبَيْلَ لقاءِ العدوِّ، وعندَ اجتماعِ الأحزابِ، قال حُذَيْفةُ: «رَجَعْتُ إلى النَّبِيِّ ﷺ لَيْلَةَ الأَحْزابِ وهُوَ مُشْتَمِلٌ فِي شَمْلَةٍ يُصَلِّي، وكانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إذا حَزَبَهُ أمْرٌ صَلّى»[[أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (٢١٢).]]. وقد قال عليُّ بنُ أبي طالبٍ: «لَقَدْ رَأَيْتُنا لَيْلَةَ بَدْرٍ وما فِينا إلاَّ نائِمٌ غَيْرَ رَسُولِ اللهِ ﷺ يُصَلِّي ويَدْعُو حَتّى أصْبَحَ»[[أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (٢١٣)، والنسائي في «السنن الكبرى» (٨٢٥).]]. والصلاةُ مِن أعظَمِ ما يُعِينُ العبدَ عندَ اشتدادِ الأمورِ، وإغلاقِ الأبوابِ، وانقطاعِ الأسبابِ، وقد قال تعالى: ﴿واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ﴾ [البقرة: ٤٥]، ولمّا اشتَدَّ الأمرُ بموسى وقومِهِ، أُمِرُوا بالصلاةِ، كما قال تعالى: ﴿واجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧]. وهي كفايةٌ للعبدِ وعونٌ له ولو لم يَنزِلْ به أمرٌ، فكيف إذا اشتَدَّتْ عليه الأمورُ، وتكاثَرتْ عليه الهمومُ؟! وقد جاء في الحديثِ القدسيِّ: قال اللهُ: (يا بْنَ آدَمَ، لا تَعْجِزْ عَنْ أرْبَعِ رَكَعاتٍ مِن أوَّلِ النَّهارِ، أكْفِكَ آخِرَهُ)[[أخرجه أحمد (٥ /٢٨٦)، وأبو داود (١٢٨٩)، والنسائي في «السنن الكبرى» (٤٦٨).]]. وكما تُشرَعُ الصلاةُ عندَ الكَرْبِ وإذا حزَبَ الأمرُ، فيُشرَعُ الذِّكْرُ، وقد كان النبيُّ ﷺ يَخُصُّ بعضَ الذِّكْرِ دونَ بعضٍ عندَ ذلك، كما روى الشيخان، مِن حديثِ ابنِ عبّاسٍ، أنَّ نَبِيَّ اللهِ ﷺ كانَ يَقُولُ عِنْدَ الكَرْبِ: (لا إلَهَ إلاَّ اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلاَّ اللهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلاَّ اللهُ رَبُّ السَّمَواتِ ورَبُّ الأَرْضِ ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ)[[أخرجه البخاري (٦٣٤٦)، ومسلم (٢٧٣٠).]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب