الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذا فَأَلْقُوهُ عَلى وجْهِ أبِي يَأْتِ بَصِيرًا وأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أجْمَعِينَ ۝﴾ [يوسف: ٩٣]. أمَرَ يوسُفُ إخوتَهُ بالرجوعِ إلى أبيه، ووَضْعِ القميصِ على وجهِهِ والإتيانِ به، وظاهرُ الأمرِ: أنّ الأصلَ أنْ يذهَبَ يوسُفُ بنفسِهِ إلى أبيهِ، لحقِّه عليه ولطُولِ غيابِهِ عنه، ولكنْ لمّا كان يوسُفُ على وِلايةٍ عامَّةٍ تَتَّصِلُ بأسبابِ بلدٍ كاملٍ بمالِهِ ودماءِ أهلِهِ وأعراضِهِمْ وأموالِهِم، كان بقاؤُهُ أولى مِن ذَهابِه، فإنّ ذَهابَهُ مصلحةٌ خاصَّةٌ تتحقَّقُ بغيرِه، وبقاؤُهُ مصلحةٌ عامَّةٌ لا تقومُ غالبًا إلاَّ به، ثمَّ إنّ في ذَهابِهِ غيابًا عن الناسِ واحتجابًا عنهم، وقد قال ﷺ: (مَن ولاَّهُ اللهُ عزّ وجل شَيْئًا مِن أمْرِ المُسْلِمِينَ، فاحْتَجَبَ دُونَ حاجَتِهِمْ وخَلَّتِهِمْ وفَقْرِهِمِ، احْتَجَبَ اللهُ عَنْهُ دُونَ حاجَتِهِ وخَلَّتِهِ وفَقْرِهِ)، رواهُ أبو داودَ[[أخرجه أبو داود (٢٩٤٨).]]. وفي هذا: أنّ حقَّ الرعيَّةِ على الحاكِمِ أولى مِن حقِّ والدَيْهِ عليه، وأنّ احتجابَهُ عن مَصالحِهم أعظَمُ مِن احتجابِهِ عن والدَيْه، لظاهرِ تقديمِ بقاءِ يوسُفَ في مِصْرَ على الذَّهابِ إلى والدَيْهِ، فقد جاء في إضاعةِ أمرِ الرعيَّةِ مِن التَّبِعَةِ الكبيرةِ والإثمِ العظيمِ قولُه ﷺ فيما رواه مسلمٌ: (اللَّهُمَّ، مَن ولِيَ مِن أمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فاشْقُقْ عَلَيْهِ، ومَن ولِيَ مِن أمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فارْفُقْ بِهِ)[[أخرجه مسلم (١٨٢٨).]]. وفي «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ مَعْقِلِ بنِ يَسارٍ، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (ما مِن عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وهُوَ غاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إلاَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ)[[أخرجه البخاري (٧١٥١)، ومسلم (١٤٢).]]. وفي روايةٍ لمسلمٍ، قال ﷺ: (ما مِن أمِيرٍ يَلِي أمْرَ المُسْلِمِينَ، ثُمَّ لا يَجْهَدُ لَهُمْ ويَنْصَحُ، إلاَّ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الجَنَّةَ) [[أخرجه مسلم (١٤٢).]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب