الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿واسْتَبَقا البابَ وقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وأَلْفَيا سَيِّدَها لَدى البابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَن أرادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إلاَّ أنْ يُسْجَنَ أوْ عَذابٌ ألِيمٌ ۝﴾ [يوسف: ٢٥]. في قولِهِ تعالى: ﴿سَيِّدَها لَدى البابِ﴾، يعني: زَوْجَها، قال: «سيِّدَها»، ولم يقُلْ: «سيِّدَ مصرَ»، لأنّ السِّياقَ سياقُ خصومةٍ ونِزاعٍ، وهو وزوجتُهُ طرَفٌ فيه، فلا ينبغي حضورُهُ فيه باسمِ عزيزِ مصرَ وسيِّدِها، حتى يتمَّ العدلُ فلا يُبخَسَ حقُّ الأضعَفِ، ولكنْ لم يقَعْ ذلك، فحضَرَ في الأمرِ باسمِ سيِّدِ مصرَ ومكانتِهِ فيها، فظُلِمَ يوسُفُ عليه السلام، والواجبُ عندَ التقاضي والخصوماتِ: أنْ تُنزَعَ الألقابُ. وفي قولِه تعالى: ﴿سَيِّدَها﴾ إشارةٌ إلى سيادةِ الزوجِ على امرأتِه، وسيادتِها على بيتِهِ، فبعدَما قال في الآيةِ السابقةِ: ﴿هُوَ فِي بَيْتِها﴾ [يوسف: ٢٣]، فنسَبَ البيتَ إليها، فلمّا جاءَ زوجُها، قال: ﴿سَيِّدَها لَدى البابِ﴾، وفي هذا إنكارُ ما أُخِذَ مِن عادةِ الغَرْبِ اليومَ مِن تسميةِ نساءِ المُلُوكِ بسيِّدةِ الدَّوْلةِ والبلدِ، فإنّ اللهَ جعَلَ امرأةَ العزيزِ سيِّدةَ بيتِها فحَسْبُ، ولا يتعدّى شأنُها ذلك، كسائرِ النِّساءِ في بيوتِهنَّ. ويُروى عن زيدِ بنِ ثابتٍ، أنّه قال: «الزوجُ سيِّدٌ في كتابِ اللهِ، ثمَّ قرَأَ: ﴿وأَلْفَيا سَيِّدَها لَدى البابِ﴾، السيِّدُ: الزوجُ»[[«تفسير الطبري» (١٣ /١٠٢).]]، ويُروى عندَ ابنِ السُّنِّيِّ، مِن حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (كُلُّ نَفْسٍ مِن بَنِي آدَمَ سَيِّدٌ، فالرَّجُلُ سَيِّدُ أهْلِهِ، والمَرْأَةُ سَيِّدَةُ بَيْتِها)[[أخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» (٣٨٨).]]. وقد كانتِ المرأةُ مِن السلفِ تسمِّي زوجَها سيِّدًا، كما روى مسلمٌ، مِن حديثِ طَلْحةَ بنِ عُبيدِ اللهِ بنِ كَرِيزٍ، قال: حَدَّثَتْنِي أُمُّ الدَّرْداءِ، قالَتْ: حَدَّثَنِي سَيِّدِي ـ تعني: زوجَها أبا الدرداءِ ـ: أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: (مَن دَعا لأَخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ، قالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، ولَكَ بِمِثْلٍ)[[أخرجه مسلم (٢٧٣٢).]]. وسيادةُ الزوجِ على زوجتِهِ هي قِوامتُهُ التي جعَلَها اللهُ له، وتقدَّمَ الكلامُ على ذلك عندَ قولِهِ تعالى: ﴿الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وبِما أنْفَقُوا مِن أمْوالِهِمْ﴾ [النساء: ٣٤]. وسيادةُ الزوجِ على زوجتِهِ تكليفٌ يتضمَّنُ تشريفًا، وليس تشريفًا يتضمَّنُ تكليفًا، لأنّ الأولَ غُرْمُهُ أعظَمُ مِن غُنْمِه، والثانيَ غُنمُهُ أعظَمُ مِن غُرْمِه، وكذلك بالنسبةِ لسيادةِ المرأةِ في بيتِها، فإنّه تكليفٌ يتضمَّنُ تشريفًا، كما في «الصحيحِ»، قال ﷺ: (الرَّجُلُ راعٍ فِي أهْلِهِ وهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِها ومَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِها)[[أخرجه البخاري (٨٩٣).]]. والمرأةُ لدى الرجُلِ كالأَسِيرَةِ العانِيَةِ، كما في الحديثِ، قال ﷺ: (اسْتَوْصُوا بِالنِّساءِ خَيْرًا، فَإنَّما هُنَّ عَوانٍ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ) [[أخرجه الترمذي (١١٦٣)، والنسائي في «السنن الكبرى» (٩١٢٤)، وابن ماجه (١٨٥١).]]، وقالتْ أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ: «النِّكاحُ رِقٌّ، فلْينظُرْ أحدُكم عندَ مَن يُرِقُّ كريمتَه»[[أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (٥٩١).]]. وإنّما قال النبيُّ ﷺ ذلك، للتنبيهِ على عِظَمِ حقِّها، ووجوبِ الرحمةِ بها، فإنّ أخلاقَ العظماءِ تتَّضحُ مع نسائِهم، كما قال ﷺ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وأَنا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي) [[أخرجه الترمذي (٣٨٩٥).]]، فإنّ كلَّ أحدٍ يستطيعُ تصنُّعَ الخُلُقِ الحسَنِ مع الغُرَباءِ، ولكنْ تَظهَرُ الأخلاقُ مع الأهلِ، لأنّ الخُلُقَ الدائمَ لا يُمكِنُ أن يُتصنَّعَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب