الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِأحْكَمِ الحاكِمِينَ﴾ . السُّؤالُ كَما تَقَدَّمَ في: ﴿ألَمْ نَشْرَحْ﴾ [الشرح: ١]، أيْ: لِلْإثْباتِ، وهو سُبْحانَهُ وتَعالى بِلا شَكٍّ أحْكَمُ الحاكِمِينَ، كَما ثَبَتَ عَنْهُ ﷺ أنَّهُ كانَ إذا قَرَأها قالَ: ”اللَّهُمَّ بَلى“ كَما سَيَأْتِي. وَأحْكَمُ الحاكِمِينَ، قِيلَ: أفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنَ الحُكْمِ أيْ: أعْدَلُ الحاكِمِينَ، كَما في (p-١١)قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أحَدًا﴾ [الكهف: ٤٩] . وَقِيلَ: مِنَ الحِكْمَةِ، أيْ: في الصُّنْعِ والإتْقانِ والخَلْقِ، فَيَكُونُ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا، ولا يَبْعُدُ أنْ يَكُونَ مِنَ المَعْنَيَيْنِ مَعًا، وإنْ كانَ هو في الحُكْمِ أظْهَرُ؛ لِأنَّ الحَكِيمَ مِنَ الحِكْمَةِ يُجْمَعُ عَلى الحُكَماءِ. فَعَلى القَوْلِ بِالأمْرَيْنِ: يَكُونُ مِنِ اسْتِعْمالِ المُشْتَرَكِ في مَعْنَيَيْهِ مَعًا، وهو هُنا لا تَعارُضَ بَلْ هُما مُتَلازِمانِ؛ لِأنَّ الحَكِيمَ لا بُدَّ أنْ يَعْدِلَ، والعادِلُ لا بُدَّ أنْ يَكُونَ حَكِيمًا يَضَعُ الأُمُورَ في مَواضِعِها. وَقَدْ بَيَّنَ تَعالى هَذا المَعْنى في عِدَّةِ مَواطِنَ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ كالمُفْسِدِينَ في الأرْضِ أمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كالفُجّارِ﴾ [ص: ٢٨]، الجَوابُ: لا، وكَقَوْلِهِ: ﴿أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أنْ نَجْعَلَهم كالَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحْياهم ومَماتُهم ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾ [الجاثية: ٢١]، وفي قَوْلِهِ ﴿ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾ بَيانٌ لِعَدَمِ عَدالَتِهِمْ في الحُكْمِ، وبُعْدِهِ عَنِ الحِكْمَةِ. وَمَعْلُومٌ أنَّ عَدَمَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهم في مَماتِهِمْ أنَّهُ بِالبَعْثِ والجَزاءِ، فَهو سُبْحانَهُ أحْكَمُ الحاكِمِينَ في صُنْعِهِ وخَلْقِهِ. خَلَقَ الإنْسانَ في أحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وأعْدَلُ الحُكّامِ في حُكْمِهِ لَمْ يُسَوِّ بَيْنَ المُحْسِنِ والمُسِيءِ. وَقَدِ اتَّفَقَ المُفَسِّرُونَ عَلى رِوايَةِ التِّرْمِذِيِّ لِحَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: «مَن قَرَأ ﴿والتِّينِ والزَّيْتُونِ﴾، فَقَرَأ ﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِأحْكَمِ الحاكِمِينَ﴾، فَلْيَقُلْ: بَلى، وأنا عَلى ذَلِكَ مِنَ الشّاهِدِينَ» . وَمِثْلُهُ عَنْ جابِرٍ مَرْفُوعًا، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَوْلُهُ: ”«سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ، فَبَلى“ . والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب