الباحث القرآني
(p-٣)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
سُورَةُ التِّين
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والتِّينِ والزَّيْتُونِ﴾ ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾ ﴿وَهَذا البَلَدِ الأمِينِ﴾ .
التِّينُ هو الثَّمَرَةُ المَعْرُوفَةُ الَّتِي لا عَجَمَ لَها ولا قِشْرَةَ، والزَّيْتُونُ هو كَذَلِكَ الثَّمَرَةُ الَّتِي مِنها الزَّيْتُ، ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾ هو جَبَلُ الطُّورِ الَّذِي ناجى مُوسى عِنْدَهُ رَبَّهُ، والبَلَدُ الأمِينُ هو مَكَّةُ المُكَرَّمَةُ، والواوُ لِلْقَسَمِ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ في المُرادِ بِالمُقْسَمِ بِهِ في الأوَّلِ، والثّانِي التِّينِ والزَّيْتُونِ، واتَّفَقُوا عَلَيْهِ في الثّالِثِ والرّابِعِ عَلى ما سَيَأْتِي.
أمّا التِّينُ والزَّيْتُونُ، فَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: أنَّهُما الثَّمَرَتانِ المَعْرُوفَتانِ " وهو قَوْلُ عِكْرِمَةَ والحَسَنِ ومُجاهِدٍ. كُلُّهم يَقُولُ: التِّينُ: تِينُكُمُ الَّذِي تَأْكُلُونَ، والزَّيْتُونُ: زَيْتُونُكُمُ الَّذِي تَعْصِرُونَ.
وَعَنْ كَعْبٍ: التِّينُ: مَسْجِدُ دِمَشْقَ، والزَّيْتُونُ بَيْتُ المَقْدِسِ. وكَذا عَنْ قَتادَةَ. وأرادُوا مَنابِتَ التِّينِ والزَّيْتُونِ بِقَرِينَةِ الطُّورِ والبَلَدِ الأمِينِ، عَلى أنَّ مَنبَتَ التِّينِ والزَّيْتُونِ لِعِيسى، وطُورَ سِينِينَ لِمُوسى، والبَلَدَ الأمِينَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ .
وَلَكِنَّ حَمْلَ التِّينِ والزَّيْتُونِ عَلى مَنابِتِهِما لا دَلِيلَ عَلَيْهِ، فالأوْلى إبْقاؤُهُما عَلى أصْلِهِما، ويَشْهَدُ لِذَلِكَ الآتِي:
أوَّلًا التِّينُ: قالُوا: إنَّهُ أشْبَهُ ما يَكُونُ مِنَ الثِّمارِ بِثَمَرِ الجَنَّةِ، إذْ لا عَجَمَ لَهُ ولا قِشْرَ، وجاءَ عَنْهُ في السُّنَّةِ: «أنَّهُ ﷺ أُهْدِيَ لَهُ طَبَقٌ فِيهِ تِينٌ، فَأكَلَ مِنهُ ثُمَّ قالَ لِأصْحابِهِ: فَلَوْ قُلْتُ: إنَّ فاكِهَةً نَزَلَتْ مِنَ الجَنَّةِ لَقُلْتُ هَذِهِ؛ لِأنَّ فاكِهَةَ الجَنَّةِ بِلا عَجَمٍ فَكُلُوهُ، فَإنَّهُ يَقْطَعُ البَواسِيرَ ويَنْفَعُ مِنَ النِّقْرِسِ» ذَكَرَهُ النَّيْسابُورِيُّ ولَمْ يَذْكُرْ مَن خَرَّجَهُ.
وَذَكَرَهُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ في زادِ المَعادِ، قائِلًا: ويُذْكَرُ عَنْ أبِي الدَّرْداءِ «أُهْدِيَ إلى (p-٤)النَّبِيِّ ﷺ طَبَقٌ مِن تِينٍ» وساقَ النَّصَّ المُتَقَدِّمَ. ثُمَّ قالَ: وفي ثُبُوتِ هَذا نَظَرٌ.
وَقَدْ ذَكَرَ المُفَسِّرُونَ وابْنُ القَيِّمِ وصاحِبُ القامُوسِ: لِلتِّينِ خَواصٌّ، وقالُوا: إنَّها مِمّا تَجْعَلُهُ مَحِلًّا لِلْقَسَمِ بِهِ، وجَزَمَ ابْنُ القَيِّمِ: أنَّهُ المُرادُ في السُّورَةِ.
وَمِمّا ذَكَرُوا مِن خَواصِّهِ، قالُوا: إنَّهُ يَجْلُو رَمْلَ الكُلى والمَثانَةِ ويُؤَمِّنُ مِنَ السُّمُومِ، ويَنْفَعُ خُشُونَةَ الحَلْقِ والصَّدْرِ وقَصَبَةِ الرِّئَةِ، ويَغْسِلُ الكَبِدَ والطِّحالَ، ويُنَقِّي الخَلْطَ البَلْغَمِيَّ مِنَ المَعِدَةِ، ويُغَذِّي البَدَنَ غِذاءً جَيِّدًا، ويابِسُهُ يُغَذِّي ويَنْفَعُ العَصَبَ.
وَقالَ جالِينُوسُ: وإذا أُكِلَ مَعَ الجَوْزِ والسَّذابِ، قَبْلَ أخْذِ السُّمِّ القاتِلِ نَفَعَ، وحَفِظَ مِنَ الضُّرِّ، ويَنْفَعُ السُّعالَ المُزْمِنَ ويَدِرُّ البَوْلَ ويُسَكِّنُ العَطَشَ الكائِنَ عَنِ البَلْغَمِ المالِحِ، ولِأكْلِهِ عَلى الرِّيقِ مَنفَعَةٌ عَجِيبَةٌ.
وَقالَ ابْنُ القَيِّمِ: لَمّا لَمْ يَكُنْ بِأرْضِ الحِجازِ والمَدِينَةِ، لَمْ يَأْتِ لَهُ ذِكْرٌ في السُّنَّةِ، ولَكِنْ قَدْ أقْسَمَ اللَّهُ بِهِ في كِتابِهِ، لِكَثْرَةِ مَنافِعِهِ وفَوائِدِهِ.
والصَّحِيحُ: أنَّ المُقْسَمَ بِهِ هو التِّينُ المَعْرُوفُ. ا هـ.
وَكَما قالَ ابْنُ القَيِّمِ: لَمْ يُذْكَرْ في السُّنَّةِ لِعَدَمِ وُجُودِهِ بِالحِجازِ والمَدِينَةِ، فَكَذَلِكَ لَمْ يَأْتِ ذِكْرُهُ في القُرْآنِ قَطُّ إلّا في هَذا المَوْضِعِ، ولَمْ يَكُنْ مِن مَنابِتِ الحِجازِ والمَدِينَةِ لِمُنافاةِ جَوِّهِ لِجَوِّها، وهو وإنْ وُجِدَ أخِيرًا إلّا أنَّهُ لا يَجُودُ فِيها جَوْدَتَهُ في غَيْرِها.
فَتَرَجَّحَ أنَّ المُرادَ بِالتِّينِ هو هَذا المَأْكُولُ، كَما جاءَ عَمَّنْ سَمَّيْنا: ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ وعِكْرِمَةَ والحَسَنِ.
أمّا الزَّيْتُونُ، فَقَدْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ في المُقَدِّمَةِ، أنَّ مِن أنْواعِ البَيانِ إذا اخْتُلِفَ في المَعْنى المُرادِ، وكانَ مَجِيءُ أحَدِ المَعْنَيَيْنِ أوِ المَعانِي المُحْتَمَلَةِ أكْثَرَ في القُرْآنِ، فَإنَّهُ يَكُونُ أوْلى بِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ.
وَقَدْ جاءَ ذِكْرُ الزَّيْتُونِ في القُرْآنِ عِدَّةَ مَرّاتٍ مَقْصُودًا بِهِ تِلْكَ الشَّجَرَةُ المُبارَكَةُ، فَذُكِرَ في ضِمْنِ الأشْجارِ خاصَّةً في قَوْلِهِ تَعالى مِن سُورَةِ الأنْعامِ: ﴿وَجَنّاتٍ مِن أعْنابٍ والزَّيْتُونَ والرُّمّانَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿إنَّ في ذَلِكم لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ٩٩]، وسَمّاها بِذاتِها في قَوْلِهِ تَعالى مِن سُورَةِ المُؤْمِنِينَ: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ﴾ [المؤمنون: ٢٠] (p-٥)وَذَكَرَها مَعَ النَّخْلِ والزَّرْعِ في عَبَسَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأنْبَتْنا فِيها حَبًّا﴾ ﴿وَعِنَبًا وقَضْبًا﴾ ﴿وَزَيْتُونًا ونَخْلًا﴾ [عبس: ٢٧ - ٢٩]، وذَكَرَ مِن أخَصِّ خَصائِصِ الأشْجارِ، في قَوْلِهِ في سُورَةِ النُّورِ في المَثَلِ العَظِيمِ المَضْرُوبِ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ المِصْباحُ في زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ﴾ [النور: ٣٥] . فَوَصَفَها بِالبَرَكَةِ ووَصَفَ زَيْتَها بِأنَّهُ يَكادُ يُضِيءُ، ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ، واخْتِيارُها لِهَذا المَثَلِ العَظِيمِ يَجْعَلُها أهْلًا لِهَذا القَسَمِ العَظِيمِ هُنا.
أمّا طُورُ سِينِينَ: فَأكْثَرُهم عَلى أنَّهُ جَبَلُ الطُّورِ، الَّذِي ناجى اللَّهَ مُوسى عِنْدَهُ، كَما جاءَ في عِدَّةِ مَواطِنَ، وذِكْرُ الطُّورِ فِيها لِلتَّكْرِيمِ ولِلْقَسَمِ، فَمِن ذِكْرِهِ لِلتَّكْرِيمِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَنادَيْناهُ مِن جانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ﴾ [مريم: ٥٢]، ومِن ذِكْرِهِ لِلْقَسَمِ بِهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والطُّورِ﴾ ﴿وَكِتابٍ مَسْطُورٍ﴾ [الطور: ١ - ٢] .
وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ في سُورَةِ الطُّورِ قَوْلُهُ، وقَدْ أقْسَمَ اللَّهُ بِالطُّورِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والتِّينِ والزَّيْتُونِ﴾ ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾ [التين: ٢] . ا هـ.
أمّا البَلَدُ الأمِينُ فَهو مَكَّةُ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا﴾، فالأمِينُ بِمَعْنى الآمِنِ، أيْ: مِنَ الأعْداءِ، أنْ يُحارِبُوا أهْلَهُ أوْ يَغْزُوهم، كَما قالَ تَعالى: ﴿أوَلَمْ يَرَوْا أنّا جَعَلْنا حَرَمًا آمِنًا ويُتَخَطَّفُ النّاسُ مِن حَوْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٦٧]، والأمِينُ بِمَعْنى آمِنٍ، جاءَ في قَوْلِ الشّاعِرِ:
؎ألَمْ تَعْلَمِي يا اسْمَ ويْحَكِ أنَّنِي حَلَفْتُ يَمِينًا لا أخُونُ أمِينِي
يُرِيدُ: آمِنِي.
{"ayah":"وَٱلتِّینِ وَٱلزَّیۡتُونِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق