الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا فَرَغْتَ فانْصَبْ﴾ ﴿وَإلى رَبِّكَ فارْغَبْ﴾ النَّصَبُ: التَّعَبُ بَعْدَ الِاجْتِهادِ، كَما في قَوْلِهِ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ﴾ ﴿عامِلَةٌ ناصِبَةٌ﴾ [الغاشية: ٢ - ٣] .
(p-٥٧٩)وَقَدْ يَكُونُ النَّصَبُ لِلدُّنْيا أوْ لِلْآخِرَةِ، ولَمْ يُبَيِّنِ المُرادَ بِالنَّصَبِ في أيِّ شَيْءٍ، فاخْتُلِفَ فِيهِ، ولَكِنَّها أقْوالٌ مُتَقارِبَةٌ.
فَقِيلَ: في الدُّعاءِ بَعْدَ الفَراغِ مِنَ الصَّلاةِ.
وَقِيلَ: في النّافِلَةِ مِنَ الفَرِيضَةِ، والَّذِي يَشْهَدُ لَهُ القُرْآنُ، أنَّهُ تَوْجِيهٌ عامُّ لِلْأخْذِ بِحَظِّ الآخِرَةِ بَعْدَ الفَراغِ مِن عَمَلِ الدُّنْيا، كَما في مِثْلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا﴾،
• وقَوْلِهِ: ﴿إنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هي أشَدُّ وطْئًا وأقْوَمُ قِيلًا﴾ [المزمل: ٦]، أيْ لِأنَّها وقْتُ الفَراغِ مِن عَمَلِ النَّهارِ وفي سُكُونِ اللَّيْلِ،
• وقَوْلِهِ: ﴿إذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ﴾ ﴿وَرَأيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ في دِينِ اللَّهِ أفْواجًا﴾ ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرْهُ﴾ ﴿إنَّهُ كانَ تَوّابًا﴾ [النصر: ١ - ٣]،
فَيَكُونُ وقْتُهُ كُلُّهُ مَشْغُولًا، إمّا لِلدُّنْيا وإمّا لِلدِّينِ.
وَفِي قَوْلِهِ ﴿فَإذا فَرَغْتَ فانْصَبْ﴾، حَلٌّ لِمُشْكِلَةِ الفَراغِ الَّتِي شَغَلَتِ العالَمَ حَيْثُ لَمْ تَتْرُكْ لِلْمُسْلِمِ فَراغًا في وقْتِهِ؛ لِأنَّهُ إمّا في عَمَلٍ لِلدُّنْيا، وإمّا في عَمَلٍ لِلْآخِرَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ”أنَّهُ مَرَّ عَلى رَجُلَيْنِ يَتَصارَعانِ، فَقالَ لَهُما: ما بِهَذا أُمِرْنا بَعْدَ فَراغِنا“ .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أنَّهُ قالَ: ”إنِّي لَأكْرَهُ لِأحَدِكم أنْ يَكُونَ خالِيًا سَبَهْلَلًا، لا في عَمَلِ دُنْيا ولا دِينٍ“ ولِهَذا لَمْ يَشْكُ الصَّدْرُ الأوَّلُ فَراغًا في الوَقْتِ.
وَمِمّا يُشِيرُ إلى وضْعِ الصَّدْرِ الأوَّلِ، ما رَواهُ مالِكٌ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ أنَّهُ قالَ: قُلْتُ لِعائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - وأنا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ: " أرَأيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعالى: ﴿إنَّ الصَّفا والمَرْوَةَ مِن شَعائِرِ اللَّهِ فَمَن حَجَّ البَيْتَ أوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أنْ يَطَّوَّفَ بِهِما﴾ [البقرة: ١٥٨]، فَما عَلى الرَّجُلِ شَيْءٌ ألّا يَطَّوَّفَ بِهِما ؟ فَقالَتْ عائِشَةُ: كَلّا؛ لَوْ كانَ كَما تَقُولُ لَكانَتْ: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ ألّا يَطَّوَّفَ بِهِما.
فانْظُرْ رَحِمَكَ اللَّهُ وإيّايَ، فِيمَ يُفَكِّرُ حَدِيثُ السِّنِّ، وكَيْفَ يَسْتَشْكِلُ مَعانِيَ القُرْآنِ، فَمِثْلُهُ لا يُوجَدُ عِنْدَهُ فَراغٌ.
تَنْبِيهٌ.
(p-٥٨٠)ذَكَرَ الألُوسِيُّ في قَوْلِهِ تَعالى: فانْصَبْ قِراءَةً شاذَّةً بِكَسْرِ الصّادِ، وأخَذَها الشِّيعَةُ عَلى الفَراغِ مِنَ النُّبُوَّةِ، ونَصْبِ عَلِيٍّ إمامًا، وقالَ: لَيْسَ الأمْرُ مُتَعَيِّنًا بِعَلِيٍّ؛ فالسُّنِّيُّ يُمْكِنُ أنْ يَقُولَ: فانْصَبْ أبا بَكْرٍ، فَإنِ احْتَجَّ الشِّيعِيُّ بِما كانَ في غَدِيرِ خُمٍّ، احْتَجَّ السُّنِّيُّ؛ بِأنَّ وقْتَهُ لَمْ يَكُنْ وقْتَ الفَراغِ مِنَ النُّبُوَّةِ.
بَلى إنَّ قَوْلَهُ ﷺ: «مُرُوا أبا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنّاسِ» كانَ بَعْدَهُ، وفي قُرْبِ فَراغِهِ ﷺ مِنَ النُّبُوَّةِ، إذْ كانَ في مَرَضِهِ الَّذِي ماتَ فِيهِ.
فَإنِ احْتَجَّ الشِّيعِيُّ بِالفَراغِ مِن حَجَّةِ الوَداعِ، رَدَّهُ السُّنِّيُّ بِأنَّ الآيَةَ قَبْلَ ذَلِكَ، انْتَهى.
وَعَلى كُلٍّ إذا كانَ الشِّيعَةُ يَحْتَجُّونَ بِها، فَيَكْفِي لِرَدِّ احْتِجاجِهِمْ أنَّها شاذَّةٌ، وتَتَبُّعُ الشَّواذِّ قَرِيبٌ مِنَ التَّأْوِيلِ المُسَمّى بِاللَّعِبِ عِنْدَ عُلَماءِ التَّفْسِيرِ، وهو صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظاهِرِهِ، لا لِقَرِينَةٍ صارِفَةٍ ولا عَلاقَةٍ رابِطَةٍ.
وَمِنَ اللَّعِبِ في التَّأْوِيلِ في هَذِهِ الآيَةِ، ما يَفْعَلُهُ بَعْضُ العَوامِّ: رَأيْتُ رَجُلًا عامِّيًّا عادِيًّا، قَدْ لَبِسَ حُلَّةً كامِلَةً مِن: عِمامَةٍ، وثَوْبٍ صَقِيلٍ، وحِزامٍ جَمِيلٍ مِمّا يُسَمُّونَهُ نَصْبَةً، أيْ: بَدْلَةً كامِلَةً، فَقالَ لَهُ رَجُلٌ: ما هَذِهِ النَّصْبَةُ يا فُلانُ ؟ فَقالَ لَهُ: لَمّا فَرَغْتُ مِن عَمَلِي نَصَبْتُ، كَما قالَ تَعالى: ﴿فَإذا فَرَغْتَ فانْصَبْ﴾ .
كَما سَمِعْتُ آخَرَ يَتَوَجَّعُ لِقِلَّةِ ما في يَدِهِ، ويَقُولُ لِزَمِيلِهِ: ألا تَعْرِفُ لِي شَخْصًا أنْصُبُ عَلَيْهِ، أيْ: آخُذُ قَرْضَةً مِنهُ، فَقُلْتُ لَهُ: ولِمَ تَنْصُبُ عَلَيْهِ ؟ والنَّصْبُ كَذِبٌ وحَرامٌ. فَقالَ: إذا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الإنْسانِ شَيْءٌ، ويَدُهُ خالِيَةٌ فَلا بَأْسَ؛ لِأنَّ اللَّهَ قالَ: ﴿فَإذا فَرَغْتَ فانْصَبْ﴾، وهَذا وأمْثالُهُ مِمّا يَتَجَرَّأُ عَلَيْهِ العامَّةُ لِجَهْلِهِمْ، أوْ أصْحابُ الأهْواءِ لِنِحَلِهِمْ.
{"ayah":"فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











