الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى﴾ جاءَ مُؤَكَّدًا بِاللّامِ وسَوْفَ، وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: يُعْطِيهِ في الدُّنْيا مِن إتْمامِ الدِّينِ وإعْلاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، والنَّصْرِ عَلى الأعْداءِ. والجُمْهُورُ: أنَّهُ في الآخِرَةِ، وهَذا وإنْ كانَ عَلى سَبِيلِ الإجْمالِ، إلّا أنَّهُ فُصِّلَ في بَعْضِ المَواضِعِ، فَأعْظَمُها ما أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَسى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] . وَجاءَ في السُّنَّةِ بَيانُ المَقامِ المَحْمُودِ، وهو الَّذِي يَغْبِطُهُ عَلَيْهِ الأوَّلُونَ والآخِرُونَ، كَما في حَدِيثِ الشَّفاعَةِ العُظْمى حِينَ يَتَخَلّى كُلُّ نَبِيٍّ، ويَقُولُ: «نَفْسِي نَفْسِي، حَتّى يَصِلُوا إلى النَّبِيِّ ﷺ فَيَقُولُ: أنا لَها أنا لَها» إلَخْ. وَمِنها: الحَوْضُ المَوْرُودُ، وما خُصَّتْ بِهِ أُمَّتُهُ غُرًّا مُحَجَّلِينَ، يَرِدُونَ عَلَيْهِ الحَوْضَ. وَمِنها: الوَسِيلَةُ، وهي مَنزِلَةٌ رَفِيعَةٌ عالِيَةٌ لا تَنْبَغِي إلّا لِعَبْدٍ واحِدٍ، كَما في الحَدِيثِ: «إذا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ وسَلُوا اللَّهَ لِيَ الوَسِيلَةَ، فَإنَّها مَنزِلَةٌ في الجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إلّا لِعَبْدٍ واحِدٍ، وأرْجُو أنْ أكُونَ أنا هو» . وَإذا كانَتْ لِعَبْدٍ واحِدٍ فَمَن يَسْتَقْدِمُ عَلَيْها، وإذا رَجا رَبَّهُ أنْ تَكُونَ لَهُ طَلَبَ مِنَ الأُمَّةِ طَلَبَها لَهُ، فَهو مِمّا يُؤَكِّدُ أنَّها لَهُ، وإلّا لَما طَلَبَها ولا تَرَجّاها، ولا أمَرَ بِطَلَبِها لَهُ. وهو بِلا شَكٍّ أحَقُّ بِها مِن جَمِيعِ الخَلْقِ، إذِ الخَلْقُ أفْضَلُهُمُ الرُّسُلُ، وهو ﷺ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمْ في الدُّنْيا، كَما في الإسْراءِ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ في الصَّلاةِ في بَيْتِ المَقْدِسِ. (p-٥٥٩)وَمِنها: الشَّفاعَةُ في دُخُولِ الجَنَّةِ، كَما في الحَدِيثِ: ”أنَّهُ ﷺ «أوَّلُ مَن تُفْتَحُ لَهُ الجَنَّةُ، وأنَّ رِضْوانَ خازِنَ الجَنَّةِ يَقُولُ لَهُ: أُمِرْتُ ألّا أفْتَحَ لِأحَدٍ قَبْلَكَ“» . وَمِنها: الشَّفاعَةُ المُتَعَدِّدَةُ حَتّى لا يَبْقى أحَدٌ مِن أُمَّتِهِ في النّارِ، كَما في الحَدِيثِ: «لا أرْضى وأحَدٌ مِن أُمَّتِي في النّارِ» أسْألُ اللَّهَ أنْ يَرْزُقَنا شَفاعَتَهُ، ويُورِدَنا حَوْضَهُ. آمِينَ. وَشَفاعَتُهُ الخاصَّةُ في الخاصِّ في عَمِّهِ أبِي طالِبٍ، فَيُخَفَّفُ عَنْهُ بِها ما كانَ فِيهِ. وَمِنها: شَهادَتُةُ عَلى الرُّسُلِ، وشَهادَةُ أُمَّتِهِ عَلى الأُمَمِ وغَيْرُ ذَلِكَ، وهَذِهِ بِلا شَكٍّ عَطايا مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ لِحَبِيبِهِ وصَفِيِّهِ الكَرِيمِ، - صَلَواتُ اللَّهِ وسَلامُهُ عَلَيْهِ -، وعَلى آلِهِ وصَحِبَهُ وسَلَّمَ تَسْلِيمًا. تَنْبِيهٌ. اللّامُ في ولَلْآخِرَةُ وفي ولَسَوْفَ لِلتَّأْكِيدِ ولَيْسَتْ لِلْقَسَمِ، وهي في الأوَّلِ دَخَلَتْ عَلى المُبْتَدَأِ، وفي الثّانِيَةِ المُبْتَدَأُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: لَأنْتَ سَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى. قالَهُ أبُو حَيّانَ وأبُو السُّعُودِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب