الباحث القرآني
* قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب):
(p-٤٥٠)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الشَّمْسِ
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَألْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها﴾ .
يَدُلُّ عَلى أنَّ اللَّهَ هو الَّذِي يَجْعَلُ الفُجُورَ والتَّقْوى في القَلْبِ، وقَدْ جاءَتْ آياتٌ تَدُلُّ عَلى أنَّ فُجُورَ العَبْدِ وتَقْواهُ بِاخْتِيارِهِ ومَشِيئَتِهِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاسْتَحَبُّوا العَمى عَلى الهُدى﴾ [فصلت: ١٧] .
وَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدى﴾ [البقرة: ١٦]، ونَحْوَ ذَلِكَ، وهَذِهِ المَسْألَةُ هي الَّتِي ضَلَّ فِيها القَدَرِيَّةُ والجَبْرِيَّةُ.
أمّا القَدَرِيَّةُ فَضَّلُوا بِالتَّفْرِيطِ حَيْثُ زَعَمُوا أنَّ العَبْدَ يَخْلُقُ عَمَلَ نَفْسِهِ اسْتِقْلالًا مِن غَيْرِ تَأْثِيرٍ لِقُدْرَةِ اللَّهِ فِيهِ.
وَأمّا الجَبْرِيَّةُ فَضَّلُوا بِالإفْراطِ حَيْثُ زَعَمُوا أنَّ العَبْدَ لا عَمَلَ لَهُ أصْلًا حَتّى يُؤاخَذَ بِهِ.
وَأمّا أهْلُ السُّنَّةِ والجَماعَةِ فَلَمْ يُفْرِطُوا ولَمْ يُفَرِّطُوا، فَأثْبَتُوا لِلْعَبْدِ أفْعالًا اخْتِيارِيَّةً، ومِنَ الضَّرُورِيِّ عِنْدَ جَمِيعِ العُقَلاءِ أنَّ الحَرَكَةَ الِاتِّعاشِيَّةَ لَيْسَتْ كالحَرَكَةِ الِاخْتِيارِيَّةِ، وأثْبَتُوا أنَّ اللَّهَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَهو خالِقُ العَبْدِ وخالِقُ قُدْرَتِهِ وإرادَتِهِ، وتَأْثِيرُ قُدْرَةِ العَبْدِ لا يَكُونُ إلّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعالى.
فالعَبْدُ وجَمِيعُ أفْعالِهِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعالى؛ مَعَ أنَّ العَبْدَ يَفْعَلُ اخْتِيارًا بِالقُدْرَةِ والإرادَةِ اللَّتَيْنِ خَلَقَهُما اللَّهُ فِيهِ فِعْلًا اخْتِيارِيًّا يُثابُ عَلَيْهِ ويُعاقَبُ.
وَلَوْ فَرَضْنا أنَّ جَبْرِيًّا ناظَرَ سُنِّيًّا فَقالَ الجَبْرِيُّ: حُجَّتِي لِرَبِّي أنْ أقُولَ إنِّي لَسْتُ مُسْتَقِلًّا بِعَمَلٍ، وإنِّي لا بُدَّ أنْ تَنْفُذَ فِيَّ مَشِيئَتُهُ وإرادَتُهُ عَلى وفْقِ العِلْمِ الأزَلِيِّ، فَأنا مَجْبُورٌ، فَكَيْفَ يُعاقِبُنِي عَلى أمْرٍ لا قُدْرَةَ لِي أنْ أحِيدَ عَنْهُ ؟ فَإنَّ السُّنِّيَّ يَقُولُ لَهُ: كُلُّ الأسْبابِ الَّتِي أعْطاها لِلْمُهْتَدِينَ أعْطاها لَكَ، جَعَلَ لَكَ سَمْعًا تَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرًا تُبْصِرُ بِهِ، وعَقْلًا تَعْقِلُ بِهِ، (p-٤٥١)وَأرْسَلَ لَكَ رَسُولًا، وجَعَلَ لَكَ اخْتِيارًا وقُدْرَةً، ولَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إلّا التَّوْفِيقُ وهو مِلْكُهُ المَحْضُ، إنْ أُعْطاهُ فَفَضْلٌ، وإنْ مَنَعَهُ فَعَدْلٌ.
كَما أشارَ لَهُ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكم أجْمَعِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٩]، يَعْنِي أنَّ مِلْكَهُ لِلتَّوْفِيقِ حُجَّةٌ بالِغَةٌ عَلى الخَلْقِ، فَمَن أُعْطِيَهُ فَفَضْلٌ، ومَن مُنِعَهُ فَعَدْلٌ.
وَلَمّا تَناظَرَ أبُو إسْحاقَ الِاسْفَرائِينِيُّ مَعَ عَبْدِ الجَبّارِ المُعْتَزِلِيِّ، قالَ عَبْدُ الجَبّارِ: سُبْحانَ مَن تَنَزَّهَ عَنِ الفَحْشاءِ، وقَصْدُهُ أنَّ المَعاصِيَ كالسَّرِقَةِ والزِّنى بِمَشِيئَةِ العَبْدِ دُونَ مَشِيئَةِ اللَّهِ، لِأنَّ اللَّهَ أعْلى وأجَلُّ مِن أنْ يَشاءَ القَبائِحَ في زَعْمِهِمْ.
فَقالَ أبُو إسْحاقَ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِها باطِلٌ، ثُمَّ قالَ: سُبْحانَ مَن لا يَقَعُ في مُلْكِهِ إلّا ما يَشاءُ.
فَقالَ عَبْدُ الجَبّارِ: أتَراهُ يَخْلُقُهُ ويُعاقِبُنِي عَلَيْهِ ؟
فَقالَ أبُو إسْحاقَ: أتَراكَ تَفْعَلُهُ جَبْرًا عَلَيْهِ ؟ أأنْتَ الرَّبُّ وهو العَبْدُ ؟
فَقالَ عَبْدُ الجَبّارِ: أرَأيْتَ إنْ دَعانِي إلى الهُدى وقَضى عَلَيَّ بِالرَّدى أتَراهُ أحْسَنَ إلَيَّ أمْ أساءَ ؟
فَقالَ أبُو إسْحاقَ: إنْ كانَ الَّذِي مَنَعَكَ مِنهُ مِلْكًا لَكَ فَقَدْ أساءَ، وإنْ كانَ لَهُ فَإنْ أعْطاكَ فَفَضْلٌ، وإنْ مَنَعَكَ فَعَدْلٌ. فَبُهِتَ عَبْدُ الجَبّارِ، وقالَ الحاضِرُونَ: واللَّهِ ما لِهَذا جَوابٌ.
وَجاءَ أعْرابِيٌّ إلى عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وقالَ لَهُ: ادْعُ اللَّهَ لِي أنْ يَرُدَّ عَلَيَّ حِمارَةً سُرِقَتْ مِنِّي، فَقالَ: اللَّهُمَّ إنَّ حِمارَتَهُ سُرِقَتْ ولَمْ تُرِدْ سَرِقَتَها فارْدُدْها عَلَيْهِ، فَقالَ لَهُ الأعْرابِيُّ: يا هَذا كُفَّ عَنِّي دُعائَكَ الخَبِيثَ، إنْ كانَتْ سُرِقَتْ ولَمْ يُرِدْ سَرِقَتَها فَقَدْ يُرِيدُ رَدَّها ولا تُرَدُّ.
وَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ إشْكالَ هَذِهِ المَسْألَةِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما تَشاءُونَ إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ [ ٧٦ ]، فَأثْبَتَ لِلْعَبْدِ مَشِيئَةً، وصَرَّحَ بِأنَّهُ لا مَشِيئَةَ لِلْعَبْدِ إلّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ جَلَّ وعَلا، فَكُلُّ شَيْءٍ صادِرٌ عَنْ قُدْرَتِهِ ومَشِيئَتِهِ جَلَّ وعَلا.
وَقَوْلِهِ: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكم أجْمَعِينَ﴾ .
(p-٤٥٢)وَأمّا عَلى قَوْلِ مَن فَسَّرَ الآيَةَ الكَرِيمَةَ بِأنَّ مَعْنى: ﴿فَألْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها﴾ أنَّهُ بَيَّنَ لَها طَرِيقَ الخَيْرِ وطَرِيقَ الشَّرِّ، فَلا إشْكالَ في الآيَةِ: وبِهَذا المَعْنى فَسَّرَها جَماعَةٌ مِنَ العُلَماءِ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق