الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنْتَ حِلٌّ بِهَذا البَلَدِ﴾، ”حِلٌّ“: بِمَعْنى حالٌّ، والفِعْلُ المُضَعَّفُ يَأْتِي مُضارِعُهُ مِن بابِ نَصَرَ وضَرَبَ، فَإنْ كانَ مُتَعَدِّيًا كانَ مِن بابِ نَصَرَ.
تَقُولُ: حَلَّ العُقْدَةَ يَحُلُّها - بِالضَّمِّ -، وتَقُولُ: حَلَّ بِالمَكانِ يَحِلُّ - بِالكَسْرِ -: إذا أقامَ فِيهِ، والإحْلالُ دُونَ الإحْرامِ.
(p-٥٣٠)وَقَدِ اخْتُلِفَ في المُرادِ بِحِلٌّ: هَلْ هو مِنَ الإحْلالِ بِالمَكانِ ؟ أوْ هو مِنَ التَّحَلُّلِ ضِدَّ الإحْرامِ ؟
فَأكْثَرُ المُفَسِّرِينَ: أنَّهُ مِنَ الإحْلالِ ضِدَّ الإحْرامِ، واخْتَلَفُوا في المُرادِ بِالإحْلالِ هَذا.
فَقِيلَ: هو إحْلالُ مَكَّةَ لَهُ في عامِ الفَتْحِ، ولَمْ تَحِلَّ لِأحَدٍ قَبْلَهُ ولا بَعْدَهُ.
وَقِيلَ: ”حِلٌّ“: أيْ: حَلالٌ لَهُ ما يَفْعَلُ بِمَكَّةَ غَيْرُ آثِمٍ، بَيْنَما هم آثِمُونَ بِفِعْلِهِمْ.
وَقِيلَ: ”حِلٌّ“: أيْ: أنَّ المُشْرِكِينَ مُعَظِّمُونَ هَذا البَلَدَ وحُرْمَتَهُ في نُفُوسِهِمْ، ولَكِنَّهم مُسْتَحِلُّونَ إيذاءَكَ وإخْراجَكَ.
وَذَكَرَ أبُو حَيّانَ: أنَّهُ مِنَ الحُلُولِ والبَقاءِ والسَّكَنِ، أيْ: وأنْتَ حالٌّ بِها. اهـ.
وَعَلى الأوَّلِ يَكُونُ إخْبارًا عَنِ المُسْتَقْبَلِ ووَعْدًا بِالفَتْحِ، وأنَّها تَحِلُّ لَهُ بَعْدَ أنْ كانَتْ حَرامًا، فَيُقاتِلُ أهْلَها ويَنْتَصِرُ عَلَيْهِمْ، أوْ أنَّهُ تَسْلِيَةٌ لَهُ وأنَّ اللَّهَ عالِمٌ بِما يَفْعَلُونَ بِهِ، وسَيَنْصُرُهُ عَلَيْهِمْ.
وَعَلى الثّانِي: يَكُونُ تَأْكِيدًا لِشَرَفِ مَكَّةَ؛ إذْ هي أوَّلا فِيها بَيْتُ اللَّهِ وهو شَرَفٌ عَظِيمٌ، ثُمَّ فِيها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حالٌّ فِيها بَيْنَ أهْلِها.
والَّذِي يَظْهَرُ - واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ -: أنَّ هَذا الثّانِيَ هو الرّاجِحُ، وإنْ كانَ أقَلَّ قائِلًا؛ وذَلِكَ لِقَرائِنَ مِن نَفْسِ السُّورَةِ ومِن غَيْرِها مِنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ.
مِنها: أنَّ حُلُولَهُ ﷺ بِهَذا البَلَدِ لَهُ شَأْنٌ عَظِيمٌ فِعْلًا، وأهَمَّهُ أنَّ اللَّهَ رافِعٌ عَنْهُمُ العَذابَ؛ لِوُجُودِهِ فِيهِمْ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهم وأنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: ٣٣]، فَكَأنَّهُ تَعالى يَقُولُ: وهَذا البَلَدُ الأمِينُ مِنَ العَذابِ، وهَؤُلاءِ الآمِنُونَ مِنَ العَذابِ بِفَضْلِ وُجُودِكَ فِيهِمْ.
وَمِنها: أنَّهُ ﷺ بِحُلُولِهِ فِيها بَيْنَ أظْهُرِهِمْ، يُلاقِي مِنَ المَشاقِّ، ويَصْبِرُ عَلَيْها.
وَفِيهِ أرْوَعُ المَثَلِ لِلصَّبْرِ عَلى المَشاقِّ في الدَّعْوَةِ، فَقَدْ آذَوْهُ كُلَّ الإيذاءِ، حَتّى وضَعُوا سَلا الجَزُورِ عَلَيْهِ وهو يُصَلِّي عِنْدَ الكَعْبَةِ، وهو يَصْبِرُ عَلَيْهِمْ، وآذَوْهُ في عَوْدَتِهِ مِنَ الطّائِفِ، وجاءَهُ مَلِكُ الجِبالِ نُصْرَةً لَهُ، فَأبى وصَبَرَ ودَعا لَهم، ومَنَعُوهُ الدُّخُولَ إلى (p-٥٣١)بَلَدِهِ مَسْقَطَ رَأْسِهِ فَصَبَرَ، ولَمْ يَدْعُ عَلَيْهِمْ، ورَضِيَ الدُّخُولَ في جِوارِ رَجُلٍ مُشْرِكٍ وهَذا هو المُناسِبُ؛ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ ﴿لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ في كَبَدٍ﴾ [البلد: ٤]، وهَذا مِن أعْظَمِهِ.
فَإذا كانَ كُلُّ إنْسانٍ يُكابِدُ في حَياتِهِ، أيًّا كانَ هو، ولِأيِّ غَرَضٍ كانَ، فَمُكابَدَتُكَ تِلْكَ جَدِيرَةٌ بِالتَّقْدِيرِ والإعْظامِ، حَتّى يُقْسَمَ بِها. واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.
{"ayah":"وَأَنتَ حِلُّۢ بِهَـٰذَا ٱلۡبَلَدِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق