الباحث القرآني

قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما أدْراكَ ما الطّارِقُ﴾ ﴿النَّجْمُ الثّاقِبُ﴾ فَقِيلَ: ما يَثْقُبُ الشَّياطِينَ عِنْدَ اسْتِراقِ السَّمْعِ، كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهابًا رَصَدًا﴾ [الجن: ٩] فَيَكُونُ عامًّا في كُلِّ نَجْمٍ. وَقِيلَ: خاصٌّ، فَقِيلَ: زُحَلُ، وقِيلَ: المَرِّيخُ، وقِيلَ: الثُّرَيّا؛ لِأنَّهُ إذا أُطْلِقَ النَّجْمُ عِنْدَ العَرَبِ كانَ مُرادًا بِهِ الثُّرَيّا. وَتَقَدَّمَ هَذا لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ - في أوَّلِ سُورَةِ ”النَّجْمِ“ . (p-٤٩١)وَقِيلَ: ”الثّاقِبُ“: المُضِيءُ، يَثْقُبُ الظَّلامَ بِضَوْئِهِ، وعَلَيْهِ فَهو لِلْجِنْسِ عامَّةً؛ لِأنَّ النُّجُومَ كُلَّها مُضِيئَةٌ. قالَ القُرْطُبِيُّ، وقالَ سُفْيانُ: كُلُّ ما في القُرْآنِ، ”وَما أدْراكَ“ فَقَدْ أخْبَرَهُ بِهِ، وكُلُّ شَيْءٍ قالَ فِيهِ: ”وَما يُدْرِيكَ“، لَمْ يُخْبِرْهُ بِهِ. والواقِعُ أنَّهُ الغالِبُ، فَقَدْ جاءَتْ: ”وَما أدْراكَ“ ثَلاثَ عَشْرَةَ مَرَّةً، كُلُّها أخْبَرَهُ بِها إلّا واحِدَةً، وهي في الحاقَّةِ: ﴿وَما أدْراكَ ما الحاقَّةُ﴾ [الحاقة: ٣]، وما عَداها، فَقَدْ أخْبَرَهُ بِها، وهي: وما ﴿أدْراكَ ما سَقَرُ﴾ ﴿لا تُبْقِي ولا تَذَرُ﴾ [المدثر: ٢٧ - ٢٨] . وَفِي ”المُرْسَلاتِ“: ﴿وَما أدْراكَ ما يَوْمُ الفَصْلِ﴾ [المرسلات: ١٤] . وَفِي ”الِانْفِطارِ“: ﴿وَما أدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ﴾ ﴿ثُمَّ ما أدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ﴾ ﴿يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا﴾ [الإنفطار: ١٧ - ١٩] . وَفِي ”المُطَفِّفِينَ“: ﴿وَما أدْراكَ ما سِجِّينٌ﴾ ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ [المطففين: ٨ - ٩] . وَفِي ”البَلَدِ“: ﴿وَما أدْراكَ ما العَقَبَةُ﴾ ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ [البلد: ١٢ - ١٣] . وَفِي ”القَدْرِ“: ﴿وَما أدْراكَ ما لَيْلَةُ القَدْرِ﴾ ﴿لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِن ألْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: ٢ - ٣] . وَفِي ”القارِعَةِ“: ﴿وَما أدْراكَ ما القارِعَةُ﴾ [القارعة: ٣] . وَأيْضًا: ﴿فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ﴾ ﴿وَما أدْراكَ ما هِيَهْ﴾ ﴿نارٌ حامِيَةٌ﴾ [القارعة: ٩ - ١١]، وفي هَذِهِ السُّورَةِ: ﴿وَما أدْراكَ ما الطّارِقُ﴾ ﴿النَّجْمُ الثّاقِبُ﴾، فَكُلُّها أخْبَرَهُ عَنْها إلّا في ”الحاقَّةِ“ . تَنْبِيهٌ. يُلاحَظُ أنَّها كُلُّها في قِصارِ السُّوَرِ مِنَ ”الحاقَّةِ“ وما بَعْدَها، أمّا ”ما يُدْرِيكَ“، فَقَدْ جاءَتْ ثَلاثَ مَرّاتٍ فَقَطْ: ﴿وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا﴾ [الأحزاب: ٦٣]، في ”الأحْزابِ“: ﴿وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ [الشورى: ١٧]، في ”الشُّورى“، ﴿وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى﴾ [عبس: ٣] في ”عَبَسَ وتَوَلّى“، فَلَمْ يُخْبِرْهُ فِيها صَراحَةً، إلّا أنَّهُ في (p-٤٩٢)الثّالِثَةِ قَدْ يَكُونُ أخْبَرَهُ؛ لِأنَّهُ قالَ: ﴿لَعَلَّهُ يَزَّكّى﴾، فَهو وإنْ لَمْ يُصَرِّحْ: هَلْ هو تَزَكّى أمْ لا ؟ إلّا أنَّ لَعَلَّ مِنَ اللَّهِ تَعالى لِلتَّحْقِيقِ، كَما هو مَعْلُومٌ. تَنْبِيهٌ آخَرُ. قالَ كَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ: أقْسَمَ اللَّهُ بِالسَّماءِ، وبِالنَّجْمِ الطّارِقِ؛ لِعَظَمِ أمَرِهِما، وكِبَرِ خَلْقِهِما، كَما في قَوْلِهِ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾ ﴿وَإنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ [الواقعة: ٧٥ - ٧٦]؛ ولِأنَّهُ أقْسَمَ بِالنَّجْمِ إذا هَوى. وفِيما تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ - تَرْجِيحُ كَوْنِ مَواقِعِ النُّجُومِ: ﴿والنَّجْمِ إذا هَوى﴾ [النجم: ١]: إنَّما هو نُجُومُ القُرْآنِ، وتَنْزِيلُهُ مُنَجَّمًا وهو بِهِ نُزُولُ المَلِكِ بِهِ عَلى النَّبِيِّ ﷺ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب