الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ ﴿فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا﴾ ﴿وَيَنْقَلِبُ إلى أهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ ﴿وَأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ وراءَ ظَهْرِهِ﴾ ﴿فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا﴾ ﴿وَيَصْلى سَعِيرًا﴾ ﴿إنَّهُ كانَ في أهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ ﴿إنَّهُ ظَنَّ أنْ لَنْ يَحُورَ﴾
فِي هَذا التَّفْصِيلِ بَيانٌ لِمَصِيرِ الإنْسانِ نَتِيجَةَ كَدْحِهِ، وما سُجِّلَ عَلَيْهِ في كِتابِ أعْمالِهِ، وذَلِكَ بَعْدَ أنْ تَقَدَّمَ في ”الِانْفِطارِ“ قَوْلَهُ: ﴿وَإنَّ عَلَيْكم لَحافِظِينَ﴾ ﴿كِرامًا كاتِبِينَ﴾ ﴿يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ﴾ ﴿إنَّ الأبْرارَ لَفي نَعِيمٍ﴾ ﴿وَإنَّ الفُجّارَ لَفي جَحِيمٍ﴾ [الإنفطار: ١٨] .
وَجاءَ في ”المُطَفِّفِينَ“: ﴿كَلّا إنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفي سِجِّينٍ﴾ [المطففين: ٧]، ثُمَّ بَعْدَهُ: ﴿كَلّا إنَّ كِتابَ الأبْرارِ لَفي عِلِّيِّينَ﴾ [المطففين: ١٨] .
جاءَ هُنا بَيانُ إتْيانِهِمْ هَذِهِ الكُتُبَ مِمّا يُشِيرُ إلى ارْتِباطِ هَذِهِ السُّوَرِ بَعْضِها بِبَعْضٍ، في بَيانِ مَآلِ العالَمِ كُلِّهِ ومَصِيرِ الإنْسانِ نَتِيجَةَ عَمَلِهِ.
وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ مَباحِثُ إتْيانِ الكُتُبِ بِاليَمِينِ وبِالشِّمالِ ومِن وراءِ الظَّهْرِ، عِنْدَ كُلٍّ مِن (p-٤٧٠)قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإمامِهِمْ﴾ في سُورَةِ ”الإسْراءِ“ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَمَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ [الإسراء: ٧١]، وبَيْنَ أحْوالِ الفَرِيقَيْنِ أهْلُ اليَمِينِ وأهْلُ الشِّمالِ، وأحالَ عَلى أوَّلِ السُّورَةِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَوُضِعَ الكِتابُ فَتَرى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ﴾ [الكهف: ٤٩]، في سُورَةِ ”الكَهْفِ“ وهُنا ذَكَرَ سُبْحانَهُ وتَعالى حالَةً مِن حالاتِ كِلا الفَرِيقَيْنِ.
فالأُولى: ”يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا“ وهو العَرْضُ فَقَطْ دُونَ مُناقَشَةٍ، كَما في حَدِيثِ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها -: «مَن نُوقِشَ الحِسابَ عُذِّبَ» .
والثّانِيَةُ: يَدْعُو عَلى نَفْسِهِ بِالثُّبُورِ وهو الهَلاكُ، ومِنهُ: المُواطَأةُ عَلى الشَّيْءِ، سُمِّيَتْ مُثابَرَةً، لِأنَّهُ كَأنَّهُ يُرِيدُ أنْ يُهْلِكَ نَفْسَهُ في طَلَبِهِ.
وَهُنا مُقابَلَةٌ عَجِيبَةٌ بالِغَةُ الأهَمِّيَّةِ، وذَلِكَ بَيْنَ سُرُورَيْنِ أحَدُهُما آجِلٌ، والآخِرُ عاجِلٌ.
فالأوَّلُ في حَقِّ مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ، أنَّهُ يَنْقَلِبُ إلى أهْلِهِ مَسْرُورًا يُنادِي فَرَحًا: ﴿هاؤُمُ اقْرَءُوا كِتابِيَهْ﴾ [الحاقة: ١٩]، وأهْلُهُ آنَذاكَ في الجَنَّةِ مِنَ الحُورِ والوِلْدانِ، ومِن أقارِبِهِ الَّذِينَ دَخَلُوا الجَنَّةَ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها ومَن صَلَحَ مِن آبائِهِمْ وأزْواجِهِمْ وذُرِّيّاتِهِمْ﴾ [الرعد: ٢٣] .
وَقَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا واتَّبَعَتْهم ذُرِّيَّتُهم بِإيمانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [الطور: ٢١]، فَهم وإنْ كانُوا مُلْحَقِينَ بِهِمْ إلّا أنَّهم مِن أهْلِهِمْ، وهَذا مِن تَمامِ النِّعْمَةِ أنْ يُعْلِمَ بِها مَن يَعْرِفُهُ مِن أهْلِهُ، وهَذا مِمّا يَزِيدُ سُرُورَ العَبْدِ، وهو السُّرُورُ الدّائِمُ.
والآخَرُ سُرُورٌ عاجِلٌ، وهو لِمَن أُعْطُوا كُتُبَهم بِشِمالِهِمْ؛ لِأنَّهم كانُوا في أمَلِهِمْ مَسْرُورِينَ في الدُّنْيا، وشَتّانَ بَيْنَ سُرُورٍ وسُرُورٍ.
وَقَدْ بَيَّنَ هُنا نَتِيجَةَ سُرُورِ أُولَئِكَ في الدُّنْيا، بِأنَّهم يَصِلُونَ سَعِيرًا، ولَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَ سُرُورِ الآخَرِينَ، ولَكِنْ بَيَّنَهُ في مَوْضِعٍ آخَرَ وهو خَوْفُهم مِنَ اللَّهِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالُوا إنّا كُنّا قَبْلُ في أهْلِنا مُشْفِقِينَ﴾ ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا ووَقانا عَذابَ السَّمُومِ﴾ ﴿إنّا كُنّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إنَّهُ هو البَرُّ الرَّحِيمُ﴾ [الطور: ٢٦ - ٢٨] .
وَهُنا يُقالُ: إنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ لَمْ يَجْمَعْ عَلى عَبْدِهِ خَوْفانِ، ولَمْ يُعْطِهِ الأمْنانِ مَعًا، (p-٤٧١)فَمَن خافَهُ في الدُّنْيا أمَّنَهُ في الآخِرَةِ: ﴿وَلِمَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾ [الرحمن: ٤٦] .
﴿وَأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهى النَّفْسَ عَنِ الهَوى﴾ ﴿فَإنَّ الجَنَّةَ هي المَأْوى﴾ [النازعات: ٤٠ - ٤١] .
وَمِن أمِنَ مَكْرَ اللَّهِ، وقَضى كُلَّ شَهَواتِهِ، وكانَ لا يُبالِي فَيُؤْتى كِتابَهُ بِشِمالِهِ ويَصْلى سَعِيرًا، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأصْحابُ الشِّمالِ ما أصْحابُ الشِّمالِ﴾ ﴿فِي سَمُومٍ وحَمِيمٍ﴾ ﴿وَظِلٍّ مِن يَحْمُومٍ﴾ ﴿لا بارِدٍ ولا كَرِيمٍ﴾ ﴿إنَّهم كانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ﴾ ﴿وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلى الحِنْثِ العَظِيمِ﴾ ﴿وَكانُوا يَقُولُونَ أئِذا مِتْنا وكُنّا تُرابًا وعِظامًا أئِنّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ [الواقعة: ٤١ - ٤٧]، تَكْذِيبًا لِلْبَعْثِ.
وَقَوْلُهُ هَذا هو بِعَيْنِهِ المَذْكُورُ في هَذِهِ الآياتِ: ﴿إنَّهُ ظَنَّ أنْ لَنْ يَحُورَ﴾ .
وَقَوْلُهُ: ﴿إنَّهُ ظَنَّ أنْ لَنْ يَحُورَ﴾، هَذا الظَّنُّ مِثْلُ ما تَقَدَّمَ في حَقِّ المُطَفِّفِينَ: ﴿ألا يَظُنُّ أُولَئِكَ أنَّهم مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [المطففين: ٤ - ٥]، مِمّا يُشْعِرُ أنَّ عَدَمَ الإيمانِ بِالبَعْثِ أوِ الشَّكَّ فِيهِ هو الدّافِعُ لِكُلِّ سُوءٍ والمُضَيِّعُ لِكُلِّ خَيْرٍ، وأنَّ الإيمانَ بِاليَوْمِ الآخِرِ هو المُنْطَلَقُ لِكُلِّ خَيْرٍ والمانِعُ لِكُلِّ شَرٍّ، والإيمانُ بِالبَعْثِ هو مُنْطَلَقُ جَمِيعِ الأعْمالِ الصّالِحَةِ كَما في مُسْتَهَلِّ المُصْحَفِ: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢] .
{"ayah":"فَأَمَّا مَنۡ أُوتِیَ كِتَـٰبَهُۥ بِیَمِینِهِۦ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











