الباحث القرآني

ثُمَّ رَدَّ تَعالى عَلَيْهِ ذَلِكَ بِرَدِّهِ إياهُ إلى أصْلِ خِلْقَتِهِ، لِيَتَّعِظَ مِن نَفْسِهِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن أيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ ﴿مِن نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ﴾ ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ ﴿ثُمَّ أماتَهُ فَأقْبَرَهُ﴾ [عبس: ١٨ - ٢١]؛ لِأنَّ هَذِهِ الثَّلاثَةَ مُسَلَّمٌ بِها، ورَتَّبَ عَلَيْها الرّابِعَةَ: ﴿ثُمَّ إذا شاءَ أنْشَرَهُ﴾ [المعارج: ٢٢] . وَقَوْلُهُ: ﴿مِن نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ﴾ تَقَدَّمَ مِرارًا بَيانُ أصْلِ خَلْقِ الإنْسانِ وأطْوارِهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ قِيلَ: ”السَّبِيلُ“ إلى خُرُوجِهِ مِن بَطْنِ أُمِّهِ، حَيْثُ أدارَ رَأْسَهُ إلى جِهَةِ الخُرُوجِ، بَدَلًا مِمّا كانَ عَلَيْهِ إلى أعْلى، وهَذا مِنَ التَّيْسِيرِ في سَبِيلِ خُرُوجِهِ، وهَذا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وغَيْرِهِ، وهو اخْتِيارُ ابْنِ جَرِيرٍ. وَقِيلَ: ”السَّبِيلُ“: أيِ الدِّينُ في وُضُوحِهِ، ويُسْرِ العَمَلِ بِهِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: (p-٤٣٥)﴿إنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إمّا شاكِرًا وإمّا كَفُورًا﴾ [الإنسان: ٣]، وهو مَرْوِيٌّ عَنِ الحَسَنِ وابْنِ زَيْدٍ، ورَجَّحَهُ ابْنُ كَثِيرٍ. وَلَعَلَّ ما رَجَّحَهُ ابْنُ كَثِيرٍ هو الأرْجَحُ؛ لِأنَّ تَيْسِيرَ الوِلادَةِ أمْرٌ عامٌّ في كُلِّ حَيَوانٍ، وهو مُشاهَدٌ مَلْمُوسٌ، فَلا مَزِيَّةَ لِلْإنْسانِ فِيهِ عَلى غَيْرِهِ، كَما أنَّ ما قَبْلَهُ دالٌّ عَلَيْهِ أوْ عَلى مَدْلُولِهِ وهو القُدْرَةُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ﴾ . وَقَدْ يَكُونُ تَيْسِيرُ الوِلادَةِ داخِلًا تَحْتَ قَوْلِهِ: ”فَقَدَّرَهُ“ . أيْ: قَدَّرَ تَخَلُّقَهُ وزَمَنَ وُجُودِهِ وزَمَنَ خُرُوجِهِ، وتَقْدِيراتِ جِسْمِهِ وقَدْرَ حَياتِهِ، وقَدْرَ مَماتِهِ، كَما هو مَعْلُومٌ. أمّا تَيْسِيرُ سَبِيلِ الدِّينِ، فَهو الخاصُّ بِالإنْسانِ. وهو المَطْلُوبُ التَّوَجُّهُ إلَيْهِ. وهو الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ ما بَيْنَ تَخَلُّقِهِ مِن نُطْفَةٍ وتَقْدِيرِهِ. وبَيْنَ إماتَتِهِ وإقْبارِهِ. أيْ: فَتْرَةُ حَياتِهِ في الدُّنْيا، أيْ: خَلَقَهُ مِن نُطْفَةٍ وقَدَّرَ مَجِيئَهُ إلى الدُّنْيا. ويَسَّرَ لَهُ الدِّينَ في التَّكالِيفِ. ثُمَّ أماتَهُ لِيَرى ماذا عَمِلَ: ﴿ثُمَّ إذا شاءَ أنْشَرَهُ﴾ . وَلِذا جاءَ في النِّهايَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿كَلّا لَمّا يَقْضِ ما أمَرَهُ﴾ [عبس: ٢٣] . ولَيْسَ هُنا ما يَدُلُّ عَلى الأمْرِ إلّا السَّبِيلَ يَسَّرَهُ. واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب