الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ . أمَرَ اللَّهُ تَعالى المُؤْمِنِينَ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ بِالثَّباتِ عِنْدَ لِقاءِ العَدُوِّ، وذِكْرِ اللَّهِ كَثِيرًا مُشِيرًا إلى أنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِلْفَلاحِ، والأمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، أوْ مُسْتَلْزِمٌ لِلنَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ، كَما عُلِمَ في الأُصُولِ، فَتَدُلُّ الآيَةُ الكَرِيمَةُ عَلى النَّهْيِ عَنْ عَدَمِ الثَّباتِ (p-١٠٢)أمامَ الكَفّارِ، وقَدْ صَرَّحَ تَعالى بِهَذا المَدْلُولِ في قَوْلِهِ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبارَ﴾ [الأنفال: ١٥]، إلى قَوْلِهِ: ﴿وَبِئْسَ المَصِيرُ﴾ [الأنفال: ١٦]، وفي الأمْرِ بِالإكْثارِ مِن ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى في أضْيَقِ الأوْقاتِ وهو وقْتُ التِحامِ القِتالِ دَلِيلٌ واضِحٌ عَلى أنَّ المُسْلِمَ يَنْبَغِي لَهُ الإكْثارُ مِن ذِكْرِ اللَّهِ عَلى كُلِّ حالٍ، ولا سِيَّما في وقْتِ الضِّيقِ، والمُحِبُّ الصّادِقُ في حُبِّهِ لا يَنْسى مَحْبُوبَهُ عِنْدَ نُزُولِ الشَّدائِدِ. قالَ عَنْتَرَةُ في مُعَلَّقَتِهِ: [ الكامِلُ ] ؎وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ والرِّماحُ نَواهِلٌ مِنِّي وبِيضُ الهِنْدِ تَقْطُرُ مِن دَمِي وَقالَ الآخَرُ: ؎ذَكَرْتُكِ والخَطِيُّ يَخْطُرُ بَيْنَنا ∗∗∗ وقَدْ نَهَلَتْ فِينا المُثَقَّفَةُ السُّمْرُ تَنْبِيهٌ قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: كُلُّ ”لَعَلَّ“ في القُرْآنِ فَهي لِلتَّعْلِيلِ إلّا الَّتِي في سُورَةِ الشُّعَراءِ: ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكم تَخْلُدُونَ﴾ [ ١٢٩ ]، فَهي بِمَعْنى ”كَأنَّكم تَخْلُدُونَ“ . قالَ مُقَيِّدُهُ عَفا اللَّهُ عَنْهُ: لَفْظَةُ ”لَعَلَّ“ قَدْ تَرِدُ في كَلامِ العَرَبِ مُرادًا بِها التَّعْلِيلُ، ومِنهُ قَوْلُهُ: [ الطَّوِيلُ ] فَقُلْتُمْ لَنا كُفُّوا الحُرُوبَ لَعَلَّنا نَكُفُّ ووَثَّقْتُمْ لَنا كُلَّ مُوثَقِ فَلَمّا كَفَفْنا الحَرْبَ كانَتْ عُهُودُكم كَشِبْهِ سَرابٍ بِالمَلا مُتَألِّقِ فَقَوْلُهُ ”لَعَلَّنا نَكُفُّ“ يَعْنِي: ”لِأجْلِ أنْ نَكُفَّ“، وكَوْنُها لِلتَّعْلِيلِ لا يُنافِي ”مَعْنى التَّرَجِّي“؛ لِأنَّ وُجُودَ المَعْلُولِ يُرْجى عِنْدَ وُجُودِ عِلَّتِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب