الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ مَعْلُومٌ أنَّ القَوْلَ هُنا هو القُرْآنُ كَما قالَ تَعالى ﴿إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ [الحاقة: ٤٠] وقَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ وصَّلْنا لَهُمُ القَوْلَ لَعَلَّهم يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص: ٥١] . وَقَوْلُهُ: ﴿إنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ [الطارق: ١٣]، وقَوْلُهُ ﴿وَمَن أصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ [النساء: ١٢٢]، ونَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. وَلَكِنَّ وصْفَهُ بِالثِّقَلِ مَعَ أنَّ الثِّقَلَ لِلْأوْزانِ وهي المَحْسُوساتُ. فَقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: إنَّ الثِّقَلَ في وزْنِ الثَّوابِ، وقِيلَ في التَّكالِيفِ بِهِ، وقِيلَ مِن أثْناءِ نُزُولِ الوَحْيِ عَلَيْهِ، وكُلُّ ذَلِكَ ثابِتٌ لِلْقُرْآنِ الكَرِيمِ: فَمِن جِهَةِ نُزُولِهِ، فَقَدْ ثَبَتَ أنَّهُ ﷺ كانَ إذا أتاهُ الوَحْيُ أخَذَتْهُ (p-٣٥٩)بُرَحاءُ شَدِيدَةٌ، وكانَ يَحْمَرُّ وجْهُهُ كَأنَّهُ مُذْهَبَةٌ، وكانَ إذا نَزَلَ عَلَيْهِ ﷺ وهو في سَفَرِهِ عَلى راحِلَتِهِ بَرَكَتْ بِهِ النّاقَةُ، وجاءَ عَنْ أنَسٍ: «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ واضِعًا رَأْسَهُ عَلى فَخِذِهِ، فَأتاهُ الوَحْيُ، قالَ أنَسٌ: فَكانَ فَخِذِي تَكادُ تَنْفَصِلُ مِنِّي»، ومِن جانِبِ تَكالِيفِهِ فَقَدْ ثَقُلَتْ عَلى السَّماواتِ والأرْضِ والجِبالِ وأشْفَقْنَ مِنها، كَما هو مَعْلُومٌ. وَمِن جانِبِ ثَوابِهِ: فَقَدْ جاءَ في حَدِيثِ مُسْلِمٍ: «الحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللَّهِ والحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ أوْ تَمْلَأُ ما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ» . وَحَدِيثُ البِطاقَةِ وكُلُّ ذَلِكَ يَشْهَدُ بَعْضُهُ لِبَعْضٍ ولا يُنافِيهِ. وَقَدْ بَيَّنَ تَعالى أنَّ هَذا الثُّقْلَ قَدْ يُخَفِّفُهُ اللَّهُ عَلى المُؤْمِنِينَ، كَما في الصَّلاةِ في قَوْلِهِ: ﴿وَإنَّها لَكَبِيرَةٌ إلّا عَلى الخاشِعِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنَّهم مُلاقُو رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٤٥ - ٤٦]، وكَذَلِكَ القُرْآنُ ثَقِيلٌ عَلى الكُفّارِ، خَفِيفٌ عَلى المُؤْمِنِينَ مُحَبَّبٌ إلَيْهِمْ. وَقَدْ جاءَ في الآثارِ أنَّ بَعْضَ السَّلَفِ كانَ يَقُومُ اللَّيْلَ كُلَّهُ بِسُورَةٍ مِن سُوَرِ القُرْآنِ تَلَذُّذًا وارْتِياحًا، كَما قالَ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾ [القمر: ١٧]، فَهو ثَقِيلٌ في وزْنِهِ ثَقِيلٌ في تَكالِيفِهِ، ولَكِنْ يُخَفِّفُهُ اللَّهُ ويُيَسِّرُهُ لِمَن هَداهُ ووَفَّقَهُ إلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب