الباحث القرآني

(p-٢٦٤)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. سُورَةُ المَعارِجِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَألَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ﴾ المَعْلُومُ أنَّ مادَّةَ سَألَ لا تَتَعَدّى بِالباءِ، كَتَعَدِّيها هُنا. ولِذا قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إنَّ الفِعْلَ ضُمِّنَ مَعْنى فِعْلٍ آخَرَ يَتَعَدّى بِالباءِ وهو مُقَدَّرٌ: ما اسْتَعْجَلَ، واسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ﴾ [العنكبوت: ٥٣]، وذُكِرَ عَنْ مُجاهِدٍ: أنَّ سَألَ بِمَعْنى دَعا. واسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعالى عَنْهم: ﴿اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ مِن عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢]، وذَكَرَ هَذا القَوْلَ ابْنُ جَرِيرٍ أيْضًا عَنْ مُجاهِدٍ. وَقُرِئَ (سالَ) بِدُونِ هَمْزَةٍ مِنَ السَّيْلِ، ذَكَرَها ابْنُ كَثِيرٍ وابْنُ جَرِيرٍ، وقالُوا: هو وادٍ في جَهَنَّمَ، وقِيلَ: مُخَفَّفُ (سَألَ) اهـ. وَلَعَلَّ مِمّا يُرَجِّحُ قَوْلَ ابْنِ جَرِيرٍ أنَّ الفِعْلَ ضُمِّنَ مَعْنى مَثَلٍ آخَرَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِها الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها﴾ الآيَةَ [الشورى: ١٨] . وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ - بَيانُ هَذا المَعْنى عِنْدَ الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى ﴿وَإذْ قالُوا اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ مِن عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ﴾ [الأنفال: ٣٢]، وأحالَ عَلى سُورَةِ (سَألَ) وقالَ: وسَيَأْتِي زِيادَةُ إيضاحٍ إنْ شاءَ اللَّهُ. وَقَدْ بَيَّنَ هُناكَ: أنَّ قَوْلَهم يَدُلُّ عَلى جَهالَتِهِمْ؛ حَيْثُ لَمْ يَطْلُبُوا الهِدايَةَ إلَيْهِ إنْ كانَ هو الحَقَّ. وَحَيْثُ إنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أحالَ عَلى هَذِهِ السُّورَةِ لِزِيادَةِ الإيضاحِ؛ فَإنَّ المُناسِبَ إنَّما هو هَذِهِ الآيَةُ: ﴿سَألَ سائِلٌ﴾ بِمَعْنى: اسْتَعْجَلَ أوْ دَعا؛ لِوُجُودِ الِارْتِباطِ بَيْنَ آيَةِ (سَألَ) وآيَةِ: ﴿اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ﴾ المَذْكُورَةِ. فَإنَّهُما مُرْتَبِطانِ بِسَبَبِ النُّزُولِ. (p-٢٦٥)كَما قالَ ابْنُ جَرِيرٍ وغَيْرُهُ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿سَألَ سائِلٌ﴾، قالَ: دَعا داعٍ (بِعَذابٍ واقِعٍ) . قالَ: هو قَوْلُهم ﴿اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ مِن عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا﴾ الآيَةَ. والقائِلُ هو النَّضْرُ بْنُ الحارِثِ بْنِ كَلْدَةَ. والإيضاحُ المُنَوَّهُ عَنْهُ يُمْكِنُ اسْتِنْتاجُهُ مِن هَذا الرَّبْطِ، ومِن قَوْلِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهُ يَدُلُّ عَلى جَهالَتِهِمْ، وبَيانِ ما إذا كانَ هَذا العَذابُ الواقِعُ هَلْ وُقُوعُهُ في الدُّنْيا أمْ يَوْمَ القِيامَةِ ؟ . والَّذِي يَظْهَرُ - واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ -: أنَّ جَهالَةَ قُرَيْشٍ دَلَّ عَلَيْها العَقْلُ والنَّقْلُ؛ لِأنَّ العَقْلَ يَقْضِي بِطَلَبِ النَّفْعِ ودَفْعِ الضُّرِّ كَما قِيلَ: لِما نافِعٍ يَسْعى اللَّبِيبُ فَلا تَكُنْ ساعِيًا. وَأمّا النَّقْلُ؛ فَلِأنَّ مِمّا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنا: أنَّ سَحَرَةَ فِرْعَوْنَ وقَدْ جاءُوا مُتَحَدِّينَ غايَةَ التَّحَدِّي لِمُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ -، ولَكِنَّهم لَمّا عايَنُوا الحَقَّ، قالُوا: آمَنّا، وخَرُّوا سُجَّدًا ولَمْ يُكابِرُوا، كَما قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنا مِن نَبَئِهِمْ في كِتابِهِ، قالَ تَعالى: ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا﴾ ﴿قالُوا آمَنّا بِرَبِّ هارُونَ ومُوسى﴾ ولَمّا اعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فِرْعَوْنُ، وقالَ: ﴿آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أنْ آذَنَ لَكُمْ﴾ إلى آخِرِ كَلامِهِ، قالُوا وهو مَحَلُّ الشّاهِدِ هُنا: ﴿لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ البَيِّناتِ والَّذِي فَطَرَنا﴾ ولَمْ يُبالُوا بِوَعِيدِهِ ولا بِتَهْدِيدِهِ. وقالُوا في اسْتِخْفافٍ: ﴿فاقْضِ ما أنْتَ قاضٍ﴾ [طه: ٧٠ - ٧٢]، فَهم لَمّا عايَنُوا البَيِّناتِ خَرُّوا سُجَّدًا وأعْلَنُوا إيمانَهم، وهَؤُلاءِ كُفّارُ قُرَيْشٍ يَقُولُونَ مَقالَتَهم تِلْكَ. أمّا وُقُوعُ العَذابِ المَسْئُولِ عَنْهُ؛ فَإنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ، وإنَّما عَبَّرَ بِالمُضارِعِ الدّالِّ عَلى الحالِ؛ لِلتَّأْكِيدِ عَلى وُقُوعِهِ، وكَأنَّهُ مُشاهَدٌ، وقالَهُ الفَخْرُ الرّازِيُّ، وقالَ: هو نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعالى ﴿أتى أمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب