الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وجَدْنا عَلَيْها آباءَنا﴾ الآيَةَ. ذَكَرَ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّ الكُفّارَ إذا فَعَلُوا فاحِشَةً، اسْتَدَلُّوا عَلى أنَّها حَقٌّ وصَوابٌ، بِأنَّهم وجَدُوا آباءَهم يَفْعَلُونَها، وأنَّهم ما فَعَلُوها، إلّا لِأنَّها صَوابٌ ورُشْدٌ. وَبَيَّنَ في مَوْضِعٍ آخَرَ: أنَّ هَذا واقِعٌ مِن جَمِيعِ الأُمَمِ، وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكَذَلِكَ ما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ في قَرْيَةٍ مِن نَذِيرٍ إلّا قالَ مُتْرَفُوها إنّا وجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وإنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣] . وَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذا التَّقْلِيدَ الأعْمى في آياتٍ كَثِيرَةٍ، • كَقَوْلِهِ: ﴿أوَلَوْ كانَ آباؤُهم لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا ولا يَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ١٧٠]، • وقَوْلِهِ: ﴿أوَلَوْ كانَ آباؤُهم لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا ولا يَهْتَدُونَ﴾ [المائدة: ١٠٤]، • وقَوْلِهِ: ﴿قالَ أوَلَوْ جِئْتُكم بِأهْدى مِمّا وجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ﴾ [الزخرف: ٢٤]، • وقَوْلِهِ: ﴿إنَّهم ألْفَوْا آباءَهم ضالِّينَ﴾ ﴿فَهم عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ﴾ [الصافات: ٦٩، ٧٠] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. ⁕ ⁕ ⁕ * قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب): قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ إنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالفَحْشاءِ﴾ . هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ يُتَوَهَّمُ خِلافُ ما دَلَّتْ عَلَيْهِ مِن ظاهِرِ آيَةٍ أُخْرى، وهي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا أرَدْنا أنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها﴾ الآيَةَ [الإسراء: ١٦] . والجَوابُ عَنْ ذَلِكَ مِن ثَلاثَةِ أوْجُهٍ: الأوَّلُ: وهو أظْهَرُها أنَّ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿أمَرْنا مُتْرَفِيها﴾ أيْ بِطاعَةِ اللَّهِ وتَصْدِيقِ الرُّسُلِ ﴿فَفَسَقُوا﴾، أيْ بِتَكْذِيبِ الرُّسُلِ ومَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعالى، فَلا إشْكالَ في الآيَةِ أصْلًا. (p-٢٩٠)الثّانِي: أنَّ الأمْرَ في قَوْلِهِ: ﴿أمَرْنا مُتْرَفِيها﴾ أمْرٌ كَوْنِيٌّ قَدَرِيٌّ لا أمْرٌ شَرْعِيٌّ، أيْ قَدَرْنا عَلَيْهِمُ الفِسْقَ بِمَشِيئَتِنا، والأمْرُ الكَوْنِيُّ القَدَرِيُّ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ﴾ [البقرة: ٦٥]، ﴿إنَّما أمْرُهُ إذا أرادَ شَيْئًا أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢]، والأمْرُ في قَوْلِهِ: ﴿قُلْ إنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالفَحْشاءِ﴾ أمْرٌ شَرْعِيٌّ دِينِيٌّ فَظَهَرَ أنَّ الأمْرَ المَنفِيَّ غَيْرَ الأمْرِ المُثْبَتِ. الوَجْهُ الثّالِثُ: أنَّ مَعْنى: ﴿أمَرْنا مُتْرَفِيها﴾: أيْ كَثَّرْناهم حَتّى بَطِرُوا النِّعْمَةَ ﴿فَفَسَقُوا﴾، ويَدُلُّ لِهَذا المَعْنى الحَدِيثُ الَّذِي أخْرَجَهُ الإمامُ أحْمَدُ مَرْفُوعًا مِن حَدِيثِ سُوَيْدِ بْنِ هُبَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «خَيْرُ مالِ امْرِئٍ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ أوْ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ» فَقَوْلُهُ: ”مَأْمُورَةٌ“ أيْ كَثِيرَةُ النَّسْلِ، وهي مَحَلُّ الشّاهِدِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب