الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أمَّنْ هَذا الَّذِي يَرْزُقُكم إنْ أمْسَكَ رِزْقَهُ﴾ .
يَقُولُ تَعالى لِلْمُشْرِكِينَ: مَن هَذا الَّذِي غَيْرُهُ سُبْحانَهُ يَرْزُقُكم، إنْ أمْسَكَ اللَّهُ عَنْكم رِزْقَهُ.
والجَوابُ: لا أحَدَ يَقْدِرُ عَلى ذَلِكَ ولا يَمْلِكُهُ إلّا اللَّهُ.
وَقَدْ صَرَّحَ تَعالى بِهَذا السُّؤالِ وجَوابِهِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكم مِنَ السَّماواتِ والأرْضِ قُلِ اللَّهُ﴾ [سبإ: ٢٤] .
أيْ: لا أحَدَ سِواهُ سُبْحانَهُ لا إلَهَ إلّا هو، قالَ تَعالى: ﴿هَلْ مِن خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكم مِنَ السَّماءِ والأرْضِ لا إلَهَ إلّا هو فَأنّى تُؤْفَكُونَ﴾ (p-٢٤٣)[فاطر: ٣] .
وَذَلِكَ لِأنَّ الَّذِي يَقْدِرُ عَلى الخَلْقِ هو الَّذِي يَمْلِكُ القُدْرَةَ عَلى الرِّزْقِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكم مِنَ السَّماءِ والأرْضِ أمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ والأبْصارَ ومَن يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ ويُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ ومَن يُدَبِّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أفَلا تَتَّقُونَ﴾ [يونس: ٣١] .
وَكَقَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكم ثُمَّ رَزَقَكم ثُمَّ يُمِيتُكم ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ [الروم: ٤٠] .
وَهَذا مِن كَمالِ القُدْرَةِ عَلى الإحْياءِ والإماتَةِ والرِّزْقِ، وقَدْ بَيَّنَ تَعالى أنَّ ذَلِكَ لِمَن بِيَدِهِ مَقالِيدُ الأُمُورِ سُبْحانَهُ، وتَدْبِيرُ شُئُونِ الخَلْقِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾، ثُمَّ قالَ: ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ ويَقْدِرُ إنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الشورى: ١٢]، أيْ: يَبْسُطُ ويَقْدِرُ، يَعْلَمُ لا عَنْ نَقْصٍ ولا حاجَةٍ، ولَكِنْ يَعْلَمُ بِمَصالِحِ عِبادِهِ، ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشاءُ وهو القَوِيُّ العَزِيزُ﴾ [الشورى: ١٩] أيْ: يُعامِلُهم بِلُطْفِهِ وهو قَوِيٌّ عَلى أنْ يَرْزُقَ الجَمِيعَ رِزْقًا واسِعًا، وهو العَزِيزُ في مُلْكِهِ، فَهو يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ ويَقْدِرُ، كَما قالَ تَعالى: ﴿اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ ويَقْدِرُ﴾ [الزمر: ٥٢] أيْ: بِمُقْتَضى اللُّطْفِ والعِلْمِ: ﴿وَما مِن دابَّةٍ في الأرْضِ إلّا عَلى اللَّهِ رِزْقُها﴾ [هود: ٦] .
وَمِن هَذا كُلِّهِ يُرَدُّ عَلى أُولَئِكَ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ عِنْدَ غَيْرِهِ الرِّزْقَ، كَما في قَوْلِهِ: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهم رِزْقًا مِنَ السَّماواتِ والأرْضِ شَيْئًا ولا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [النحل: ٧٣] .
وَقَدْ جَمَعَ الأمْرَيْنِ تَوْبِيخَهم وتَوْجِيهَهم في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أوْثانًا وتَخْلُقُونَ إفْكًا إنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكم رِزْقًا فابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ واعْبُدُوهُ واشْكُرُوا لَهُ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: ١٧] .
وَقَدْ بَيَّنَ تَعالى قَضِيَّةَ الخَلْقِ والرِّزْقِ والعِبادَةِ كُلَّها في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ﴾ ﴿ما أُرِيدُ مِنهم مِن رِزْقٍ وما أُرِيدُ أنْ يُطْعِمُونِ﴾ ﴿إنَّ اللَّهَ هو الرَّزّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ﴾ [الذاريات: ٥٦ - ٥٨] .
وَقَدْ بَيَّنَ تَعالى في الآياتِ المُتَقَدِّمَةِ أنَّهُ يَرْزُقُ العِبادَ مِنَ السَّماواتِ والأرْضِ جُمْلَةً.
(p-٢٤٤)وَبَيَّنَ في آياتٍ أُخْرى كَيْفِيَّةَ هَذا الرِّزْقِ تَفْصِيلًا مِمّا يَعْجِزُ الخَلْقُ عَنْ فِعْلِهِ، وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ إلى طَعامِهِ﴾ ﴿أنّا صَبَبْنا الماءَ صَبًّا﴾ ﴿ثُمَّ شَقَقْنا الأرْضَ شَقًّا﴾ ﴿فَأنْبَتْنا فِيها حَبًّا﴾ ﴿وَعِنَبًا وقَضْبًا﴾ ﴿وَزَيْتُونًا ونَخْلًا﴾ ﴿وَحَدائِقَ غُلْبًا﴾ ﴿وَفاكِهَةً وأبًّا﴾ ﴿مَتاعًا لَكم ولِأنْعامِكُمْ﴾ [عبس: ٢٤ - ٣٢] .
فَجَمِيعُ أنْواعِ الرِّزْقِ في ذَلِكَ ابْتِداءً مِن إنْزالِ الماءِ مِنَ السَّماءِ، ثُمَّ يَنْشَأُ عَنْهُ إشْقاقُ الأرْضِ عَنِ النَّباتِ بِأنْواعِهِ حَبًّا وعِنَبًا وزَيْتُونًا ونَخْلًا وحَدائِقَ وفاكِهَةً، وكُلُّها لِلْإنْسانِ، وقَضْبًا وأبًّا لِلْأنْعامِ، والأنْعامُ أرْزاقٌ أيْضًا لَحْمًا ولَبَنًا، وجَمِيعُ ذَلِكَ قِوامُهُ إنْزالُ الماءِ مِنَ السَّماءِ، ولا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ مِن ذَلِكَ كُلِّهِ إلّا اللَّهُ.
فَإذا أمْسَكَهُ اللَّهُ عَنِ الخَلْقِ لا يَقْوى مَخْلُوقٌ عَلى إنْزالِهِ، فَإذا عَلِمَ المُسْلِمُ أنَّ الأرْزاقَ بِيَدِ الخَلّاقِ، ومَن بِيَدِهِ مَقالِيدُ السَّماواتِ والأرْضِ لَنْ يَتَّجِهَ بِرَغْبَةٍ ولا يَتَوَجَّهَ بِسُؤالٍ إلّا إلى اللَّهِ تَعالى، مُوقِنًا حَقَّ اليَقِينِ أنَّهُ هو سُبْحانَهُ هو الرَّزّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ.
وَكَما قالَ تَعالى: ﴿وَفِي السَّماءِ رِزْقُكم وما تُوعَدُونَ﴾ ﴿فَوَرَبِّ السَّماءِ والأرْضِ إنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أنَّكم تَنْطِقُونَ﴾ [الذاريات: ٢٢ - ٢٣] .
وَقَدْ جاءَ عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَوْلُها: واللَّهِ لا يَكْمُلُ إيمانُ العَبْدِ حَتّى يَكُونَ يَقِينُهُ بِما عِنْدَ اللَّهِ أعْظَمَ مِمّا بِيَدِهِ.
{"ayah":"أَمَّنۡ هَـٰذَا ٱلَّذِی یَرۡزُقُكُمۡ إِنۡ أَمۡسَكَ رِزۡقَهُۥۚ بَل لَّجُّوا۟ فِی عُتُوࣲّ وَنُفُورٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











