الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ تَتُوبا إلى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما﴾ . أُطْلِقَتِ التَّوْبَةُ هُنا وقُيِّدَتْ في الآيَةِ بَعْدَها بِأنَّها تَوْبَةٌ نَصُوحٌ، في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾ [التحريم: ٨] . وَحَقِيقَةُ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ وشُرُوطُها وآثارُها تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ - عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أيُّها المُؤْمِنُونَ﴾ [النور: ٣١] . وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما﴾ . قالَ الشَّيْخُ في إمْلائِهِ: (صَغَتْ): بِمَعْنى مالَتْ ورَضِيَتْ وأحَبَّتْ ما كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ . اهـ. وَقالَ: (وقُلُوبُكُما) جَمْعٌ مَعَ أنَّهُ لِاثْنَتَيْنِ هُما حَفْصَةُ وعائِشَةُ، فَقِيلَ: لِأنَّ المَعْنى مَعْلُومٌ والجَمْعَ أخَفُّ مِنَ المُثَنّى إذا أُضِيفَ. وقِيلَ هو مِمّا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلى أنَّ أقَلَّ الجَمْعِ اثْنَيْنِ كَما في المِيراثِ في قَوْلِهِ: ﴿فَإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ﴾ [النساء: ١١] . وَجَوابُ الشَّرْطِ في قَوْلِهِ تَعالى: إنْ تَتُوبا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ، فَذَلِكَ واجِبٌ عَلَيْكُما؛ لِأنَّ قُلُوبَكُما مالَتْ إلى ما لا يُحِبُّهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ . اهـ. وَقَدَّرَهُ القُرْطُبِيُّ بِذَلِكَ خَيْرٌ لَكم ومَعْناهُما مُتَقارِبٌ. * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإنَّ اللَّهَ هو مَوْلاهُ وجِبْرِيلُ وصالِحُ المُؤْمِنِينَ والمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ . قالَ أبُو حَيّانَ: الوَقْفُ عَلى (مَوْلاهُ)، وتَكُونُ الوَلايَةُ خاصَّةً بِاللَّهِ، ويَكُونُ (جِبْرِيلُ) مُبْتَدَأً وما بَعْدَهُ عُطِفَ عَلَيْهِ، (وظَهِيرٌ) خَبَرٌ، وعَلَيْهِ يَكُونُ جِبْرِيلُ ذُكِرَ مَرَّتَيْنِ بِالخُصُوصِ أوَّلًا وبِالعُمُومِ ثانِيًا. وَقِيلَ: الوَقْفُ عَلى (جِبْرِيلَ) مَعْطُوفًا عَلى لَفْظِ الجَلالَةِ في الوِلايَةِ، ثُمَّ ابْتُدِئَ بِصالِحِ المُؤْمِنِينَ وعُطِفَ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ، ويَدْخُلُ فِيهِمْ جِبْرِيلُ ضِمْنًا. اهـ. (p-٢٢١)فَعَلى الوَقْفِ الأوَّلِ يَكُونُ دَرْجُ صالِحِ المُؤْمِنِينَ بَيْنَ جِبْرِيلَ وبَيْنَ المَلائِكَةِ تَنْبِيهًا عَلى عُلُوِّ مَنزِلَةِ صالِحِ المُؤْمِنِينَ، وبَيانِ مَنزِلَتِهِمْ مِن عُمُومِ المَلائِكَةِ بَعْدَ جِبْرِيلَ، وعَلى الوَقْفِ الثّانِي فِيهِ عِطْفُ جِبْرِيلَ عَلى لَفْظِ الجَلالَةِ في الوَلايَةِ بِالواوِ، ولَيْسَ فِيهِ ما يُوهِمُ التَّعارُضَ مَعَ الحَدِيثِ في ثُمَّ إذْ مَحَلُّ العَطْفِ هو الوِلايَةُ، وهي قَدْرٌ مُمْكِنٌ مِنَ الخَلْقِ ومِنَ اللَّهِ تَعالى كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وبِالمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ٦٢] لِأنَّ النَّصْرَ يَكُونُ مِنَ اللَّهِ ويَكُونُ مِنَ العِبادِ، مِن بابِ الأخْذِ بِالأسْبابِ: ﴿إلّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾ [التوبة: ٤٠] . وَكَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ [الحشر: ٨] . وَقَوْلِهِ: ﴿مَن أنْصارِي إلى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٥٢]، بِخِلافِ سِياقِ الحَدِيثِ، فَقَدْ كانَ في مَوْضُوعِ المَشِيئَةِ حِينَما قالَ الأعْرابِيُّ: «ما شاءَ اللَّهُ وشِئْتَ. فَقالَ لَهُ ﷺ: ”أجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا ؟ قُلْ ما شاءَ اللَّهُ وحْدَهُ“»؛ لِأنَّ حَقِيقَةَ المَشِيئَةِ لِلَّهِ تَعالى وحْدَهُ كَما في قَوْلِهِ: ﴿وَما تَشاءُونَ إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ [التكوير: ٢٩]، وكَقَوْلِهِ: ﴿بَلْ لِلَّهِ الأمْرُ جَمِيعًا﴾ [الرعد: ٣١]، وكَقَوْلِهِ: ﴿لِلَّهِ الأمْرُ مِن قَبْلُ ومِن بَعْدُ﴾ [الروم: ٤] . وَمِنَ اللَّطائِفِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ﴾ إلى آخِرِ ما سَمِعْتُهُ مِنَ الشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ - أنَّهُ قالَ: إنَّ المُتَظاهِرَتَيْنِ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ امْرَأتانِ فَقَطْ تَآمَرَتا عَلَيْهِ فِيما بَيْنَهُما، فَجاءَ بَيانُ المُوالِينَ لَهُ ضِدَّهُما كُلَّ مَن ذُكِرَ في الآيَةِ. فَإنَّ اللَّهَ هو مَوْلاهُ وجِبْرِيلُ وصالِحُ المُؤْمِنِينَ والمَلائِكَةُ، ما يَدُلُّ عَلى عِظَمِ كَيْدِهِنَّ وضَعْفِ الرِّجالِ أمامَهُنَّ، وقَدْ أشارَ إلى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ [يوسف: ٢٨]، بَيْنَما قالَ في كَيْدِ الشَّيْطانِ: ﴿إنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٧٦] . وَقَدْ عَبَّرَ الشّاعِرُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ؎ما اسْتَعْظَمَ الإلَهُ كَيْدَهُنَّهْ إلّا لِأنَّهُنَّ هُنَّ هُنَّهْ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب