الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكَأيِّنْ مِن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أمْرِ رَبِّها﴾ الآيَةَ. ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ - في مُذَكِّرَةِ الإمْلاءِ أنَّ كَأيِّنْ بِمَعْنى كَمْ فَهي إخْبارٌ بِعَدَدٍ كَثِيرٍ، وذَكَرَ إعْرابَها، والمَعْنى: كَثِيرٌ مِن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أمْرِ رَبِّها أيْ: تَكَبَّرَتْ وطَغَتْ وتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ لِلْمَعْنى بِالأمْثِلَةِ والشَّواهِدِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَكَأيِّنْ مِن قَرْيَةٍ أهْلَكْناها﴾ [الحج: ٤٥] في سُورَةِ ”الحَجِّ“ . وَمِمّا قَدَّمَهُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ - ومِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَتِلْكَ القُرى أهْلَكْناهم لَمّا ظَلَمُوا﴾ [الكهف: ٥٩]، بَيانٌ لِأصْحابِ الرِّئاسَةِ ورِجالِ السِّياسَةِ أنَّ هَلاكَ الدُّنْيا بِفَسادِ الدِّينِ، وأنَّ أمْنَ القُرى وطُمَأْنِينَةَ العالَمِ بِالحِفاظِ عَلى الدِّينِ. وَمِن هُنا كانَ الأمْرُ بِالمَعْرُوفِ، والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ في عامَّةِ النّاسِ لِلْحِفاظِ عَلى دِينِهِمْ وسَلامَةِ دُنْياهم، فَحَمَّلَ الشّارِعُ مُهِمَّتَهُ لِلْأُمَّةِ كُلِّها كُلٌّ بِحَسَبِهِ بِاليَدِ أوْ بِاللِّسانِ أوِ القَلْبِ، وهَذا الأخِيرُ أضْعَفُ الإيمانِ، ومَعَ ضَعْفِهِ فَفِيهِ الإبْقاءُ عَلى دَوامِ الإحْساسِ بِوُجُودِ المُنْكَرِ إلى أنْ يَقْدِرَ هو أوْ غَيْرُهُ عَلى تَغْيِيرِهِ. قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعالى هَذا المَفْهُومَ بِبَيانِ حالِ الَّذِينَ مَكَّنَهم في الأرْضِ بِنَصْرِهِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿الَّذِينَ إنْ مَكَّنّاهم في الأرْضِ أقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ وأمَرُوا بِالمَعْرُوفِ ونَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ ولِلَّهِ عاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج: ٤١] . ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى الأُمَمَ الَّتِي كَذَّبَتْ وعَتَتْ مِن قَوْمِ نُوحٍ وعادٍ وثَمُودَ ولُوطٍ وأصْحابِ مَدْيَنَ. ثُمَّ قالَ: ﴿فَكَأيِّنْ مِن قَرْيَةٍ أهْلَكْناها وهي ظالِمَةٌ فَهي خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ [الحج: ٤٥] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب