الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكم فَمِنكم كافِرٌ ومِنكم مُؤْمِنٌ واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ .
قالَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْنا وعَلَيْهِ - في مُذَكِّرَةِ الدِّراسَةِ: المَعْنى أنَّ اللَّهَ هو الَّذِي خَلَقَكم وقَدَّرَ عَلى قَوْمٍ مِنكُمُ الكُفْرَ، وعَلى قَوْمٍ مِنكُمُ الإيمانَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَهْدِي كُلًّا لِما قَدَّرَهُ عَلَيْهِ كَما قالَ: ﴿والَّذِي قَدَّرَ فَهَدى﴾ [الأعلى: ٣]، فَيَسَّرَ الكافِرَ إلى العَمَلِ بِالكُفْرِ، ويَسَّرَ المُؤْمِنَ لِلْعَمَلِ بِالإيمانِ، كَما قالَ ﷺ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ» . اهـ.
وَمِنَ المَعْلُومِ أنَّ هَذا النَّصَّ مِن مَأْزِقِ القَدَرِيَّةِ والجَبْرِيَّةِ، وأنَّ أهْلَ السُّنَّةِ يُؤْمِنُونَ أنَّ كُلًّا بِقَدَرِ اللَّهِ ومَشِيئَتِهِ، كَما قالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ في العَقِيدَةِ الواسِطِيَّةِ: وهم أهْلُ السُّنَّةِ وسَطٌ بَيْنَ (p-١٩٦)قَوْلِ: إنَّ العَبْدَ مَجْبُورٌ عَلى عَمَلِهِ لا اخْتِيارَ لَهُ كالوَرَقَةِ في مَهَبِّ الرِّيحِ. وبَيْنَ قَوْلِ: إنَّ العَبْدَ يَخْلُقُ فِعْلَهُ بِنَفْسِهِ، ويَفْعَلُ ما يُرِيدُ بِمَشِيئَتِهِ.
وَأهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِمَن شاءَ مِنكم أنْ يَسْتَقِيمَ وما تَشاءُونَ إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ العالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٩] .
وَقَدْ ذَكَرَ القُرْطُبِيُّ أقْوالَ الطّائِفَتَيْنِ مِن أهْلِ العِلْمِ، ولِكُلِّ طائِفَةٍ ما اسْتَدَلَّتْ بِهِ، الأُولى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «خَلَقَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ في بَطْنِ أُمِّهِ كافِرًا، وخَلَقَ يَحْيى بْنَ زَكَرِيّا في بَطْنِ أُمِّهِ مُؤْمِنًا» .
بِما في الصَّحِيحِ مِن قَوْلِهِ ﷺ: ”إنَّ «أحَدَكم لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ حَتّى ما يَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَها إلّا ذِراعٌ أوْ باعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النّارِ فَيَدْخُلُها، وإنَّ أحَدَكم لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النّارِ حَتّى لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وبَيْنَها إلّا ذِراعٌ أوْ باعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُها»“ .
وَقالَ: قالَ عُلَماؤُنا: تَعَلَّقَ العِلْمُ الأزَلِيُّ بِكُلِّ مَعْلُومٍ، فَيَجْرِي ما عَلِمَ وأرادَ وحَكَمَ.
الثّانِيَةُ: ما جاءَ في قَوْلِهِ: وقالَ جَماعَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ: إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ ثُمَّ كَفَرُوا وآمَنُوا، قالُوا: وتَمامُ الكَلامِ: و ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾، ثُمَّ وصَفَهم فَقالَ: ﴿فَمِنكم كافِرٌ ومِنكم مُؤْمِنٌ﴾ .
وَكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دابَّةٍ مِن ماءٍ فَمِنهم مَن يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ﴾ [النور: ٤٥]، قالُوا: فاللَّهُ خَلَقَهم والمَشْيُ فِعْلُهم.
واخْتارَهُ الحُسَيْنُ بْنُ الفَضْلِ، قالَ: لِأنَّهُ لَوْ خَلَقَهم كافِرِينَ ومُؤْمِنِينَ لَما وصَفَهم بِفِعْلِهِمْ، واحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ ﷺ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلى الفِطْرَةِ» . الحَدِيثَ. اهـ.
وَبِالنَّظَرِ في هاتَيْنِ المَقالَتَيْنِ نَجِدُ الآتِيَ:
أوَّلًا: التَّشْبِيهُ في المَقالَةِ الثّانِيَةِ لا يَسْلَمُ؛ لِأنَّ وصْفَ الدَّوابِّ في حالَةِ المَشْيِ لَيْسَ وصْفًا فِعْلِيًّا، وإنَّما هو مِن ضِمْنِ خَلْقِهِ تَعالى لَها ولَمْ يَكُنْ مِنها فِعْلٌ في ذَلِكَ.
ثانِيًا: ما اسْتَدَلَّتْ بِهِ كُلُّ طائِفَةٍ مِنَ الحَدِيثَيْنِ لا تَعارُضَ بَيْنَهُما؛ لِأنَّ الحَدِيثَ الأوَّلَ: «إنَّ أحَدَكم لَيَعْمَلُ» لِبَيانِ المَصِيرِ والمُنْتَهى، وفْقَ العِلْمِ الأزَلِيِّ والإرادَةِ القَدَرِيَّةِ.
(p-١٩٧)والحَدِيثَ الثّانِيَ لِبَيانِ مَبْدَأِ وُجُودِ الإنْسانِ في الدُّنْيا وأنَّهُ يُولَدُ عَلى الفِطْرَةِ حِينَما يُولَدُ، أمّا مَصِيرُهُ فَبِحَسَبِ ما قَدَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ نَقَلَ القُرْطُبِيُّ كَلامًا لِلزَّجّاجِ وقالَ عَنْهُ: هو أحْسَنُ الأقْوالِ ونَصُّهُ: إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الكافِرَ، وكُفْرُهُ فِعْلٌ لَهُ وكَسْبٌ، مَعَ أنَّ اللَّهَ خالِقُ الكُفْرِ، وخَلَقَ المُؤْمِنَ، وإيمانُهُ فِعْلٌ لَهُ وكَسْبٌ، مَعَ أنَّ اللَّهَ خالِقُ الإيمانِ. والكافِرُ يَكْفُرُ ويَخْتارُ الكُفْرَ بَعْدَ أنْ خَلَقَ اللَّهُ إيّاهُ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى قَدَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وعَلِمَهُ مِنهُ، لِأنَّ وُجُودَ خِلافِ المُقَدَّرِ عَجْزٌ، ووُجُودَ خِلافِ المَعْلُومِ جَهْلٌ.
قالَ القُرْطُبِيُّ: وهَذا أحْسَنُ الأقْوالِ، وهو الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الأُمَّةِ. اهـ.
وَلَعَلَّ مِمّا يَشْهَدُ لِقَوْلِ الزَّجّاجِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ خَلَقَكم وما تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٦] .
هَذا حاصِلُ ما قالَهُ عُلَماءُ التَّفْسِيرِ، وهَذا المَوْقِفُ كَما قَدَّمْنا مِن مَأْزِقِ القَدَرِ والجَبْرِ، وقَدْ زَلَّتْ فِيهِ أقْدامٌ وضَلَّتْ فِيهِ أفْهامٌ، وبِتَأمُّلِ النَّصِّ وما يَكْتَنِفُهُ مِن نُصُوصٍ في السِّياقِ مِمّا قَبْلَهُ وبَعْدَهُ، نَجِدُ الجَوابَ الصَّحِيحَ والتَّوْجِيهَ السَّلِيمَ، وذَلِكَ ابْتِداءً مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ وهو عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ .
فَكَوْنُ المُلْكِ لَهُ لا يَقَعُ في مُلْكِهِ إلّا ما يَشاءُ، وكَوْنُهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَفْعَلُ في مُلْكِهِ ما يُرِيدُ.
ثُمَّ قالَ: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكم فَمِنكم كافِرٌ ومِنكم مُؤْمِنٌ واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ .
ثُمَّ جاءَ بَعْدَها
{"ayah":"هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرࣱ وَمِنكُم مُّؤۡمِنࣱۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











