الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ في سَبِيلِهِ صَفًّا كَأنَّهم بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ﴾ [الصف: ٤] .
اخْتَلَفَ عُلَماءُ التَّفْسِيرِ في المُرادِ بِالبُنْيانِ المَرْصُوصِ، فَنَقَلَ بَعْضُهم عَنِ الفَرّاءِ: أنَّهُ المُتَلاحِمُ بِالرَّصاصِ لِشِدَّةِ قُوَّتِهِ، والجُمْهُورُ: أنَّهُ المُتَلاصِقُ المُتَراصُّ المُتَساوِي.
والواقِعُ أنَّ المُرادَ بِالتَّشْبِيهِ هُنا هو وجْهُ الشَّبَهِ، ولا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ هُنا هو شَكْلُ البِناءِ لا في تَلاحُمِهِ بِالرَّصاصِ، وعَدَمِ انْفِكاكِهِ ولا تَساوِيهِ وتَراصِّهِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ يَتَنافى وطَبِيعَةَ الكَرِّ والفَرِّ في أرْضِ المَعْرَكَةِ، ولِكُلِّ وقْعَةٍ نِظامُها حَسَبَ مَوْقِعِها.
والَّذِي يَظْهَرُ واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ: أنَّ وجْهَ الشَّبَهِ المُرادَ هُنا هو عُمُومُ القُوَّةِ والوَحْدَةِ.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَجُوزُ أنْ يُرِيدَ اسْتِواءَ بِنائِهِمْ في الثَّباتِ حَتّى يَكُونُوا في اجْتِماعِ الكَلِمَةِ كالبُنْيانِ المَرْصُوصِ. ا هـ.
وَيَدُلُّ لِهَذا الآتِي:
أوَّلًا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذْ غَدَوْتَ مِن أهْلِكَ تُبَوِّئُ المُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٢١] .
فالمَقاعِدُ هُنا هي المَواقِعُ لِلْجَماعاتِ مِنَ الجَيْشِ، وهي التَّعْبِئَةُ حَسَبَ ظُرُوفِ المَوْقِعَةِ، كَما فَعَلَ ﷺ في وضْعِ الرُّماةِ في غَزْوَةِ أُحُدٍ حِمايَةً لِظُهُورِهِمْ مِنَ التِفافِ العَدُوِّ بِهِمْ (p-١٠٧)لِطَبِيعَةِ المَكانِ، وكَما فَعَلَ في غَزْوَةِ بَدْرٍ ورَصَّهم، وسَوّاهم بِقَضِيبٍ في يَدِهِ أيْضًا لِطَبِيعَةِ المَكانِ.
وَهَكَذا، فَلابُدَّ في كُلِّ وقْعَةٍ مِن مُراعاةِ مَوْقِعِها، بَلْ وظُرُوفِ السِّلاحِ والمُقاتِلَةِ.
وَقَدْ ذَكَرَ صاحِبُ الجُمّانِ في تَشْبِيهاتِ القُرْآنِ أجْزاءَ الجَيْشِ وتَقْسِيماتِهِ بِصِفَةٍ عامَّةٍ مِن قَلْبٍ ومَيْمَنَةٍ ومَيْسَرَةٍ وأجْنِحَةٍ، ونَحْوِ ذَلِكَ فَيَكُونُ وجْهُ الشَّبَهِ هو الِارْتِباطَ المَعْنَوِيَّ والشُّعُورَ بِالمَسْئُولِيَّةِ، والإحْساسَ بِالواجِبِ كَما فَعَلَ الحَبّابُ بْنُ المُنْذِرِ في غَزْوَةِ بَدْرٍ حِينَ نَظَرَ إلى مَنزِلِ المُسْلِمِينَ مِنَ المَوْقِعِ فَلَمْ يَرُقْهُ، وسَألَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وأجابَهُ فَأبْدى خُطَّةً جَدِيدَةً فَأخَذَ بِها ﷺ وغَيَّرَ المَوْقِعَ مِن مَكانِ المَعْرَكَةِ.
وَثانِيًا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ ﴿وَأطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ ولا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكم واصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرِينَ﴾ [الأنفال: ٤٥ - ٤٦] .
فَذَكَرَ تَعالى مِن عَوامِلِ النَّصْرِ: الثَّباتَ عِنْدَ اللِّقاءِ، وذِكْرَ اللَّهِ والطّاعَةَ، والِامْتِثالَ، والحِفاظَ عَلَيْها بِعَدَمِ التَّنازُعِ والصَّبْرَ عِنْدَ الحَمْلَةِ والمُجالَدَةَ، فَتَكُونُ حَمْلَةَ رَجُلٍ واحِدٍ، وكُلُّها داخِلَةٌ تَحْتَ مَعْنى البُنْيانِ المَرْصُوصِ في قُوَّتِهِ وحِمايَتِهِ وثَباتِهِ، وقَدْ عابَ تَعالى عَلى اليَهُودِ تَشَتُّتَ قُلُوبِهِمْ عِنْدَ القِتالِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿تَحْسَبُهم جَمِيعًا وقُلُوبُهم شَتّى﴾ [الحشر: ١٤]، وامْتَدَحَ المُؤْمِنِينَ في قِتالِهِمْ بِوَحْدَتِهِمْ كَأنَّهم بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ.
وَقَدْ جاءَتِ السُّنَةُ بِهَذا التَّشْبِيهِ لِلتَّعاوُنِ في قَوْلِهِ ﷺ: «المُسْلِمُ لِلْمُسْلِمِ كالبُنْيانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» .
فَهُوَ يُبَيِّنُ المُرادَ مِن وجْهِ الشَّبَهِ في البُنْيانِ المَرْصُوصِ هُنا، وقَدْ أُثِرَ عَنْ أبِي مُوسى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلُهُ لِأصْحابِهِ: الزَمُوا الطّاعَةَ؛ فَإنَّها حِصْنُ المُحارِبِ.
وَعَنْ أكْثَمَ بْنِ صَيْفِيٍّ: أقِلُّوا الخِلافَ عَلى أُمَرائِكم، وإنَّ المُسْلِمِينَ اليَوْمَ لَأحْوَجُ ما يَكُونُونَ إلى الِالتِزامِ بِهَذا التَّوْجِيهِ القُرْآنِيِّ الكَرِيمِ، إزاءَ قَضِيَّتِهِمِ العامَّةِ مَعَ عَدُوِّهِمِ المُشْتَرِكِ، ولا سِيَّما، وقَدْ مَرَّ العالَمُ الإسْلامِيُّ بِعِدَّةِ تَجارِبَ في تارِيخِهِمُ الطَّوِيلِ وكانَ لَهم مِنها أوْضَحُ العِبَرِ، ولَهم في هَذا المَنهَجِ القُرْآنِيِّ أكْبَرُ مُوجِبٍ لِاسْتِرْجاعِ حُقُوقِهِمْ والحِفاظِ عَلى كِيانِهِمْ، فَضْلًا عَنْ أنَّهُ العَمَلُ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ مِن عِبادِهِ، وبِاللَّهِ تَعالى التَّوْفِيقُ.
{"ayah":"إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلَّذِینَ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِهِۦ صَفࣰّا كَأَنَّهُم بُنۡیَـٰنࣱ مَّرۡصُوصࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











