الباحث القرآني
(p-١٠٤)﷽
سُورَةُ الصَّفِّ
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ﴾ (٢) ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ﴾ (٣) ﴿إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ في سَبِيلِهِ صَفًّا كَأنَّهم بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ﴾ (٤) .
فِي الآيَةِ الأُولى إنْكارٌ عَلى الَّذِينَ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ، وفي الآيَةِ الثّانِيَةِ بَيانُ شِدَّةِ غَضَبِ اللَّهِ ومَقْتِهِ عَلى مَن يَكُونُ كَذَلِكَ، ولَكِنْ لَمْ يُبَيِّنْ هُنا القَوْلَ المُغايِرَ لِلْفِعْلِ المَنهِيِّ عَنْهُ، والمُعاتَبِينَ عَلَيْهِ والمُسْتَوْجِبَ لِشِدَّةِ الغَضَبِ إلّا أنَّ مَجِيءَ الآيَةِ الثّالِثَةِ بَعْدَهُما يُشْعِرُ بِمَوْضُوعِ القَوْلِ والفِعْلِ، وهو الجِهادُ في سَبِيلِ اللَّهِ.
وَقَدِ اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ عُلَماءِ التَّفْسِيرِ عَلى أنَّ سَبَبَ النُّزُولِ مَعَ تَعَدُّدِهِ عِنْدَهم أنَّهُ حَوْلَ الجِهادِ في سَبِيلِ اللَّهِ مِن رَغْبَةٍ في الإذْنِ لَهم في الجِهادِ ومَعْرِفَةِ أحَبِّ الأعْمالِ إلى اللَّهِ، ونَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَدْ بَيَّنَ القُرْآنُ في عِدَّةِ مَواضِعَ أنَّ مَوْضُوعَ الآيَتَيْنِ الأُولى والثّانِيَةِ فِيما يَتَعَلَّقُ بِالجِهادِ وتَمَنِّيهِمْ إيّاهُ.
مِن ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى عَنْهم: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وذُكِرَ فِيها القِتالُ رَأيْتَ الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إلَيْكَ نَظَرَ المَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ﴾ [محمد: ٢٠] .
وَمِنها قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ قِيلَ لَهم كُفُّوا أيْدِيَكم وأقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتالُ إذا فَرِيقٌ مِنهم يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أوْ أشَدَّ خَشْيَةً وقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنا القِتالَ لَوْلا أخَّرْتَنا إلى أجَلٍ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ٧٧] .
وَمِنها قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأدْبارَ وكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا﴾ (p-١٠٥)[الأحزاب: ١٥] .
فَفِي الآيَةِ الأُولى: تَمَنَّوْا نُزُولَ سُورَةٍ يُؤْذَنُ فِيها بِالقِتالِ، فَلَمّا نَزَلَتْ صارَ مَرْضى القُلُوبِ كالمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ.
وَفِي الثّانِيَةِ: قِيلَ لَهم كُفُّوا أيْدِيَكم عَنِ القِتالِ، فَتَمَنَّوُا الإذْنَ لَهم فِيهِ، فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ رَجَعُوا وتَمَنَّوْا لَوْ أُخْرِجُوا إلى أجَلٍ قَرِيبٍ.
وَفِي الثّالِثَةِ: أعْطَوُا العُهُودَ عَلى الثَّباتِ وعَدَمِ التَّوَلِّي، وكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا، فَلَمّا كانَ في أُحُدٍ وقَعَ ما وقَعَ وكَذَلِكَ في حُنَيْنٍ، ويَشْهَدُ لِهَذا أيْضًا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنهم ياأهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكم فارْجِعُوا ويَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وما هي بِعَوْرَةٍ إنْ يُرِيدُونَ إلّا فِرارًا﴾ ﴿وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِن أقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ لَآتَوْها وما تَلَبَّثُوا بِها إلّا يَسِيرًا﴾ ﴿وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأدْبارَ﴾ الآيَةَ [الأحزاب: ١٣ - ١٥] .
فَفِي هَذا السِّياقِ بَيانٌ لِعِتابِهِمْ عَلى نَقْضِ العَهْدِ، وهو مَعْنى: لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ سَواءٌ بِسَواءٍ، ويُقابِلُ هَذا أنَّ اللَّهَ تَعالى امْتَدَحَ طائِفَةً أُخْرى مِنهم حِينَ أوْفَوْا بِالعَهْدِ، وصَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنهم مَن قَضى نَحْبَهُ ومِنهم مَن يَنْتَظِرُ وما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: ٢٣] .
ثُمَّ بَيَّنَ الفَرْقَ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ بِقَوْلِهِ بَعْدَها: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ ويُعَذِّبَ المُنافِقِينَ إنْ شاءَ أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْرًا﴾ الآيَةَ [الأحزاب: ٢٤ - ٢٥]، وذَلِكَ في غَزْوَةِ الأحْزابِ.
فَتَبَيَّنَ بِهَذا أنَّ الفِعْلَ المُغايِرَ لِلْقَوْلِ هُنا هو عَدَمُ الوَفاءِ بِالعَهْدِ الَّذِي قَطَعُوهُ عَلى أنْفُسِهِمْ مِن قَبْلُ فاسْتَوْجَبُوا العِتابَ عَلَيْهِ، كَما تَبَيَّنَ أنَّ الَّذِينَ وفَّوْا بِالعَهْدِ اسْتَوْجَبُوا الثَّناءَ عَلى الوَفاءِ، وقَدِ اسْتُدِلَّ بِالآيَةِ مِن عُمُومِ لَفْظِها عَلى الإنْكارِ عَلى كُلِّ مَن خالَفَ قَوْلَهُ فِعْلُهُ، سَواءٌ في عَهْدٍ أوْ وعْدٍ أوْ أمْرٍ أوْ نَهْيٍ.
فَفِي الأمْرِ والنَّهْيِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالبِرِّ وتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ٤٤] .
وَكَقَوْلِهِ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ شُعَيْبٍ لِقَوْمِهِ: ﴿وَما أُرِيدُ أنْ أُخالِفَكم إلى ما أنْهاكم عَنْهُ﴾ [هود: ٨٨] .
(p-١٠٦)وَفِي العَهْدِ قَوْلُهُ: ﴿وَأوْفُوا بِالعَهْدِ إنَّ العَهْدَ كانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: ٣٤] .
وَمِن هَذا الوَجْهِ، فَقَدْ بَحَثَها الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِ - في عِدَّةِ مَواضِعَ، مِنها في سُورَةِ هُودٍ عِنْدَ قَوْلِ شُعَيْبٍ المَذْكُورِ.
وَمِنها عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واذْكُرْ في الكِتابِ إسْماعِيلَ إنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعْدِ﴾ [مريم: ٥٤]، في سُورَةِ ”مَرْيَمَ“ .
وَبَحَثَ فِيها الوَفاءَ بِالوَعْدِ، والفَرْقَ بَيْنَ الوَعْدِ والوَعِيدِ، والوَفاءِ بِالوَعْدِ والخُلْفِ في الوَعِيدِ، وعَقَدَ لَها مَسْألَةً، وساقَ آيَتِيِ ”الصَّفِّ“ هُناكَ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق