الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ الآيَةَ، أمَرَ اللَّهُ تَعالى نَبِيَّهُ ﷺ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنْ يُخْبِرَ الكُفّارَ، أنَّ تَعْجِيلَ العَذابِ عَلَيْهِمُ الَّذِي يَطْلُبُونَهُ مِنهُ ﷺ لَيْسَ عِنْدَهُ، وإنَّما هو عِنْدَ اللَّهِ، إنْ شاءَ عَجَّلَهُ، وإنْ شاءَ أخَّرَهُ عَنْهم، ثُمَّ أمَرَهُ أنْ يُخْبِرَهم بِأنَّهُ لَوْ كانَ عِنْدَهُ لِعَجَّلَهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ لَوْ أنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأمْرُ بَيْنِي وبَيْنَكُمْ﴾ الآيَةَ [الأنعام: ٥٨] . وَبَيَّنَ في مَواضِعَ أُخَرَ أنَّهم ما حَمَلَهم عَلى اسْتِعْجالِ العَذابِ إلّا الكُفْرُ والتَّكْذِيبُ، وأنَّهم إنْ عايَنُوا ذَلِكَ العَذابَ عَلِمُوا أنَّهُ عَظِيمٌ هائِلٌ، لا يَسْتَعْجِلُ بِهِ إلّا جاهِلٌ مِثْلُهم، • كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَئِنْ أخَّرْنا عَنْهُمُ العَذابَ إلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ ألا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهم وحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [هود: ٨]، • وقَوْلِهِ: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِها الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها والَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنها﴾ الآيَةَ [الشورى: ٥٤]، • وقَوْلِهِ: ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ وإنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكافِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٥٤]، • وقَوْلِهِ: ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ أتاكم عَذابُهُ بَياتًا أوْ نَهارًا ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنهُ المُجْرِمُونَ﴾ [يونس: ٥٠] . وَبَيَّنَ في مَوْضِعٍ آخَرَ أنَّهُ لَوْلا أنَّ اللَّهَ حَدَّدَ لَهم أجَلًا لا يَأْتِيهِمُ العَذابُ قَبْلَهُ لَعَجَّلَهُ عَلَيْهِمْ، وهو قَوْلُهُ:﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ ولَوْلا أجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ﴾ الآيَةَ [العنكبوت: ٥٣] . * تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿قُلْ لَوْ أنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأمْرُ﴾ الآيَةَ، صَرِيحٌ في أنَّهُ ﷺ لَوْ كانَ بِيَدِهِ تَعْجِيلُ العَذابِ عَلَيْهِمْ لَعَجَّلَهُ عَلَيْهِمْ، مَعَ أنَّهُ ثَبَتَ في ”الصَّحِيحَيْنِ“ مِن حَدِيثِ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ أرْسَلَ اللَّهُ إلَيْهِ مَلَكَ الجِبالِ، وقالَ لَهُ: إنْ شِئْتَ أطْبَقْتُ عَلَيْهِمُ الأخْشَبَيْنِ، وهُما جَبَلا مَكَّةَ اللَّذانِ يَكْتَنِفانِها، فَقالَ - ﷺ: ”بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرَجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا“» . والظّاهِرُ في الجَوابِ: هو ما أجابَ بِهِ ابْنُ كَثِيرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ، (p-٤٨١)وَهُوَ: أنَّ هَذِهِ الآيَةَ دَلَّتْ عَلى أنَّهُ لَوْ كانَ إلَيْهِ وُقُوعُ العَذابِ الَّذِي يَطْلُبُونَ تَعْجِيلَهُ في وقْتِ طَلَبِهِمْ، لَعَجَّلَهُ عَلَيْهِمْ، وأمّا الحَدِيثُ فَلَيْسَ فِيهِ أنَّهم طَلَبُوا تَعْجِيلَ العَذابِ في ذَلِكَ الوَقْتِ، بَلْ عَرَضَ عَلَيْهِ المَلَكُ إهْلاكَهم فاخْتارَ عَدَمَ إهْلاكِهِمْ، ولا يَخْفى الفَرْقُ بَيْنَ المُتَعَنِّتِ الطّالِبِ تَعْجِيلَ العَذابِ وبَيْنَ غَيْرِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب